الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

ولاية ترامب الأولى أم ولاية أوباما الثالثة؟

المصدر: "النهار"
جورج عيسى
ولاية ترامب الأولى أم ولاية أوباما الثالثة؟
ولاية ترامب الأولى أم ولاية أوباما الثالثة؟
A+ A-

لقد استطاع ترامب أن يترك بصمته في بعض التوجّهات التي أكّدت ولو مرحليّاً أنّه سيكون مختلفاً عن سلفه. في هذا المجال، تستحضر الذاكرة سريعاً ضربة صواريخ التوماهوك التي أمر البيت الأبيض بشنّها في نيسان الماضي على مطار #الشعيرات العسكريّ ردّاً على قصف النظام السوريّ بلدة خان شيخون بالسلاح الكيميائيّ. وتركت هذه العمليّة انطباعاً أوّليّاً مفاده أنّ ترامب سيلتزم بأيّ خطّ أحمر يرسمه، على عكس سلفه الذي تراجع عن تطبيق وعيده بفعل تردّده وحنكة نظيره الروسيّ.  


"أمّ القنابل" تثير حفيظة الروس

في الشهر نفسه، ألقت القوّات الأميركيّة "أمّ القنابل" على شبكة أنفاق لداعش في شرق #أفغانستان الأمر الذي أدّى إلى سقوط حوالي مئة قتيل من الإرهابيّين. فكانت رسالة أميركيّة ثانية بأنّ الرئيس الجديد سريع اللجوء إلى السلاح الفتّاك. كما وجّهت الرسالة إشارة ضمنيّة إلى الأنظمة المناهضة للولايات المتّحدة بوجود إدارة مقتدرة. ولعلّ ذلك كان وراء إطلاق وسائل الإعلام الروسيّة شريط فيديو يظهر ما سمّي بتجربة "أبي القنابل" الروسيّة مع إشارتها إلى أنّها تتفوّق على "أم القنابل" بأشواط، الأمر الذي شكّك به الكثير من العلماء.

كان واضحاً منذ البداية أنّ ترامب يختلف عن أوباما في كيفيّة الظهور أمام الإعلام وفي توجيه الخطابات القاسية علناً من دون مراعاة القواعد الديبلوماسيّة. وظهر ذلك خصوصاً في الأزمة الكوريّة الشماليّة. لكنّ هذه السياسات، شكلاً ومضموناً، لم تقنع أطرافاً أميركيّة كثيرة بوجود تغيير جوهري بين الإدارتين الحاليّة والسابقة. فحتى بالحديث عن #أفغانستان، بدا التململ واضحاً في الإعلام الأميركي تجاه السياسة الجديدة التي أطلقها ترامب الشهر الماضي. فهي لم تلقَ تأييداً لافتاً لدى المحافظين والليبيراليّين على حدّ سواء، لجهة إعلانه زيادة القوّات الأميركيّة هناك من دون تحديد سقف زمنيّ أو رسم معايير واضحة للانتصار في النزاع الدائر منذ أكثر من عقد ونصف.


"خطاب عضليّ" و "إحباط"

ذكّرت هيئة التحرير في صحيفة "لوس أنجيليس تايمس" الأميركيّة بأنّ ترامب قال عن التورّط العسكريّ في أفغانستان إنّه "كارثة شاملة". ووصفت السياسة الجديدة بكونها تشبه كثيراً سابقاتها بغضّ النظر عن "التغليف الجديد والمزيد من الخطاب العضليّ"، إذ إنّ الاكتفاء باستخدام القوة ضدّ طالبان ومثيلاتها بلا ضمان لجلبها إلى طاولة المفاوضات غير مفيد. ومع اعتراف الصحيفة بأنّ توجّه ترامب الجديد أفضل من بياناته السابقة حول ضرورة الانسحاب الذي ستستفيد منه المجموعات الإرهابيّة، إلّا أنّ ما أقدم عليه يشبه إلى حدّ بعيد ما فعله أوباما. فالأخير كان يريد تقليص عدد جنوده هناك قبيل انتهاء ولايته إلى حوالي الألف عنصر، إلّا أنّه استجاب مرّتين لأفكار مستشاريه مبقياً مزيداً من القوّات في أفغانستان. هذه الخطوة هي الأقلّ سوءاً بحسب الصحيفة، لكنّها مع ذلك، أشارت إلى "إحباط" مردّه أنّ #طالبان، بعد 16 عاماً على الاجتياح، ليست حيّة وحسب بل هي في حالة "تصاعديّة".


أيّ الكلام "خلف الأبواب المغلقة"؟

بالعودة إلى الملفّ الكوريّ، لاحظت الكاتبة جاكلين كليماس في مجلّة "بوليتيكو" الأميركيّة وجود هذا التشابه "إلى حدّ كبير" في ما يتعلّق بسياسة واشنطن تجاه #كوريا_الشماليّة. فمع وضع التصريحات العلنيّة للإدارة الحاليّة جانباً، نقلت كليماس، منذ أقلّ من شهر، عن مسؤولين أميركيّين قولهم "خلف الأبواب المغلقة" إنّ الهجوم العسكريّ الوقائيّ ضدّ نظام #بيونغ_يانغ "ليس على الطاولة".

وهذا ما أكّده لها الباحث في مؤسسة "هيريتدج" الأميركيّة بروس كلينغر الذي أضاف أنّ مستشاري ترامب يتبعون استراتيجية من خمس خطوات مشابهة لما كان يعتمده أوباما. من بينها، الضغط على كوريا الشمالية ودول أخرى تسهّل برنامج #كيم يونغ أون الصاروخي، تطوير وبناء القدرات والأنظمة الدفاعيّة، وإبداء الاستعداد والانفتاح على المحادثات الديبلوماسيّة بشرط التخلّي أوّلاً عن البرنامج النووي. ويؤيّد كلينغر في هذه الرؤية، الباحث البارز في "هيئة الرقابة على الأسلحة"، كيلسي دافنبورت الذي يرى أنّ انفتاح #واشنطن على كوريا الشماليّة مقروناً بشرط التخلّي عن البرنامج الصاروخيّ "مشابه" لما كان يجري في عهد أوباما.



"عدوّنا المميت"

تشابه السياسات بين الرئيسين لفت نظر العديد من المراقبين، حتى في الشرق الأوسط. مجلّة "كونسورفاتيف ريفيو" الأميركيّة عدّدت الكثير من النقاط التي لا يختلف فيها ترامب عن سلفه. ورأى الكاتب البارز فيها دانيال هوروفيتز أنّ الإدارة الحاليّة تمتنع عن إيصال مساعدات خارجيّة إلى مصر بقيمة 290 مليار دولار بسبب "مخاوف إنسانيّة". ورأى أنّ وراء هذا القرار أشخاصاً مقرّبين من الإخوان المسلمين الذين ما زالوا موجودين في هذه الإدارة كما كانوا نافذين في السابق داخل إدارة أوباما.

ورأى الكاتب أنّه بعكس حركة "طالبان" التي تشكّل خطراً محصوراً داخل الأراضي الأفغانيّة، تبرز إيران على أنّها "عدوّنا المميت". وكتب أنّ النظام الإيراني ضرب الولايات المتّحدة عبر السنوات واحتجز سفنها وبحّارتها من دون أن يواجه أيّ عقوبة. ولم تفشل واشنطن في الردّ على طهران وحسب، وإنّما قامت بتوقيع الاتفاق النوويّ معها أوّلاً ثمّ راحت تهدر مواردها لقتال داعش من دون أن تجد بديلاً له، الأمر الذي سيؤدّي إلى ملئها للفراغ بعد دحره، على حدّ تعبيره. ويضيف أنّ الإدارة الحاليّة باتت مرتاحة تجاه الاتفاق النووي، بحيث أصبحت شخصيّات مثل السفير الأميركي الأسبق إلى الأمم المتّحدة جون بولتون غير مرحّب بها في أروقتها.

بالفعل، تشير ملامح السياسة الخارجيّة الأميركيّة الجديدة إلى وجود نقاط تقاطع بينها وبين سياسة أوباما السابقة. لكن على الرغم من ذلك، وجُب انتظار بعض الوقت لحين بلورة الإدارة الجديدة التي ما زالت في طور التشكّل، رؤيتها الجديدة. ويبقى السؤال الجوهريّ عمّا إذا كان انتظار المراقبين سيطول كثيراً بعد، أم أنّ ترامب ومستشاريه سيسرّعون خطواتهم في هذا المجال.



الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم