الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

لم أعد أنا... بعدما زارنا الموت!

ليال كيوان
A+ A-

فقدان شخص عزيز أمر في غاية الصعوبة، رغم أن الموت هو الحقيقة المطلقة في هذه الحياة وهو مصير كل حيّ، إلاّ أن مشاعر الحزن والشعور بالفقد قد تكون أحياناً قوية، وفق قرابة الشخص المتوفى من الأشخاص الذين يعانون مشاعر الحزن والفقد. عادة ما تكون ردّة الفعل الأولى عند المقربين من الشخص المتوفى، الشعور بالإنكار وعدم التصديق، فهم لا يصدقون الخبر خصوصاً إذا كانت الوفاة مفاجئة ولم يكن الشخص يعاني أي مرض.


عدم تصديق الخبر
إحدى العائلات من الجيران الذين يقطنون في الحي حيث أسكن، فقدوا شقيقهم الذي لم يكن يشكو أي مرض في عمر مبكر (36 سنة). ورغم أن شقيقه حضر مراسم دفنه إلاّ أنه لم يُصدّق بأن شقيقه مات، ولم يشعر بأي مشاعر حزن لوفاة شقيقه. وعندما عاد إلى المنزل ووجد أقاربه وشقيقاته يبكون على فقدان شقيقهم، تساءل لماذا يبكون؟. وعندما أخبروه بأن شقيقه الوحيد قد توفي، أنكر ذلك وقال إنه حي ولم يمت، واستغرب كيف يقولون ذلك. كان بارد المشاعر وقد استغرب الجميع ذلك، وعندما سألوه دفن من كان قبل قليل، لم يُجب وأصّر على أن شقيقه موجود وسوف يأتي إلى المنزل بعد قليل. وأخذ يهاتفه وينتظر عودته.
ما يحصل من ردود فعل بعد الوفاة، يفنّدها الإختصاصي في علم النفس الإجتماعي الدكتور كمال بطرس، ويشير الى أنه "بعد انقضاء فترة على الوفاة، يتحوّل الإنكار قبولاً، وتبدأ مشاعر الحزن من بكاء وتذكر المتوفى. مشاعر الحزن قد تطول إلى أسابيع وأحياناً أشهر، وفي بعض الأحيان يتحوّل الحزن على فقد المتوفى اكتئاباً مرضيّاً يحتاج إلى علاج دوائي ونفسي، لا سيما إذا كان المتوفى أباً أو أماً أو إبناً أو شقيقاً. وأحياناً، يتأخر الحزن ويأتي في وقت بعيد من الوفاة، إذ يُدرك القريب بأن قريبه توفي وأنه لن يعود باستطاعته أن يراه أو أن يتحدث إليه مرة أخرى. وعندما يصل الشخص الحزين إلى هذه المرحلة تبدأ مرحلة من الحزن المتأخر فيبدأ بلوم نفسه، وأحياناً يُصاب بعض الأشخاص الذين فقدوا عزيزاً منذ فترة طويلة قد تتجاوز السنة أو أقل أو أكثر، بأعراض ذهانيّة كأن يقوموا بمكالمة الشخص المتوفى ويخاطبوه كما لو كان أمامهم، وقد يصبح الحزن مصحوباً بأعراض ذهانيّة تعوّق الشخص عن أداء عمله أو إنجاز دراسته. مثل هؤلاء الأشخاص الذين يأتي حزنهم مُتأخراً ويكونون في وضع نفسي غير سوي أثناء فترة الوفاة، ويستمر لديهم الإنكار لفترة قد تطول، وهذا ما يجعلهم يصابون بالاكتئاب الشديد المصاحب لأعراض ذهانيّة".


لوم النفس وتأنيب الضمير
أحد أصدقائي علاء، توفي والده ولم يشعر بأي مشاعر حزينة خلال الفترة التي تزامنت مع الوفاة. لكن بعد بضعة أشهر، بدأ يلوم عائلته لأنهم لم يجعلوه يفهم أن والده قد مات. وأصيب الشاب باكتئاب شديد مع أعراض ذهانيّة، وتوقّف عن الذهاب إلى المدرسة وأصبح منطوياً يُكلّم نفسه ويلومها على أنه لم يقم بالواجب المفروض عليه خلال فترة الوفاة.
يقول بطرس إن "الشعور بالذنب وتأنيب الضمير ربما يكون قوياً في بعض الحالات، إذ يلوم الشخص نفسه لتقصيره في منع الوفاة، وهذا أمر غير صحيح، لكن الحالة النفسية لمن فقد عزيزاً تجعله يعاني مثل هذا الشعور، ويبدأ في التفتيش في أغراض المتوفى والحزن الشديد على وفاته".


اللحاق بالمتوفى!
صديقة عمتي، توفي زوجها المتقاعد وكانا يعيشان معاً ومرتبطين ببعضهما البعض بدرجة كبيرة، ولم تحتمل الحياة بعده وكانت تزور قبره يومياً. وبعد فترةٍ لم تطل، توفيت الزوجة من دون سبب واضح للوفاة من الناحية الطبيّة!
إن الإيمان بالله وقدره قد يُساعدان أقارب المتوفى على تجاوز هذه المرحلة، ولكن أحياناً يكون الوضع أشد وطأة على الشريك أو الإبن أو الأب فيلحق بمن يُحب، "فالنفس البشرية مُعقّدة وكذلك المشاعر تختلف من شخصٍ الى آخر، وهذا ما يُفرّق بين الأشخاص في تقبّل رحيل شخص عزيز"، على ما يقول بطرس. "كثر من أقارب المتوفى يتقبّلون الأمر بعد أشهر، ويعودون إلى حياتهم الطبيعية ولكن البعض الآخر خصوصاً المتعلّقين بالمتوفى، قد لا يكون باستطاعتهم العودة الى حياتهم الطبيعية لفترة طويلة قد تمتد أعواماً، يتعطّل فيها الشخص الحزين عن أداء المهمّات الموكلة إليه في تصريف شؤون حياته. والأزواج في عمر متقدم، إذا فقد أحدهم الآخر خصوصاً إذا كانوا مقربين جداً من بعضهم البعض، يلحق الزوج بزوجه بعد فترة قصيرة من دون مرض واضح".


[email protected]

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم