السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

برونز البريق المفقود... هل يتساوى الجلاد مع الضحية؟

المصدر: "النهار"
رافي ميناس
برونز البريق المفقود... هل يتساوى الجلاد مع الضحية؟
برونز البريق المفقود... هل يتساوى الجلاد مع الضحية؟
A+ A-

من تلك الثنائية الأزلية بين السلطة بهيمنتها وقوتها و"أسطوريتها" ورمزيتها التي تصل إلى حدّ القداسة، وبين الشعوب المسحوقة الثائرة بقوة، المشحونة بالكرامة والحرية والتغيير، من تلك الثنائية المعقدة بحجم كرة صوف هائلة، يسحب مُضر الحجي خيطاً رفيعاً ويحوك نصّه الدرامي البسيط المتين! من تلك الثنائية تماماً ينطلق، فيختار شخصيتين لطالما كتبنا وقرأنا عنهما (ضابط ومعتقل) يعرض لنا تاريخهما، يعرّفنا بهما، بمونولوغات واضحة خالية من الحشو والفانتازيا، وبحبكة بسيطة بلا منعطفات قاسية مفاجئة، وفكرة فريدة. 

ضابط يعتقل شاعراً، هاني، بتهمة، شرط إطلاقه هو أن يكتب قصيدة في جلنار التي يعشقها الضابط أدهم، تعيدها إليه.

قد يجتمع ضابط التحقيق بشاعر تم اعتقاله في أحد أقبية التحقيق. لكن ما فعله عمر الجباعي أنه دعانا إلى ذلك القبو، خالقاً فضاءات رمزية ودلالية على مستوى عالٍ. يبدأ الفصل الأول بظهور الشخصيتين، أدهم وهاني، من خلف نافذة زجاجية. يغلق الجدار الرابع ويجعلنا مجرد مشاهدين لجلسة تحقيق غريبة من نوعها.

مع الفصل الثاني يهدم الجدران الأربعة ليخلق كلٌّ من الممثلين (امرأتان) فضاءهما الخاص وسط المشاهدين، لنصير أشباحاً نتابع جلسة تعذيب من دون أن نتدخل، أو نتكلم حتى. كأننا معتقلون نتابع بصمت الأموات، منتظرين أن يحين دورنا!

العرض يحمل الكثير من الإرباك والأسئلة، بداية بأن تؤدي امرأتان دور الشخصيتين أدهم وهاني، طارحاً أسئلة على الصعيد المسرحي والإنساني. من إبقاء الحواريات في صيغة المذكر إلى الإيحاءات الجنسية بين الشاعر والضابط. تجريد من المناصب والتصنيفات والكليشيهات المعتادة، والذهاب إلى ما قد يربط بين "إنسانين". بين السلطة صاحبة القبضة الحديد، والشعوب المنهكة في حياتها اليومية وتشظيها للوصول إلى خط تواصل مع تلك السلطة. يأتي "برونز" ذاك التفصيل الصغير، لون الجسد! ذاك البرونز - برونز صديقة هاني الأميركية - الذي قلب حياة الشاعر وعقله وصار "يشخّ" شعراً. نرى ضنى مخايل تأخذنا بأدائها المذهل إلى أنكيدو الذي خارت قواه بعدما عاش برونز موميسة المعبد. بينما تعرض لنا نزهة حرب التي لعبت بحرفية في دمج قوة وضعف الضابط في رغبته لإعادة امتلاك البرونز - برونز جلنار - بوحشية وقوة جلجامش الذي لا يُقهر.

قد يطرح العرض السؤال الأكبر. هل يتساوى الجلاد مع الضحية؟ هل نتضامن مع الجلاد؟

في عصر حرق الآخر المختلف وإلغائه، يأتي العرض ليُسلط الضوء على ذلك الخيط البرونزي الرفيع. ماذا في خصوص إنسانيتنا وتفاصيل حياتنا التي تشوهت وانهارت. تلك التفاصيل التي تُعطي معنى لحياتنا؟ ماذا عن التشوّهات التي أصابت إنسانية كُلٍّ من طرفي الثنائية!؟

ما هو ذاك البرونز الذي فقدنا بريقه، والذي نسعى إلى إعادته؟

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم