السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

ترومان يأمر بالإعتراف بدولة إسرائيل فور إعلانها

المصدر: "النهار"
Bookmark
ترومان يأمر بالإعتراف بدولة إسرائيل فور إعلانها
ترومان يأمر بالإعتراف بدولة إسرائيل فور إعلانها
A+ A-
مع اقتراب 15 ايار 1948 موعد الانسحاب البريطاني من فلسطين، بعد قرار التقسيم، تسارعت الاتصالات والضغوط اليهودية بغية ضمان الاعتراف الدولي بالدولة اليهودية فور اعلانها، ولاسيما من جانب الولايات المتحدة، وتحاشي اصطدام قوات "الهاغاناه" التابعة للولايات اليهودية مع الجيوش العربية ولاسيما مع جيشي الاردن ومصر. وسعى العرب من جهتهم الى تحقيق نوع من الهدنة في فلسطين وتحاشي سيطرة اليهود على فلسطين بكاملها، يساعد على ذلك الانكليز. وتروي الوثائٍق السرية التي ينشرها محمد حسنين هيكل في هذه الحلقة (12) من ثلاثيته عن "القنوات السرية للمفاوضات العربية - الاسرائيلية" الايام الحاسمة والفاصلة عن موعد الجلاء البريطاني عن فلسطين والاستعداد اليهودي لادارة المناطق التي سيخليها الانكليز، مظهرين الاستعداد كذلك لجبه اي تدخلات عسكرية عربية. وبين ما تكشفه الوثائق حضور غولدا مائير الى عمان متسترة بعباءة وعقال اردنيين، للاجتماع بالملك عبدالله ومحاولة تحييد الجيش الذي يقوده ضباط انكليز. ونجحت المساعي اليهودية مع الرئىس هاري ترومان فاصدر تعليماته بالاعتراف بدولة اسرائيل فور اعلانه، وقت اظهر العرب تضعضعاً وارتباكا، على رغم قرار مصر دخول الحرب، وسلموا قيادة جيوشهم الى ضابط عراقي فضل لعبة "الثلاث اوراق" مع محتال في احد شوارع القاهرة على حضور اجتماع عسكري مهم. وتنشر "النهار" ثلاثية هيكل بموجب ترتيب مع "دار الشروق" في القاهرة التي تصدر الكتب الثلاثة كل واحد على حدة. -12- موشي شرتوك "لا داعي الى الخوف من العرب فهم ضعفاء بطريقة بائسة". (حاييم وايزمان للسفير الأميركي الدائم في الأمم المتحدة). ان الوثائق البريطانية والاميركية والاسرائيلية، وكلها الان متاحة، تكفي لمعرفة ما كان يجري في الخفاء طوال عام 1947. لكن هناك ثلاث حقائق يمكن رصدها من خلال قراءة دقيقة لهذه الوثائق: 1- الحقيقة الاولى ان الولايات المتحدة الاميركية، رئيسها وحكومتها ايضا، اصبحت بالكامل من انصار قيام دولة يهودية في فلسطين، مع ادراكها كل المصاعب التي تنتظرها على الطريق. ان الرئيس الاميركي هاري ترومان مضى في طريقه نحو فتح ابواب هجرة اليهود واقامة دولة يهودية في فلسطين، لا يلوي على شيء. ويمكن ان يقال ان مصالحه الانتخابية وارتباطاته الشخصية والسياسية كانت محركه، ولكن الذي لا يقبل الشك في الوقت عينه ان بقية اجهزة الدولة الاميركية اقتفت خطى الرئيس. ولم يكن ذلك بمجرد ضغط منه، وانما الى جانب ذلك كان نتيجة تقديراتها لأوضاع متغيرة افرزت رؤية استراتيجية مختلفة. وكانت الحرب الباردة ومطالبها هي اظهر الاعتبارات التي افسحت المجال لهذه الرؤية. وربما ان السياسة الاميركية، وقد آل اليها ارث الشرق الاوسط بكامله عن بريطانيا، لم تلبث ان اكتشفت اهمية منطق نابوليون وبعده بالمرستون في افضلية عزل مصر عن سوريا، وبعده عزل عرب افريقيا عن عرب المشرق اذا امكن. 2- والحقيقة الثانية ان تقسيم فلسطين اصبح قرارا نافذا من الجمعية العمومية للأمم المتحدة صدر يوم 29 نوفمبر (تشرين الثاني) 1947 برقم 181. وفي اجواء اشبه ما تكون بعاصفة اجتاحت ليك ساكسس حيث المقر المؤقت للامم المتحدة في نيويورك. لقد تعرض مندوبو الدول في الجمعية لصنوف من الضغط بدت لا تقاوم، واستهدفت توفير غالبية كافية للموافقة على قرار التقسيم. (وهناك تفاصيل كثيرة معروفة وشائعة عن تهديدات وجهت الى رؤساء دول، وعن رشاوى دفعت لمندوبين، وعن شركات اميركية كبرى تدخلت لارغام اصوات على تغيير اتجاهها، واشهر مثال على ذلك ما حدث من شركة فايرستون للمطاط مع رئيس جمهورية ليبيريا حتى يفرض تغيير صوت بلاده من لا الى نعم للتقسيم. والنتيجة ان قرار التقسيم بدا عملية فرض بالقوة اكثر منه عملية اختيار لحل مناسب. 3- والحقيقة الثالثة ان العرب في هذه الفترة كانوا بالفعل شبه عراة من كل الوسائل اللازمة لتغطية مواقفهم في مواجهة من هذا النوع. وبعد اسابيع قليلة من صدور قرار التقسيم بدا العالم العربي اشبه ما يكون بجسد كبير عاجز عن الحركة، واذا تحرك فقد كان اول ايحاء تعطيه حركته انها صادرة عن مركز عصبي فقد تماسكه. وبدأت 1948، وهي السنة التي قامت فيها الدولة اليهودية في فلسطين والاجواء مختلطة، والضباب يغطي الساحة، والخطى متعثرة.  في أواخر 1947 اعلنت الحكومة البريطانية انه، وقد صدر قرار الجمعية العمومية للأمم المتحدة بتقسيم فلسطين دولة عربية ودولة يهودية، فانه لم يعد امامها (الحكومة البريطانية) الا ان تسحب قواتها من فلسطين فاتحة المجال بذلك لتنفيذ قرار المجتمع الدولي. وهكذا وجد الكل انفسهم امام امر واقع عليهم ان يواجهوه، كل بطريقته ووفق رؤاه. وكانت الرؤية فوضى واسعة ترسم الوثائق صورة حية لها.  وثيقة رقم 47/-/2 ج مذكرة من السفارة البريطانية في واشنطن الى وزارة الخارجية الاميركية. "التاريخ: 5 يناير (كانون الثاني)، 1948 "سري جدا" 1- اثناء مناقشة بين المستر بيفن (وزير خارجية بريطانيا) والمستر مارشال (رئيس أركان حرب الجيش الاميركي السابق الذي اختاره الرئيس ترومان لكي يكون وزيرا لخارجيته) وذلك حينما اجتمع الاثنان في لندن يوم 17 ديسمبر (كانون الاول) 1947، عبر المستر بيفن عن رأيه ان ردود فعل الحكومات العربية حيال قرارات الامم المتحدة في شأن فلسطين كانت أسوا مما توقع على رغم كل الجهود التي بذلها الممثلون البريطانيون في العالم العربي "لتعقيل" الحكومات العربية. وقال المستر بيفن انه سوف يقابل كل الممثلين العرب في لندن واحدا بعد الاخر لكي يتولى "تركيزهم" (to steady them). ان الحكومة البريطانية تخشى ان الموقف في الشرق الاوسط سوف يفلت زمامه، وقد يعرض المصالح البريطانية والاميركية للخطر هناك، وهو امر لا يستفيد منه الا الاتحاد السوفياتي. 2- ولتوضيح وجهة نظره اكثر فان المستر بيفن اشار الى ملخص للاتصالات التي اجراها الممثلون البريطانيون في عدد من العواصم العربية المعتمدة لديها. ومنها امكن استخلاص ردود الفعل العربية حيال ما اعلنته الحكومة البريطانية من انها تنوي سحب قواتها من فلسطين. أ - ان كل المسؤولين العرب اعطوا تأكيدات انهم سوف يتجنبون القيام بأي عمل يؤدي الى احتكاك مع القوات البريطانية في الفترة السابقة للانسحاب، لكنهم مع ذلك لا يعرفون كيف يمكن تجنب المخاطر التي ستنشأ اذا ما افترض الاخرون ان معارضة العرب تقسيم فلسطين سوف تقتصر على مجرد الكلام وان يكن عنيفا. ب - ان كل الحكومات العربية لا تعتقد انها تستطيع كبح جماح مواطنيها عن التطوع للقتال في فلسطين. وقد ورد ذلك بالنص على لسان وزير خارجية مصر (احمد خشبة باشا)، ونائب رئيس وزارة العراق ورياض الصلح رئيس وزراء لبنان، وجميل مردم رئيس وزراء سوريا، وسمير الرفاعي باشا رئيس وزراء الاردن. ج - ان هناك قلقا واضحا في شأن ما اذا كان اليهود سيضبطون تصرفاتهم، او ان احدا ينصحهم بذلك على نحو مؤثر. وقد عبر عن هذا الرأي وزير خارجية مصر والشيخ يوسف ياسين وكيل وزارة الخارجية السعودية. ومن الواضح ان هذا القلق مبعثه تكرار اعتداء اليهود على العرب في فلسطين، وكثرة اعداد الضحايا بين العرب. د - لقد كانت هناك مرارة واضحة لدى كل المسؤولين العرب ضد الحكومة البريطانية، واكثر ضد حكومة الولايات المتحدة الاميركية. وفي التعبير عن المرارة ضد الحكومة الاميركية بالذات فقد تكررت الاشارات الى ديبلوماسية الدولار (Dollar diplomacy). ومن الملحوظ انه بدت من البعض تعبيرات عن الرغبة في الصداقة مع بريطانيا، وفي الغالب ان تلك كانت محاولة للعب ببريطانيا ضد الولايات المتحدة. ه - من المؤكد ان هذه الاوضاع سوف تؤثر على كل محاولات اقامة نظام للدفاع عن الشرق الاوسط. وعلى سبيل المثال فان رياض الصلح رئيس وزراء لبنان اهاب بالحكومة البريطانية ان تعزز صداقاتها مع العرب. واشار الى المفاوضات التي تجري بين بريطانيا وكل من العراق ومصر. كما انه قلل من قيمة الاتفاق مع شرق الاردن قائلا: " اي فائدة لهذا الاتفاق اذا ضاعت فلسطين؟" 3 - ان هناك علامات ظاهرة على رغبة عامة في التفاهم مع بريطانيا، ومن دون هذا التعاون يخشى الزعماء العرب ان الامور سوف تفلت من ايديهم، ان احداً من هؤلاء الزعماء لم يشرح بوضوح ماذا يريد منا، ولكن مؤدى كلامهم جميعا يمكن ترجمته في عبارة "اليس في مقدوركم ان تفعلوا شيئا لمساعدتنا؟" 4- ان هذه المشاعر جرى التعبير عنها في احاديث مع نوري السعيد وصالح جبر (رئيسا وزراء في العراق). وكان رئيس الديوان الملكي تحسين قدري هو الاكثر صراحة في شرح ما يريد. وقال للسفير البريطاني في بغداد "لمدة ثلاثين عاما كانت الحكومة البريطانية هي التي تقول لنا كيف نتصرف. وكنا بالفعل نتصرف لما فيه مصلحة البلدين. والان للمرة الاولى فانتم لا تقولون لنا شيئا سوى النصح بالتزام الهدوء. والوصي على العرش والحكومة يريدان ما هو اكثر والا فان "الاعداء" سوف يجدونها فرصة لتكثيف الضغوط علينا". 5 - هناك تفاصيل لها تأثير على الموقف العام يستحسن وضعها في الاعتبار، ومنها ان الحكومة الاردنية تركز اهتمامها على ان تحصل لنفسها على القسم العربي من فلسطين، وتعتقد ان في امكانها ان تتوصل الى اتفاق في هذا الشأن مع اليهود. لكنها تحت الضغط مضطرة الى مسايرة الرأي العام العربي. ........... ...........  كان الرئيس الاميركي هاري ترومان يعرف "ما يريد"، كما انه كان يعرف ما يريده الاخرون عارفا حدود كل منهم - وهكذا تتحدث الوثائق:  وثيقة رقم 448 -2/ج 090 711 مذكرة كتبها السفير الاميركي في العراق (وادسورث) الى مدير قسم الشرق الاوسط في وزارة الخارجية الاميركية (لوي هندرسون) عن مقابلة له مع الرئيس ترومان. "التاريخ: 4 فبراير (شباط) 1948 "سري جدا" الموضوع: حوار مع الرئيس. كما تعلم فانني قابلت الرئيس وقد قدمت اليه مذكرة بواسطة مساعده لشؤون الامن القومي الاميرال سويرز، وتم ذلك قبل الاجتماع لكي يكون على علم مسبق بما انوي ان اتحدث فيه، وكان بناء على طلب الاميرال سويرز. وقد استقبلني الرئيس عند الظهر تماما وتحدثنا لمدة خمس عشرة دقيقة. قال لي الرئيس انه قرأ الورقة التي ارسلتها اليه، وعقب بقوله "ان الاوضاع في الشرق الاوسط هي التي تشغله الان". وقد قلت له انني اريد ان اعرف منه مباشرة...
ادعم الصحافة المستقلة
اشترك في خدمة Premium من "النهار"
ب 6$ فقط
(هذا المقال مخصّص لمشتركي خدمة بريميوم)
إشترك الأن
هل أنت مشترك؟ تسجيل الدخول

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم