الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

كيف سيتطوّر الدين العام في الأعوام المقبلة؟

المصدر: "النهار"
البروفسور جاسم عجاقة- خبير اقتصادي واستراتيجي
كيف سيتطوّر الدين العام في الأعوام المقبلة؟
كيف سيتطوّر الدين العام في الأعوام المقبلة؟
A+ A-

أصبح الدين العام يُشكّل خطرًا على الكيان اللبناني مع بلوغه عتبة الـ 77 مليار دولار أميركي. وتبقى مسؤولية تراكم هذا الدين على عاتق الإنفاق المُفرط الذي يتحوّل بدوره إلى عجز، وبالتالي إلى دين عام. كيف سيتطور الدين العام في الأعوام المقبلة؟ سؤال لا بُدّ من الإجابة عنه، خصوصًا أنه أصبح يُشكّل مصدر خوف للبنانيين.


المرحلة الحالية التي يعيش فيها الاقتصاد العالمي والتي بدأت مع الأزمة المالية العالمية عام 2008، أدخلت العديد من الدول في أزمة ديون سيادية. وإذا كان البعض قد نجح في لجم ارتفاع الدين العام، إلا أن البعض الآخر وقع في أسوأ فترة في تاريخه المُعاصر على مثال اليونان.

ولا يُمكن مُقارنة لبنان بهذه الدول نظرًا إلى أن لبنان، بفضل حكمة حاكم المصرف المركزي رياض سلامة، إستطاع تفادي الوقوع في الأزمة المالية العالمية، وبالتالي لم يكن عُرضة للتداعيات السلبية لهذه الأزمة.

إذًا يأتي الدين العام اللبناني نتاجا للإدارة المالية السيئة للمال العام منذ أكثر من عقدين، والتي تتحمّل مسؤوليتها طريقة الإنفاق المُفرط للحكومات المُتعاقبة.

يبقى مؤشر الدين العام إلى الناتج المحلّي الإجمالي، المؤشّر الأكثر استخدامًا لقياس ملاءة الدول المالية. وللسيطرة على هذه النسبة، تعمد الحكومات إلى العديد من التقنيات: (1) خفض الفائدة على سندات الخزينة، (2) رفع مُعدّل النمو الحقيقي للإقتصاد، (3) رفع التضخّم للتخفيف من وزن الدين العام (لا يصلح في حال لبنان لأن نصف دينه بالدولار الأميركي)، و(4) إعادة التوازن أو رفع الميزان الأوّلي أي رفع النمو الاقتصادي أو خفض الإنفاق.




دينامكية نسبة الدين العام إلى الناتج المحلّي الإجمالي تتعلّق بأربعة عوامل:(1) نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي في العام السابق، (2) نسبة الفائدة على سندات الخزينة، (3) نسبة النمو الإقتصادي، و(4) الميزان الأوّلي وذلك بحسب المُعادلة التالية:

نسبة الدين العام إلى الناتج المحلّي الإجمالي لهذا العام = نسبة الدين العام إلى الناتج المحلّي الإجمالي للعام السابق x (1 + نسبة الفائدة على سندات الخزينة–نسبة النمو الاقتصادي) –نسبة الميزان الأوّلي إلى الناتج المحلّي الإجمالي.

هذه المُعادلة الحسابية كفيلة بتفسير تراكم الدين العام في لبنان. فنسبة الدين العام ترتفع إذا إرتفعت الفجّوة بين سعر الفائدة على سندات الخزينة والنمو الاقتصادي، وإذا ما سجّل الميزان الأوّلي عجزًا أو كان أقلّ من خدمة الدين العام.





وبالنظر إلى أرقام وزارة المال، نرى أن المالية العامّة في حالة يُرثى لها، من ناحية أن العجز المُزمن بلغ 40.7 مليار دولار أميركي وذلك منذ العام 2004 وحتى نهاية العام 2016. هذا الأمر ناتج بالدرجة الأولى عن قيمة الإنفاق العام الذي يفوق بشكل متواصل الإيرادات وبالتالي تحوّل إلى عجز بالموازنة كان يُترّجم في الدين العام الذي إرتفع على نفس الفترة بقيمة 39.4 مليار دولار أميركي!

نعم الإنفاق العام هو المسؤول الأول عن إرتفاع الدين العام حيث تعيش الدوّلة اللبنانية فوق مستوى قدراتها المالية أي بمعنى أخر تستدين الدولة من أجل الإنفاق الجاري. وهذا الأمر قد يصحّ لسنة أو سنتين، لكن الإستمرارية في الحالة اللبنانية (ما يزيد على عشرين عامًا) هو بمثابة إنتحار مالي لم تستطع الحكومات المُتعاقبة من وقفه.


الإستمرار على هذه الحال، له عواقب وخيمة. ولإثبات ذلك، قمنا بمحاكاة لتطوّر الدين العام بحسب المُعطيات الماكرو- إقتصادية من خلال ثلاثة سيناريوات:

السيناريو الأول – تشاؤمي وينص على نمو اقتصادي 1% وتضخم بنسبة 2%.

السيناريو الثاني – الأكثر احتمالًا وينص على نمو 2% وتضخم 3%.

السيناريو الثالث – تفاؤلي وينص على نمو 5% وتضخّم 3%.

وقمنا بحساب تطور الدين العام على فترة 17 عشرة عامًا إلى الأمام لتظهر لنا مدى خطورة السيناريوات الأولى والثانية.

ففي السيناريو الأول، يرتفع الدين العام إلى 185% من الناتج المحلّي الإجمالي في العام 2020، و223% في العام 2025، و287% في العام 2030 و322% في العام 2033.

أمّا في السيناريو الثاني، فتُظهر الأرقام أن الدين العام يرتفع بوتيرة أقلّ من الأولى حيث يرتفع الدين العام إلى 197% من الناتج المحلّي الإجمالي في العام 2020، و217% في العام 2025، و260% في العام 2030، و287% في العام 2033.

وحده السيناريو الثالث الذي يحتوي على نسبة نمو 5% وتضخّم بنسبة 3% قادر على تغيير الاتجاه، إذ بعد ارتفاع طفيف لنسبة الدين العام إلى الناتج المحلّي الإجمالي في الأعوام السبّعة المقبلة، تعود هذه النسبة إلى الانخفاض عام 2025 مع 151% و136% عام 2030 و125% عام 2033.

الجدير بالذكر أن نسبة الدين العام إلى الناتج المحلّي الإجمالي بحسب ما نصّت عليه مُعاهدة ماستريتش هي 60% ولبنان حاليًا على نسبة 151% (نهاية 2016) والمستوى الكارثي هو 200%.


هذا يعني أنه يتوجّب على الحكومة العمل على صعيدين:

الأول – يطال الإنفاق العام، من خلال خفضه إلى أكثر من 5% في الأعوام الخمّسة المقبلة، أو أقلّه تجميد مُستوى الإنفاق في الموزانات المقبلة.

الثاني – يطال تحفيز النمو الاقتصادي من خلال تحسين مناخ الأعمال للقطاع الخاص، بحكم أن هذا الأخير قادر على القيام باستثمارات تستطيع تأمين نمو اقتصادي، في حين أن الدوّلة عاجزة عن ذلك.


ويبقى القول إن الإرادة السياسية للقيام بخطّوة كبيرة جبّارة تجاه الشعب اللبناني هي الأساس في هذا العمل. فبدون هذه الإرادة السياسية يُمكن القول إن ما يعصف باليونان سيكون نقطة في بحر ما ينتظر لبنان من كوارث إذا استمرّ الوضع على ما هو.


حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم