الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

خضّات العيش المشترك

المصدر: "النهار"، ترجمة نسرين ناضر
جو عاقوري - اختصاصي في العلاج النفسي الجشطالتي
خضّات العيش المشترك
خضّات العيش المشترك
A+ A-

تتسارع الحرب ضد الإرهاب، بدءاً من السياق الإقليمي وصولاً إلى لبنان. يذوب مستقبل المنطقة أكثر فأكثر في عمودية العلاقات الديبلوماسية والآفاق العسكرية للقوى العظمى الساعية إلى صون أمن المجتمع الدولي ومصالحه الجيوستراتيجية في الشرق الأوسط. يعاني هذا المستقبل من ذلك الشكل الغريب من أشكال الدمقرطة الذي يمنحه الضمانات الأمنية بكلفة باهظة ويفرض عليه الامتثال التام لمَن يؤمّنون توازناً هشاً. تسود في هذه المنطقة بلا شك أنماطٌ من العيش المشترك تعود إلى آلاف السنين، لكنها تفقد اليوم القيم الإنسانية العظيمة المتمثّلة في الرحمة والتعاطف، وذلك لمصلحة التعصّب المؤذي. 

التربية الشاملة على المواطنة اقتراحٌ فذّ وفريد من نوعه، ورشةُ معيوشٍ على مختلف المستويات في مجتمعنا من أجل إنقاذ الطاقة الاستثنائية لدى اللبناني وإطلاقها وتشجيعها وتوجيهها نحو التحلي بالتماسك وتَحمُّل المواطن اللبناني تبعات أفعاله وممارساته. من خلال ممارسة المواطنة، يستطيع اللبناني وأخيراً أن يضمن تنوّع أمّته البنّاء وغير الصدامي.

إنها المواطنة المدرِكة للحقوق والواجبات والممارِسة لها، المواطنة التي تسلّط الضوء، من دون سجالات، على التصرّفات التعسّفية لكل مسؤول غير جدير بمنصبه، وعلى الفساد الخطير الذي يُرتكَب باسم المواطن.


الجوهر في هذا المشروع الوطني المتواضع هو مزاولة تصرفات مفيدة، بصورة مشتركة ويومية، تصرّفات تخدم من دون تمييز الالتزامات الديموقراطية بكل ما للكلمة من معنى. إلا أنه بعدٌ تدريجي تحطّ السياسات التقليدية من قدره، وكذلك سياسات أخرى توصَف بالتجديدية والمبتكرة. هذه السياسات تفضّل الضبابية على وسائل تحقيق "الهدف المشترك" للأشخاص، ولو كانت حريصة جداً على الأهداف المتعددة والوعود المغرية.

لا يتحرّك المجتمع المدني لكنه مصدر إزعاج للسياسات المرتبِكة أو التي لم تعد تنطلي على عدد كبير من اللبنانيين الذين شهدوا صحوةً ممنهجة ولم يعودوا يتقبّلون سوى أفكار وأفعال تقود إلى أمور عملية في الحياة اليومية. وهكذا، بإمكان ورشة هائلة مخصّصة للمعيوش البشري أن تساهم في إحياء المعنى الذي تحمله تطلّعاتنا من خلال مشاركة كل واحد منا في التغيير. يجب أن تتوجّه هذه الورشة أولاً إلى الأهل والولد والعائلة وأفراد الجسم التعليمي كي تصبح مسؤولية الشخص الراشد في الحياة اليومية وقدرته على الاستجابة جزءاً لا يتجزأ من دوره كمواطن. وهكذا تُوجِّه هذه الورشة إلى كل شخص الرسالة الآتية: لا يمكن أن تكون الهوية الوطنية لحريةٍ تفاعلية سوى هوية تحترم الآخر وغير متقوقعة على نفسها؛ وتُوجِّه إلى كل مؤمن رسالة مفادها أن الخيار البشري أمام الله هو أولاً خيارٌ حميم وبمنأى عن الصراعات!



حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم