السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

علاوي يستأنف من بيروت رحلة عودته إلى حكم العراق، فهل من يتبناه؟

ابرهيم بيرم
علاوي يستأنف من بيروت رحلة عودته إلى حكم العراق، فهل من يتبناه؟
علاوي يستأنف من بيروت رحلة عودته إلى حكم العراق، فهل من يتبناه؟
A+ A-

قبيل أيام قليلة ظهر السياسي العراقي المخضرم إياد علاوي في قصر بعبدا زائراً الرئيس ميشال عون بصفته نائباً للرئيس العراقي، فاستعاد المعنيون بالشأن العراقي صورة هذا السياسي السبعيني متسائلين عن سر احتجابه عن صورة الوضع الدراماتيكي الملتهب في بلاد الرافدين، وهل هو فعلاً قرار اتخذه بالنأي بنفسه عن التطورات الجارية هناك وهو الذي تولى المنصب الاهم في بغداد أي رئاسة الوزراء في واحدة من أشد المراحل حراجة في تاريخ العراق بعد خلع نظام صدام حسين، وهو ايضا الذي جمع في الانتخابات العامة ما قبل الاخيرة في بلاده من النواب ما أهّله للعودة الى المنصب الاهم إياه وأوشك فعلاً ان يعود بهذه الصفة الى المنطقة الخضراء لولا الاعتراض الحاد الذي أبدته كل مكونات البيت الشيعي العراقي مشفوعاً بمعارضة طهران الخفية. 

 اعتاد علاوي زيارة بيروت مرتين في السنة، وأحياناً اكثر، وتختلط في هذه الزيارة الاغراض العائلية بالاغراض السياسية. ففضلاً عن كونه سليل العائلة العسيرانية من جهة والدته، فإن قسماً من عائلته يقيم منذ زمن في العاصمة اللبنانية. وفي كل مرة يحط فيها رحاله في بيروت يحرص على عقد لقاءات مكثفة أغلبها مع سياسيين أصدقاء ومنهم رئيس مجلس النواب نبيه بري والرئيس فؤاد السنيورة زميله في مجلس السياسات العربية، الاطار النخبوي الذي يجمع سنوياً عدداً من المحترفين السياسيين المدرجين في الخط الليبرالي – الغربي في العالم العربي، ومنهم طاهر المصري وعمرو موسى ومروان المعشر.

 زياراته ولقاءاته تتم عادة بعيداً من الاضواء، ولكن هذه المرة ثمة من نصحه بالظهور في قصر بعبدا بصفته السياسية الحالية رغم أن منصبه الحالي لا قيمة عملية له إذ إن نيابة الرئاسة في العراق شرفية فلا صلاحيات ولا مخصصات لها (هناك 4 نواب للرئيس في بغداد). وثمة من يعزو قرار الظهور إلى اعتبارين:

الأول: لكي يكون لقاء بعبدا بحد ذاته قنطرة عبور لتفعيل علاقته بعون امتداداً الى المحور السسياسي الذي يعتبر سيد بعبدا جزءاً منه مقدمة لازمة لكي ينهي (علاوي) قطيعة مزمنة مع هذا المحور وزعيمته وحتى مع دمشق التي شكلت له يوم كان معارضاً لنظام صدام ملاذاً. وهو تولى أيضاً دور ناقل الرسائل اليها من واشنطن، والغرب عموماً، وكان آخرها غداة اشتعال فتيل الازمة فيها هي الرسالة التي انطوت على تعهد غربي بالإبقاء على نظام بشار الاسد اذا ما قطع صلاته بطهران وبـ "حزب الله" وبحركة "حماس" (يومذاك).

 الثاني: إن هذا الظهور من عاصمة البريق الإعلامي بيروت هو علامة فارقة في هذه اللحظة، فهو يضمن إعادته الى صدارة المشهد العراقي، ومشهد المنطقة عموماً، بعد طول غياب. والإطلالة الآن ذات معنى وبُعد بالنسبة إليه إذ إن العراق في طور تحولات جذرية أبرزها تداعي البيت السياسي الشيعي، وبدء موسم التحضير للانتخابات العامة في العراق. هي، إذاً، إطلالة ذات منفعة مزدوجة للطبيب العراقي الذي امضى جل حياته السياسية واقفاً على رصيف الانتظار مستعيناً بغيره وقاصراً عن أن يكون حالة سياسية مستقلة وازنة ومؤثرة.

معلوم أن علاوي باشر رحلته السياسية بعثياً في عباءة نظام صدام، وفي مطلع الثمانينات انشق عنه وانتقل الى دمشق مطلقاً منها اطاراً معارضاً أسماه "حركة الوفاق" مطلقاً معه إذاعة وصحيفة ثم هاجر الى لندن فإلى كردستان العراق متصدراً مؤتمرات المعارض التي تكثفت في أعقاب غزو صدام للكويت وهزيمته المدوية هناك. وكان علاوي يحرص دوماً على تقديم نفسه بأنه ليبرالي يناهض أي حكم ديني أو شمولي واستطراداً إنه في المحور المناهض لطهران وانحاز الى المحور الرسمي العربي. وهكذا عاد علاوي مع العائدين الى بغداد عام 2003 على متن الدبابة الأميركية ليكون أول رئيس للوزراء بعد انفراط عقد مجلس الحكم الانتقالي الذي أنشأه الاميركيون بعد احتلالهم بغداد ودشن عهده بمواجهة جريئة مع قوات المهدي التابعة لمقتدى الصدر. وحيل بينه وبين هذا المنصب في أعقاب أول انتخابات تشريعية بعد فوز ائتلاف القوى الشيعية بالاكثرية النيابية فكانت رئاسة الحكومة من نصيب زعيم حزب الدعوة (يومذاك) ابرهيم الجعفري.

 وخاض علاوي الانتخابات التالية بلائحة حملت اسم "القائمة العراقية" جمعته وكل ألوان الطيف السياسي السني العراقي (صالح المطلك، أسامة النجيفي، العيساوي، عدنان الجنابي، ميسون الدملوجي، طارق الهاشمي) فضلاً عن كل الشيعة المستقلين والمعارضين لطهران وقوى عشائرية بدعم خليجي ومباركة سورية (كانت دمشق تناصب المالكي العداء يومها) ففازت القائمة إياها بعدد مرتفع من المقاعد مما سمح لعلاوي أن يطالب لنفسه بتأليف الحكومة لكن أزمة حكم نشأت يومها تدخلت معها طهران بكل ثقلها ودخلت مرجعية النجف على الخط انتهت إلى تسوية تعهد المالكي خلالها بإعطاء علاوي حصة وازنة بالحكم تسمح له ان يكون صاحب كلمة فصل في القرار السياسي العام. لكن رياح الامور عاكست التسوية التي انفرط عقدها بعد انقضاض المتضررين منها عليها وما لبث بعدها أن ذهب الأقطاب السنة في القائمة إلى اطار سياسي مستقل دخل لاحقاً في مواجهة شرسة مع المالكي لا سيما بعد إحالة الهاشمي على المحاكمة وفراره من البلاد. وهكذا ذهبت جهود علاوي لاسترداد الملك السياسي سدى ووجد نفسه وجهاً لوجه مع حكومة شرسة لا ترحم ولا تسمح بمشاركتها الحكم ومع عاصمة إقليمية لا تحبه ولا يحبها وتحالف شيعي عريض ينافس بعضه بعضاً على الحصص والمغانم فاضطر الى سلوك نهج سياسي عنوانه العريض مشاكسة الأعداء عبر شنّ الحملات على طهران من جهة وعبر الظهور الدائم في كل العواصم التي تناصبها العداء ولاحقاً انكمشت مساحة حضوره السياسي الى اقصى الحدود خصوصاً بعد التطورات والتحولات التي تلت ظهور تنظيم "داعش" في وسط العراق غازياً ومحتلاً.

وانطلاقاً من كل ذلك، فإن السؤال المطروح هل سيجد شخص بمواصفات علاوي وبعلاقاته وتوجهاته أن يجد لنفسه مكاناً على المسرح السياسي العراقي المزدحم بالتناقضات والصراعات حد الاختناق؟

 يبدو جلياً أن الرجل عاد الى موقعه الانتطاري المألوف وورقة قوته وفق ما يعتقد انه ليس في عداد الطبقة السياسية العراقية الحاكمة التي أكل الفساد والمحاصصات والاخفاقات صورتها وتاريخها واستطراداً مستقبلها، لذا فهو يقدم نفسه منقذاً ولكن هل سيجد من يتبناه؟


حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم