السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

تحقيق - هستيريا الموت المتنقل في لبنان... إلى متى؟

ليال كيوان
A+ A-

بين الإنفجار والآخر، يعيش اللبنانيون في هذه الآونة حالة من الهلع والذعر تكاد تشلّ حياتهم وتجعلهم سجناء منازلهم ومناطقهم التي يشعرون فيها بالأمان، في غياب أمن يتوهّم المسؤولون أنه مضبوط ويحاولون إيهام المواطنين به.


لقد بلغ الأمر حداً يمكن القول معه إن اللبنانيين بدأوا يلجون الى حالة من الهستيريا جراء الذعر اليومي الذي يعيشونه. فكيف يمكن التعامل مع الواقع لتخطيه بأقل أضرار نفسية ممكنة، وسط انعدام الحيل أمام الوضع المشحون؟ والى أين يمكن أن تودي التوترات الأمنية التي يعيشها لبنان بالوطن والمواطنين؟


التزام المنزل هو الحلّ؟
يعيش اللبنانيون حالة لافتة من الهلع تجعلهم يفضلون التزام بيوتهم على الخروج والبقاء في أماكن التجمّعات الكبيرة التي يُعتقد بأنها باتت أحد أهداف السفّاحين. جان، رب عائلة من أربعة أبناء الى زوجته، نموذج من اللبنانيين الخائفين من الوضع الأمني الفالت، ينصح ابنه القادم الى لبنان من ألمانيا بعدم المجيء، "شو بدّو يجي يعمل؟"، يقول جان بحسرة. "هناك البلد أكثر أماناً من وطننا الذي لم نعد قادرين على التجوّل فيه، وإذا خرجنا من المنزل لا نعلم إذا كنا سنعود اليه سالمين أو "مشقّفين"!".
وباتريسيا التي تمضي العطلة المدرسية الصيفية في الجبل لتقصد العاصمة في الشتاء كي يتابع أولادها دراستهم، لم تعد تشعر بالأمان حتى في بلدتها الجبلية حيث كانت المنطقة آمنة ووديعة. "لم تعد أي منطقة اليوم توحي بالأمان، خصوصاً أننا نسمع باستمرار عن عبوات معدّة للتفجير وسيارات مفخّخة تجوب البلاد من دون أن تستثني أي مكان". وتخاف باتريسيا عندما تفكر بأن المدارس أوشكت على فتح أبوابها، "لا أعلم كيف سأستطيع أن أرسل أولادي الى صفوفهم "والحالة على كف عفريت"!".


أزمة نفسية
يولّد عدم الإستقرار الأمني أزمات نفسية خطيرة من مظاهرها الطبيعية الإنحطاط التربوي والإنساني والحدّ من النمو الفكري. وهو لا يؤثر في النظام الأسري المترابط إجتماعياً وسلوكياً وحضارياً فحسب، إنما يشكل عاملاً خطيراً يقود إلى صراع فكري وجيو - ديموغرافي. الكلام للمعالجة النفسية الدكتورة آن - ماري ملكي، "وعدم الإستقرار الأمني يُحدث تراكمات إجتماعية تمهّد لأمراض وصراعات نفسية داخلية، ويدفع بالطقوس الجميلة والأحلام والإنجذاب الى الحياة والإستقرار والطمأنينة نحو الهاوية. والصور والمشاهد المرعبة التي تعرضها وسائل الإعلام المختلفة أثناء التفجيرات التي تحصل، تسفر هي الأخرى عن إضطرابات عقلية ونفسية لا يمكن تخيلها، فلا يستطيع الجميع تحمّل رؤية تلك المشاهد. وفي حقيقة الأمر، فإن اللبنانيون وغيرهم ممن يعيشون أجواء مضطربة من دون أن يكون ثمّة حرب معلنة على ساحة بلادهم، لا بد من أن يختبروا مرحلة أشد توتراً وضغطاً من الحرب وهي الحرب النفسية وهي أسوأ أنواع الحروب التي لا يتحملها الإنسان سواء عقلياً أو جسدياً، فهي تلغي تفعيل الإرادة وتقضي على النمو الطبيعي لدى الإنسان وخصوصاً لدى الأطفال الذين يواجهون الحياة وسط الحروب أو الصراعات البيئية والإجتماعية والسياسية والنزاعات المحلية".
ومن أبرز مظاهر الإنعكاسات النفسية التي يعيشها المجتمع اللبناني تتمثل بالتوتر العصبي والتشنج. وتشير ملكي الى ارتفاع عدد المصابين بالإضطرابات النفسية في العيادات النفسية. ومن أعراض التوتر في السلوك، "تحويل الخلاف في العمل أو المنزل إلى مشكلة كبرى، بروز ردود فعل سريعة تجاه مشكلات يومية بسيطة والتعبير عن ذلك بالصراخ والأصوات المرتفعة، الشعور الدائم بالضيق، تراجع الحوار في العلاقات الزوجية لمصلحة تصاعد الخلافات، وهي جميعها مظاهر تتجلى في صلب المجتمع اللبناني". وأيضاً ثمة أعراض جسدية تنتج من التوتر الدائم تتمثل "بأوجاع متكررة في الرأس وفي الصدر وضيق في التنفس، وتنميل في الأطراف والشعور بالأرق أو اضطرابات في النوم".
وفي حالات الحرب أو عدم الاستقرار الأمني، يتحمّل أفراد المجتمع عادةً الضغط اليومي، فالأولويّة بالنسبة إليهم تكون حماية أنفسهم من الخطر، "ولكن عندما تنتهي جولة العنف والتفجيرات تحصل حالات من الإنهيار العصبي والتعبير عن مشاعر اليأس، فالحاجز الوقائي الذي يبنيه الجسد في لحظات الخطر ينهار بعد زواله ليظهر التأثير السلبي للتوتر الأمني". وترى ملكي أنه لا بد من الإشارة الى أن الحرب الأهلية والحروب المختلفة التي مرّت في لبنان جعلت اللبنانيون ينقسمون في ردود أفعالهم تجاه موجات التوتر السياسي والأمني إلى الأشخاص الذين اكتسبوا القدرة على التحمل لكنهم يترددون في اتخاذ القرارات بشأن أي مشاريع خاصة، والأشخاص الذين أضعفتهم تجربة الحرب وخلقت لديهم حساسية تجاه أي حادث يذكرهم بها، مثل سماع صوت إطلاق النار أو انفجار إطار سيارة أو متابعة برنامج يحتوي على مشاهد عنف، وفي حال استمرّ تذكيرهم الدائم بالحرب تظهر لديهم مشكلات صحية".


كيف نجنّب أطفالنا الذعر والهلع؟
خلال المرحلة الحالية التي يعيشها لبنان وسط التفجيرات المتنقلة وعدم الشعور بالأمان في أي مكان، لا بد من أن يستشعر الأولاد الخطر، فكيف نجنّب أطفالنا الشعور بالذعر الذي يعمّ البلاد والذي قد تكون نتائجه خطيرة عليهم، من القلق واضطرابات النوم الى الإكتئاب والعدائية والعزلة وغيرها من الآثار النفسية؟ تقول المعالجة النفسية الدكتورة آن - ماري ملكي، إنه على الأهل توفير أجواء الأمان للأطفال وإعادة ترسيخ الشعور بالحماية في مكان بعيد من الخطر وتهدئتهم وطمأنتهم، بالإضافة الى "تشجيعهم على مواصلة نشاطاتهم اليومية وايجاد بدائل لها إذا لم يتمكنوا من ممارستها، ويجب أيضاً التحدث معهم عما يخيفهم والتعامل معه مخاوفهم لتقليلها وعدم تركهم وحيدين يغوصون في أحزانهم، ويمكن أيضاً سرد قصص عن أطفال آخرين في أوضاع مشابهة وكيف تغلبوا على خوفهم، وإشراكهم في نشاطات بدنية وألعاب وأغان وتأليف قصص وورش رسم من أجل توفير مجال للتخفيف من حدة التوتر والضغط النفسي لديهم". كما يمكن الأهل أن يكلفوا أطفالهم بإنجاز أعمال ومهمات صغيرة لتقوية إحساسهم بالكفاية والثقة بالنفس، وترى ملكي أن الطفل بحاجة الى الشعور بالحب والحنان وبأنه موضع تقدير وقبول، "لذا لا بد من إتاحة الفرصة له كي يكون آمناً وسعيداً وتشجيعه للعب وممارسة هواياته المفضلة كي ينسى خوفه ويبتعد من الأجواء المتوترة والمشحونة". وتشير ملكي الى أن الطفل أثناء شعوره بالخطر تزداد حركته، "فعلى الاهل محاولة ضبط نفس من تصرفات أطفالهم في ظروف الأجواء غير الإعتيادية والخطيرة، فكثرة الحركة وعدم الاستقرار من أكثر الأعراض التي تطهر عليهم نتيجة الخوف والقلق، فلا يجب الرد على تلك الظاهرة بالغضب أو العنف، بل استخدام أسلوب هادئ لمعالجة الأمر لأنها رسالة من أعماق الطفل ترجمتها "أنا قلق مما يدور حولي"، والغضب والعنف سيزيدان الأمر سوءاً ولن يعالجاه".


[email protected]


كيف تحمي نفسك خلال الإنفجار؟
ماذا تفعل إذا كنت في مكان ما وفجأة يقع انفجار؟ حملنا السؤال الى أحد المسعفين في الصليب الأحمر دانيال برّاك وجئنا بنصائح توفر لك حماية نفسك وتجنّبك التعرض لسوء ومكروه قدر الإمكان.


إذا كنت داخل أحد المباني:
¶ إذا كان ثمة أغراض تتطاير من حولك، اجلس تحت أقرب طاولة أو مكتب في المكان كي تتقي وقوع أحد الأغراض عليك. وعندما تتوقف الأغراض عن التناثر، غادر المكان بسرعة خوفاً من تحطم الجدران والسلالم الضعيفة. وعندما تغادر المبنى كن على حذر من الحطام المترامي والذي قد يكون لا يزال يتساقط.
¶ غادر المبنى الذي تكون فيه بأسرع وقت ممكن، لا تتوقف أو تعود لأخذ أغراضك الخاصة أو إجراء مكالمة لأحدهم.
¶ لا تستخدم المصاعد الكهربائية إطلاقاً.
أما إذا كنت خارجاً، فاتبع هذه الخطوات:
¶ لا تقف أمام النوافذ والأبواب الزجاجية أو أي مكان يمكن أن يشكل خطراً عليك.
¶ ابتعد من أرصفة المشاة أو الشوارع كي تفسح في المجال أمام غيرك ممن يمكنه استعمالها في حالات الطوارئ لإسعاف المصابين والجرحى جراء الإنفجار، او حتى أولئك الذين لا زالوا عالقين في المباني.


وإذا كنت من المحاصرين بين الركام والحطام:
¶ إذا كان في حوزتك مصباحاً يدوياً أو هاتفاً أو أي شيء يمكنه أن يرسل ضوءاً، أشعله كي ترسل إشارة الى رجال الإنقاذ عن مكان وجودك ليتمكنوا من إنقاذك.
¶ تجنّب الحركات غير الضرورية كي لا تثير الغبار مما قد يتسبّب في اختناقك.
¶ إعمل على تغطية أنفك وفمك بأي شيء في متناول يدك، القطن والشاش قد يكونان من المواد الفعّالة التي يمكنك التنفس من خلالها كي تمنع الغبار من الدخول الى رئتيك.
¶ إذا كنت قرب أحد الأنابيب أو المواسير أو في جوار جدار، أضرب عليها كي يسمعك رجال الإنقاذ ويسعفوك.
¶ أطلق تصفيرة إذا استطعت لتشير الى مكان وجودك.
¶ انتبه الى الصراخ واجعله آخر الإحتمالات لديك، فمن شأنه أن يؤذيك من خلال السماح باستنشاق كمية كبيرة وخطيرة من الغبار.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم