الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

رفيقة البطاركة الموارنة آتية... "سيّدة إيليج" تزور أرضها

هالة حمصي
هالة حمصي
رفيقة البطاركة الموارنة آتية... "سيّدة إيليج" تزور أرضها
رفيقة البطاركة الموارنة آتية... "سيّدة إيليج" تزور أرضها
A+ A-

الموارنة في الانتظار، للاحتفال بقداديس يومية ومحاضرات تاريخية وتراثية وسهرات انجيلية وامسيات دينية. زيارة ايقونة "سيدة ايليج" ترتدي "طابعا خاصا، اذ صلّى امامها أجدادنا، وحافظوا عليها على مرّ العصور"، يقول معاون كاهن رعية سيدة ايليج #الاب_شادي_بشارة اللبناني الماروني لـ"النهار". في ديرها، تلك الارض "العجائبية"، تقف "سيدة ايليج" الخميس. قبل اسابيع عدة، سُجِّلت في سجل العجائب في دير سيّدة ميفوق نعمة شفاء جديدة بشفاعتها. و"شجرة المسابح" في حديقة الدير... اعجوبة اخرى، حكاية اخرى.


في "مغارة" البطاركة  

ايقونة "سيدة ايليج". "جمال رائع"، لا نظير لها، جوهرة، لما تحمله من "تاريخ ومعان". في البحث التاريخي، "وُجدت الأيقونة في المقرّ البطريركي الماروني في منطقة القطارة- ميفوق (قضاء جبيل). ورافقت البطاركة الموارنة من العام 1121 الى العام 1445"، يقول الأب عبدو بدوي الراهب اللبناني الماروني(1). "18 بطريركا في المجموع سكنوا في ايليج"، وفقا للمعلومات التاريخية(2).


ما يُعرف عن ايقونة "سيدة ايليج" "انها أتت من مكانٍ ما في العالم السريانيّ، واستقرّت في إيليج. "من اين اتت؟ اي طريق سلكت؟"(3) لا اجوبة واضحة. المعروف انها كانت هناك، حيث عاش البطاركة الموارنة طوال نحو 4 قرون، وسكنت معهم في "ما يشبه مغارة". في وصف للاب الدكتور ميشال حايك، "لم يُبنَ دير سيدة ايليج على قمّة، بل في ملتوى الوادي، في مضيقٍ بين جبال عاصية. حجارته من الدَبْش، بلون التراب، حتّى لا يُعرف تحت شجرات الجوز والدلب القديمة. حائطُهُ الشرقيُّ ضفّةُ النهر الفاصل بين بلاد جبيل والبترون. تدخل إلى الكنيسة بعكس السَّير، من الشمال في الوادي تحت قنطرة عتيقة"(2).  

(الاب شادي بشارة) 


السيدة وديرها يشهدان لـ"الاضطهادات والإعتداءت والتعذيب والقتل التي تعرض لها الموارنة" على مر القرون، ويبقيان رمزا للتمسك بالأرض والإيمان، للعزم الماروني. بعدما هجر البطاركة دير سيدة ايليج إلى وادي قنوبين، "بقيت الأيقونة محفوظة هناك، في صندوق قياسه 100×1،50. لكنها لم تسلم من عوامل عدة، بحيث تعرّضت للاضطهادات والحريق، وشُوِّهت عند الأسفل... اللطخات الظاهرة في أسفلها هي نتيجة طعنات الخناجر التي تعرّضت لها خلال الاضطهادات"، على ما يفيد بدوي(1).  


عندما اصبح الدير من أملاك الرهبانية اللبنانية المارونية في القرن الثامن عشر (1766)، "حافظ الرهبان على الأيقونة"، على قوله. "العام 1985، اخذ بعضهم مبادرة لترميم الإيقونة. فطلبوا من راهبات كرمل أم الله والوحدة في حريصا تولي المهمة التي استغرقت نحو 5 سنوات". واشرف على العمل الاب انطوان لامنس(3).  


مفاجأة  

أعمال ترميم. "دراسات مختبرية وتصوير بمختلف الاشعة". وكانت مفاجأة كبيرة. الايقونة "تحتوي على طبقات تصويرية متراكمة عدة، ترجع اقدمها الى القرن العاشر"(3). تُدعى "العذراء الهادية أو المُرشدة او الموجهة"، في صلوات الطقس المارونيّ، "السيّدة أمّ النّور". وفي البحث الايقونوغرافي، تختصر الايقونة "حقبة ايقونوغرافية تمتد من القرن العاشر حتى ايامنا هذه. وتبقى المرحلة الايليجية لغزا بالنسبة الى بدايتها"(3).

قراءة للايقونة تبيّن ايضا انها تحمل "في طيّاتها تقاليد إيقونوغرافيَّة، منها صورة سيّدة الطريق". خصوصيات اخرى لها، منها "استخدام ألوان طبيعيّة، كالأحمر والذهبي والأزرق"، و"تأسيسها على حرفX ، وهو الحرف الأوَّل من كلمة المسيح، تبعا للغة اليونانيّة، ويلتقي في الوسط، عند قلب العذراء، الجامع بينها وبين ابنها يسوع..."(1). وهناك ايضا "الشمس والقمر في زاويتي الصورة العليا، وفتحة المنديل حول رأس العذراء"(3).


"نَصرنا على الدوام" 

ان تزور ايقونة "سيدة إيليج" الأصلية مقامها في دير سيدة إيليج في ميفوق "له طابع خاص، اذ صلّى امامها أجدادنا، وحافظوا عليها على مرّ العصور، وطلبوا شفاعة سيّدة إيليج"، على قول الاب بشارة. ويشدد على "وجوب التمسك بهذا المقرّ المقدس، كأحد أهم الصروح المارونية في هذا الشرق، كي تبقى أمنا العذراء نُورنا ونَصرنا على الدوام".

(الاب شادي بشارة)

إيليج التاريخية. في المعاني، ينقل الاب بيار سعادة عن الاب حايك في دراسة(2) ان اسم إيليج "ورد قديمًا في عداد الأمكنة الأسقفيَّة من بلاد ما بين النهرين، وفقا للكتابات السُّريانيَّة، من دون أن نستطيعَ استرجاع النصِّ إلى الذاكرة، ولا تحديد المكان. أَتُرى فارسيًّا؟ الأصحُّ أنَّه مأخوذ ٌ من لفظة "هيليوس" اليونانيّة، ومعناها "الشَّمس". فيكون المعبد بُنِيَ على أنقاضِ هيكل لإلهة الشَّمس. ثمّ هناك لفظة ألمانيّة مأخوذة، من دون شكّ، عن اليونانيّة، تقرب من كلمة إيليج، ومعناها "القداسة"، كمعنى قاديشا بالسُّريانيّة. وسيّدة إيليج، أي "السيّدة القدّيسة" هي، في التاريخ المارونيّ، قبل قاديشا، أو هي قاديشا الأولى". 


الى تلك "الشمس"، تعود "السيدة القديسة"، ايامًا معدودة فقط، الى الارض التي "فرّ اليها البطاركة، عبر طريقٍ رومانيّة، من اليمّونة إلى يانوح، ومنها إلى وادي إيليج، حين دُمِّر دير مار مارون العاصي" (المؤرخ المسعودي). وأصبح ديرهم، دير سيّدة إيليج، مقرّا بطريركيّا، عاشوا فيه قروناً، وصلوا فيه امام ايقونة "السيدة"، "طالبين شفاعتها في أحلك الساعات".  


من البتر الى الشفاء 

وبقي الموارنة امناء للتقليد. دير سيدة ايليج "العجائبية" لا يزال مقصد مئات الزوار، طلبا لشفاعة السيدة. "نعمة شفاء جديدة حصلت هذه السنة بشفاعتها، وسُجِّلت في سجلّ العجائب في دير سيّدة ميفوق"، على ما يفيد الاب بشارة. وفي التفاصيل ان "شخصا من قرية العلالي المجاورة، كانت رجله ستُبتر  بسبب الغرغرينا. وبعد زيارته كنيسة سيّدة إيليج وطلب شفاعتها، تفاجأ الأطبّاء بان رجله عادت سليمة معافاة. وشهد الطبيب المعالج أنه لم يسبق أن رأى، خلال مزاولته مهنة الطب، حالة شفاء مماثلة". وسيتم عرض تقرير عن هذه الحالة، خلال زيارة السيدة لديرها، بين 10 آب و18 منه.


"أعاجيب كثيرة اخرى حصلت بشفاعة سيّدة أيليج"، بمعرفة القيمين على الدير. لكن "لا سجل رسميا محفوظا بطريقة زمنية أو ثابتة"، على قول بشارة. ويشير الى ان "الكثير من المؤمنين يقصدون دير سيدة ميفوق، لإعطاء شهادة حياتهم عن شفاءات ورؤى لسيّدة إيليج". 

 "شجرة المسابح" 

وتبقى "شجرة الوردية" او "شجرة المسابح" في حديقة دير سيدة ايليج "أعجوبة" كل ساعة. وفقا لرواية شادي شاماتي، "يبست شجرة اللوز تلك من نحو 5 اعوام، بسبب المن. وبقيت على حالها. وفكرنا في قطعها، لكن الله الهمنا وضع محبستين كبيرتين عليها، بعدما صلّينا عليهما. وكان الناس، لدى رؤيتهم المسبحتين، يسألون عن السبب. ثم يصلّون ويعلقون مسابحهم عليها. اول ربيع مرّ، وسرعان ما ازهرت الشجرة مجددا. اليوم، صار عليها اكثر من الف مسبحة. يأتي الناس، ويصلون المسبحة على نية معينة، ويعلقون مسابحهم على الشجرة. ومنذ ذلك الوقت، اصبحت تعرف بـ"شجرة الوردية" او "شجرة المسابح".


(الاب شادي بشارة) 

(برنامج النشاطات والقداديس المواكبة لزيارة ايقونة "سيدة ايليج") 

في 18 آب، تمضي "سيدة ايليج" اليوم الاخير في مقامها، لتعود بعدها الى مخبئها، من اعوام طويلة، في جامعة الروح القدس-الكسليك. "نظراً الى قيمتها المهمة في تاريخ الموارنة، حُفظت في مختبرات الجامعة، بعدما انتهى ترميمها، لحمايتها من العوامل الخارجيّة، ولابقائها في ظروف مدروسة من ناحية درجة الحرارة والرطوبة والمناخ". وتبقى ايليج دائما في القلب.  


(1) محاضرة عن ايقونة سيدة ايليج، الاب عبدو بدوي الراهب اللبناني الماروني.  

(2) دراسة مختصرة، "ايليج جلجلة المارونيين"، الاب بيار سعادة.

(3) سيدة ايليج، ايقونة سريانية مارونية، القرن العاشر، معهد الفن المقدس، جامعة الروح القدس، الكسليك.  


[email protected]


الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم