الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

منى أدينت... وماذا عن باقي المنظومة "الاجرامية"؟

المصدر: "النهار
اسكندر خشاشو
اسكندر خشاشو AlexKhachachou
منى أدينت... وماذا عن باقي المنظومة "الاجرامية"؟
منى أدينت... وماذا عن باقي المنظومة "الاجرامية"؟
A+ A-

ببساطة، وبعد 8 سنوات صدر قرار عن الهيئة العليا للتأديب يقضي بـ"إنزال عقوبة تأديبيّة مشدّدة من الدرجة الثانية بحق رئيسة قسم الصيدلة في مستشفى رفيق الحريري الحكومي الجامعي، منى ب.، وعزلها من وظيفتها، والطلب من التفتيش المركزي التوسّع بالتحقيق مع كل شركائها وإحالتهم على الهيئة العليا للتأديب، فضلاً عن إيداع الملف مجدداً النيابة العامّة التمييزيّة، والطلب من وزارة الصحة إلغاء إذن مزاولتها مهنة الصيدلة وشطبها من الجدول. 

اما التهمة فهي الاستيلاء على كميّة كبيرة من الأدوية السرطانيّة الموجودة في المستشفى، والمُقدّمة من وزارة الصحة العامة، وبيعها واستيفاء ثمنها بمئات ملايين الليرات لمصلحتها الشخصية، واستبدالها بأدوية أخرى غير فعّالة وفاسدة ومنتهية الصلاحية، وإعطائها لعدد كبير من المرضى المصابين بالسرطان، ومعظمهم من النساء والأطفال، من دون علمهم ومعرفتهم، ما حرمهم فرص الشفاء، وسبّب وفاتهم". ولولا بعض التعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي لكان مرّ الخبر عادياً مثله مثل بقية اخبار الكوارث والقتل اليومي الذي يعصف ببلدنا.

بيان صحافي عادي واجراء اداري بتوقيف موظفة عن اداء مهماتها هو حتى الآن عقاب الموظفة التي تمكنت من الفرار، رغم عمليات القتل الجماعي التي قامت بها، ودس السم مكان الدواء لمرضى اغلبهم من النساء والاطفال وقبض الثمن بمبالغ ضخمة ربما كلفهم كل ما يمتلكون، مستغلة ضعفهم وحاجتهم الى امل بسيط بالحياة.

ما وردَ في نص قرار هيئة التأديب مرعب، وما اعترفت به صراحة هذه الجزّارة، لو حدث في اي بلد في العالم كان كفيلاً باسقاط انظمة حكم وانهيارها. فالشبكة التي تعمل ضمنها منى بحسب اعترافاتها تشمل طبيبين وممرضين، وتقنيين (IT) لإفساح المجال امام ادخال واخراج الدواء المزوّر على النظام الرسمي، واداريين لتسهيل المعاملات غير القانونية وتمريرها، وشركات ادوية تضخ السم في السوق اللبنانية، وصولاً الى مستشارين للوزراء، وهي ربما مثالاً مصغّراً عن شبكات كثيرة تحكمنا وتتحكم بحياتنا في مختلف المجالات.

وأكبر دليل على تحَكم هذه الشبكات بمفصل حياتنا، هي إغفال مجلس الوزراء الذي اجتمع بعد ساعات قليلة على قرار المجزرة الجماعية، من دون حتى التوقف عندها ولو قليلاً، فقد أكمل حصصه القضائية والادارية من دون لفتة ولو صغيرة الى فضيحة تطاول اغلب قطاعات الدولة.


اهتراء في قطاعات الدولة

وبنظرة بسيطة، كشفت افعال منى الاهتراء الكبير الذي يطاول قطاعات الصحة بشكل عام والمستشفيات الحكومية بشكل خاص، الادوية، النقابات، القضاء، الادارة، الجمارك، عدا عن بعض الطبقة السياسية الحامية لكل هذه الامور.

ففي احدى اللقاءات المصغّرة، قال أحد وزراء الصحة السابقين رداً على سؤال عن مستشفى الحريري في بيروت: "هذا المستشفى وجب هدمه واعادة تشييده من جديد لأن جدرانه فاسدة". ربما جواب الوزير يختصر واقع الغالبية العظمى من المستشفيات الحكومية الكارثي، التي تحولت الى "ملاحم" منها الى مستشفيات وباتت حلبة صراع سياسية لتقاسم الحصص والتوظيفات فقط، رغم ان ميزانياتها وما يصرف عليها يسمح لها بأن تكون متقدمة على المستشفيات الخاصة، لكن هذا الواقع لم يدفع هذا الوزير ولا غيره الى محاولة تغيير الواقع.

اما القضاء والمؤسسات الرقابية فحدّث ولا حرج. فملف منى الذي بقي في الادراج طيلة 8 سنوات، وسمح لها بترتيب امورها والهرب بكل بساطة وسهولة، من الادلة الى الشلل الذي يحل بهذه المؤسسات، ويطرح مئات الاسئلة عن سبب هذا التأخير في قضية حساسة تتجاوز السرقة موضوع الشكوى الى موضوع قتل جماعي، حتى انه ما انجز حتى الساعة قضائياً لا يتعدى ربع التحقيق في القضية، لأن القرار المحال على مدعي عام التمييز سنة 2015 هو عبارة عن مخالفات منسوبة فقط الى رئيس قسم الصيدلة في مستشفى رفيق الحريري الحكومي، من دون شركائها.

 واذا اعتمدنا على قرار هيئة التأديب الجديد، فهو "الطلب من التفتيش المركزي التوسّع بالتحقيق مع كافة شركائها وإحالتهم على الهيئة العليا للتأديب"، اي سلوك الطريق الذي سلكه ملف منى منذ 8 سنوات ( التفتيش المركزي- النيابة العامة المالية، الهيئة العليا للتأديب)، ما يعني انه علينا الانتظار 8 سنوات اخرى لمحاسبة المتورطين معها وبعضهم أكثر خطورة منها، ومستمرون بوظائفهم وممارسة فظاعاتهم.

حتى انه بعد احالة الملف الجديد على النيابة العامة التمييزية وبعد الضخ الاعلامي والضغط الشعبي، لم يتحرك القضاء لفك جزء من اضرابه والمباشرة فوراً بأخذ الاحكام السريعة وطلب استرداد الجانية من مكان سفرها.


أزمة في المؤسسات الرقابية

وفي السياق عينه، هذه الخضّة ليست الأولى التي يتعرض لها القضاء في الفترة الاخيرة، من قضية اطلاق مطلقي النار، الى قضية اصالة واطباء التجميل وغيرها يوضحها احد القضاة السابقين الذي تولى لفترة طويلة موقع المديرية العامة لوزارة العدل بالقول: "ان الزعماء السياسيين بعد الحرب اي في فترة 1991 ادخلوا بعض جيل الميلشيات الى القضاء ووزعوهم، وما الحضور الدائم للعديد من القضاة في المجالس الاجتماعية للسياسيين الا عبارة عن دليل واضح على كلامي"، هذا بالاضافة الى "موضة" عمل العديد منهم كإستشاريين وخبراء لدى الشركات الخاصة ما يجعلهم مرتبطين بشكل وبآخر برجال الاعمال ورجال السياسة الممسكين بالاقتصاد"، وربما يكون هذا التفسير الابلغ لما يصيب السلطة الثالثة في ايامنا هذه.


النقابات

والحديث عن المحاسبة يجرّنا ايضاً الى عمل بعض النقابات التي الى جانب مهمتها الاساسية وحماية المنتسبين اليها ومنحهم حصانة، يجب ان تكون لديها مهمة المحاسبة الذاتية لأعضائها المرتكبين، الّا انها تهتم بالاولى وتهمل الثانية وتحول الحصانة الى خيمة للإختباء تحتها واحياناً بمعرفتها من دون ان تحرك ساكناً لا بل تسعى التغطية والتخفيف من المحاسبة، ولكن في قضية منى يؤكد نقيب الصيادلة الدكتور جورج صيلي لـ"النهار" انه لم يكن على علم بهذا الملف لأنه موجود في القضاء قبل ان تستلمه النقابة، مشدداً على "التزام النقابة قرار وزير الصحة سحب اذن ممارسة المهنة منها".

وعن الرقابة الذاتية التي تمارسها النقابة على الصيادلة بموضوع الادوية المزوّرة او المهرّبة، يكشف صيلي انه يمنع على النقابة اجراء حملات تفتيش على الصيدليات وما تحتويه من دواء، لافتاً الى انه "يتم الاعداد لمشروع بالتعاون وزارة الصحة يسمح لفريق من النقابة مراقبة الصيدليات وتفتيشها ولدى النقابة الجهاز القادر على انجاز هذه المهمة".

ويضيف "كما تحضّر وزارة الصحة مشروعاً لنظام الكتروني بالنسبة الى الادوية تستطيع من خلاله ضبط الادوية الحصرية الموزعة عبر "بار كود" يكشف التزوير والخلل"، معتبراً انه في كل المجموعات الكبيرة يظهر فاسدون والنقابة ستحاسبهم، وهذا الموضوع خط احمر".

ويبقى انه لو لم يكن لمنى ب. شركاء لما استطاعت القيام بأعمالها ولو لم يكن لها من يحميها لما تجرأت، ولو ان الدولة موجودة وقادرة لما استطاعت الهرب. ولكن بغض النظر عن كل ما تقدم تبقى القضية متعلقة بالانسانية والاخلاق ايضاً، فمتى فقدت وتحول الانسان الى وحش مفترس تسقط امامه جميع الروادع، ويبقى يصحّ فيها قول "انما الامم الاخلاق ما بقيت...".


حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم