الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

العراق بعد الموصل... والاستراتيحية السعودية

المصدر: "النهار"
سليمان العقيلي- كاتب سعودي
العراق بعد الموصل... والاستراتيحية السعودية
العراق بعد الموصل... والاستراتيحية السعودية
A+ A-



كاتب ومحلل سعودي


يبدو ان العراق الذي يقف في مفترق طرق بعد تحرير الموصل يتفاعل مع استراتيجية سعودية جديدة بدأت منذ خمسة اشهر، آملآ في انقاذه من انعكاسات ازمة سياسية هيكلية ضربته منذ اربعة عشر عاما لكنها اليوم تلقي به في اتون تقسيم لن ينجو منه الا بالانفتاح على جيرانه العرب.


لم يكن الاتصالان الهاتفيان اللذان اجراهما العاهل السعودي الملك سلمان برئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي والرئيس الاميركي دونالد ترامب قبل ايام لتهنئتهما بتحرير الموصل من الارهاب "الداعشي"، الا تصميما على تحريك مرحلة جديدة في العلاقات السعودية - العراقية. وليس من الغريب ان يهنئ الملك سلمان رئيس الحكومة العراقية، لكن اللافت هو تقديم التهنئة في الوقت نفسه للرئيس الاميركي، اعترافآ بدور واشنطن الملموس في الحرب على الارهاب وخصوصا في هذا الانجاز الامني الذي حققته الحكومة العراقية في مجهود صعب ومرير دفع فيه العراق والعراقيون فواتير كلفة عالية من الارواح والممتلكات والثروات يتحمل مسؤولية اهدارها رئيس الوزراء السابق نوري المالكي وليس العبادي.


والاهتمام السعودي بتحرير الموصل ليس مجرد مجاملة ديبلوماسية سعودية او تجديد موقف قديم من الارهاب. بل انه مؤشر لاستراتيجية سعودية متماسكة وصارمة ضد الارهاب في المنطقة تتشارك فيها مع الولايات المتحدة . ومن جهة أخرى، يعكس تغييرآ في الاستراتيجية السعودية من العراق بدأت ملامحه في اول زيارة قام بها وزير الخارجية السعودي عادل الجبير لبغداد في ٢٥ شباط الماضي، واطلق خلالها مرحلة تأسيسية لعلاقات سعودية عراقية تبدو مختلفة عن الماضي في كل شيء.

صحيح انه من الصعب على المراقب ان يتوقع نجاحا مرموقآ لتوجهات ايجابية كهذه في العلاقات العربية مع العراق في ظل النفوذ الايراني الثقيل في البلاد وعلى وقع الاشتباك الاقليمي الواسع بين طهران والرياض.

 ولا يغيب ايضا عن البال ان الميليشيات العراقية الموالية لايران تلوح بحروب جديدة مع الجيران بعد الموصل، وقد ارسلت الاشعارات بذلك من خلال شعار "قادمون يا رقة يا يمن يا بحرين يامكة!"

لكن الصحيح أن الولايات المتحدة حليف السعودية الدولي صححت استراتيجية اوباما بالمنطقة التي كانت خذلت الرياض، فاستبدلت الانسحاب من أزمات المنطقة بالوجود الفعال فيها، ومن لا خطة الاوبامية الى استراتيجية واضحة برهنت واشنطن عن صدقيتها عشية قمة الرياض الاسلامية الاميركية بكسر شهوة الحرب الايرانية واسقاط عقيدة "قادمون" بالضربات الجوية للميليشيات الطائفية المخترقة للحدود السورية في النتف ومناطق أخرى، بعضها اعلن عنه والبعض الآخر تم التكتم عليه. حتى أكد قائد الحشد الشعبي ان ميليشياته لن تخترق الحدود السورية.

وما يعزز التوقعات بنجاح الانفتاح العراقي على جيرانه العرب وخصوصا الرياض، ان رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي قد زار السعودية في ١٩ من الشهر الماضي حيث قوبل باستقبال رسمي حافل والتقى الملك سلمان في ثاني لقاء بينهما هذا العام بعد زيارة الجبير لبغداد (الاول كان خلال القمة العربية في الاردن في آذار). واتبع ذلك بزيارة لطهران والكويت فيما يعتقد انها محاولة لتحييد العراق عن الصراع الاقليمي .


ربما تدرك القيادة العراقية وكذا ساسة بغداد ان "داعش" لم يسحق تماما، فجيوبه باقية وروحه كامنة . وان العراق الان امام مفترق طرق مصيري، اما ان تتجه الطبقة السياسية الحاكمة في بغداد الى إدماج المكون السني في الدولة وتنهي السياسات الطائفية المستوردة من طهران والمحرضة على خطاب الثأر والكراهية، وإما ان تبقى الحكومة العراقية جسدا بلا روح وتسمح لعقيدة "قادمون" بأن تعيث فسادا في البلاد وتهدد الجيران. وهنا ستواجه الميليشيات السائبة العابرة للحدود بجيوش جرارة سعودية في الجنوب واردنية اميركية في الشرق وتركية اطلسية في الشمال! وعندها يمكن ان تتاح البيئة المناسبة لاستقلال العرب السنة عن هذه الفوضى الايرانية، حيث يبدو ان الدعم الغربي لوحدة العراق هش للغاية وهو الى زوال ما لم يعقلن الفكر السياسي العراقي مخرجاته، خصوصا اذا قدر للانفصال الكردي ان ينجح ويحظى بالاعتراف الدولي، وهو الامر المتوقع في ظل النزعة الضاغطة لتغيير خرائط المنطقة .

ان العبادي الذي يحظى بثقة الجميع داخليا وخارجيا يدرك ان عدو العراق ليس "داعش" فحسب وانما عوامل كثيرة خطيرة منها عسكرة المجتمع وتطييفه وسياسة "تدعيش" السنة وتحويلهم الى مكون نافر، وهو قد قطف بيديه ثمار الوحدة العراقية في الحرب على "داعش"، فما يضير هو ان تتبلور الوحدة العراقية حقيقة على الارض وتترعرع في معارك البناء والتنمية وهي الجهاد الاكبر امام العراقيين .

والعبادي نفسه يدرك ايضا ان امامه لتحقيق الوحدة الوطنية عاملين صعبين، الاول تمدين الشيعية السياسية ونزع العسكرة عنها، وانجاز هذا الأمر يتعلق بمهارته السياسية وطريقة التوافق العراقي على مقاربة منتجة . والثاني اقناع السنة بتجاوز آلامهم وتضميد جراحهم النفسية والاجتماعية والاقتصادية، وهذا الامر يدفع بتحقيقه دعم السعودية وشركائها العرب والاقليميين.


قد تكون فئات المكوّن السني في الوقت الحاضر ليست متفقة وفي حالة تشرذم بسبب حالة التيه التي تسبب بها الارهاب . لكن استمرار ذلك لن يساعد على حل المشكلة الوطنية العراقية ولن يحقق مكاسب لسوى الطائفية السياسية، مما يدفع في المقابل العرب السنة الى المزايدة على راديكالية اكثر. وهذه المعادلة هي التي تسببت في تقويض الدولة العراقية وانتشار الميليشيات والجماعات الارهابية. فالمغالبة في العراق كان ينبغي ان تكون سياسية لا دينية.

ورغم ان حالة الانقسام ليست محصورة في سنة العراق بل تتمدد خارجه ايضا، فان لدى السعودية من المرونة السياسية ما يمكنها من التعامل مع جميع الاحزاب السنية، بمن في ذلك الاخوان المشاركون في العملية السياسية. فالرياض لا تنظر الى "الاخوان المسلمين" باعتبارهم كتلة واحدة، بل تبعا لسلوكهم السياسي وموقعهم من الدولة التي هم فيها.


إذا العراق المنقسم على نفسه والمهيئ للتقسيم اكثر من اي وقت مضى يقف اليوم في مرحلة تاريخية حرجة وامامه خيارات جديدة للتعاون مع العرب ممثلين في الرياض التي تبدي استعدادها لدعم الوحدة (السياسية والجغرافية) للعراق، والمساهمة في اعادة بناء المناطق السنية المدمرة، وإطلاق منظومة تعاون أمني يطوق الارهاب الذي يقتات من الازمات السياسية.

والسؤال: هل تسمح ايران بمثل هذه الخيارات التي قد تراها مقوضة لنفوذها؟ والاجابة هي لا خيارات كثيرة تملكها ايران المستنزفة في الحرب السورية، والتي تعلن من وقت لآخر عن افلاس مصارفها. فأي محاولة لمقاومة التغيير في الشرق الاوسط ستخسر فيها طهران، لان موازين القوى بعد نهاية الارهاب ليست لمصلحتها.




حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم