السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

المشنوق فجّر فضيحة "نعرفها"... ارفعوا أيديكم عن القضاء هي الصرخة المتجددة

المصدر: "النهار"
اسكندر خشاشو
اسكندر خشاشو AlexKhachachou
المشنوق فجّر فضيحة "نعرفها"... ارفعوا أيديكم عن القضاء هي الصرخة المتجددة
المشنوق فجّر فضيحة "نعرفها"... ارفعوا أيديكم عن القضاء هي الصرخة المتجددة
A+ A-

التدخل السياسي في القضاء ليس جديداً على مسامع اللبنانيين، فهم اعتادوا سماعه منذ عقود، وأضحوا يتعاملون معه كأمر واقع رغم البيانات الإعلامية والمواقف الكلامية التي تشدد على إبعاد السلطة الثالثة عن تلوث السياسة وبقائها سلطة مستقلة تستمد أحكامها من سلطة الشعب اللبناني وتحكم باسمه، وهو الوحيد الذي يعطيها الحصانة والاستقلالية. 

إلّا أن الواقع لا يزال بعيداً، وما حصل في الأيام الأخيرة أعاد هذه القضية إلى التداول؛ فمن حادثة الفنانة أصالة في مطار بيروت وما تبعها من ردود فعل، إلى الإعلان المباشر لوزير الداخلية نهاد المشنوق، وهو المسؤول عن الضابطة العدلية، بصراحة أن ضابطته قامت بواجبها لتوقيف مطلقي رصاص الابتهاج بعد صدور نتائج الامتحانات الرسمية الخميس الفائت، وخرج بعضهم بعد ساعات بسبب تدخلات سياسية لدى القضاة.


إشكاليتان أساسيتان

وفي كلام الوزير إشكاليتان أساسيتان تتفرع منهما إشكاليات عدة جميعها تمسّ مباشرة حياة المواطن وأمنه.

الأولى هي عمل الضابطة العدلية أو قوى الأمن الداخلي، وهي القوى المكلفة إلقاء القبض على المخلّين بالقوانين وتوقيفهم. وفي تصريح الوزير المشنوق رفع للمسؤولية عنهم باعتبارهم قاموا بواجباتهم كاملة، وألقى المسؤولية على السلطة القضائية التي تلكأت وخضعت لضغوط سياسية وأطلقتهم من دون محاسبة، لكن أسئلة كثيرة تتعدّى هذه الحادثة بالذات إلى حوادث أخرى، فهل قامت القوى الأمنية بواجباتها بهذا الخصوص، وأوقفت كل من ظهر في العراضات المسلحة وإطلاق الرصاص في الجنائز الرسمية، ومع إطلالة كل سياسي وزعيم وغيرها؟ أم أن الأمر أيضاً مرتبط بتدخل سياسي يضع خيمة فوق هذا ويحمي ذاك؟ وفي هذه النقطة بلغ الأمر بأحد القانونيين إلى تأكيد أن من يوقَف بإطلاق النار هو من لا "واسطة" لديه.


العقوبات المخففة

أما الإشكالية الثانية فهي عمل القضاء بفروعه كافة والتدخل السياسي في سلطة يفترض أن تكون مستقلة ومنفصلة عن السياسة، إضافة إلى اعتماد بعض الأحكام المخففة التي لا تكون في معظم الأحيان رادعة أو تشكل قصاصاً بحجم الضرر الناجم. فمثلاً بحوادث إطلاق النار يلقى القبض على مطلق النار، وبعد إجراء التحقيق معه يراجع مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية وفي أغلب الأحيان يتم إطلاق سراحه باعتبارها جنحة ويحوّل الملف إلى المحكمة العسكرية حيث يحاكم طليقاً. وفي أقصى الحالات يحكم عليه بثمن بندقية أي مليوناً ونصف مليون وبمصادرة السلاح إذا ضبط، والاكتفاء بمدة توقيفه (يوم أو يومين) أو توقيفه لمدة أسبوع واستبدالها ببدل مالي عن كل يوم توقيف بحسب المحامي صليبا الحاج، مشيراً إلى أن هذه الأحكام تنفذ منذ أكثر من عشر سنوات بهذه الطريقة، بغض النظر إذا كان السلاح مرخصاً أو لا.

ولفت إلى أن القوانين تتيح التوقيف في هذا الموضوع إلى ستة أشهر لكن التعميم على القياس وليس استنسابياً.


المسؤولية مشتركة

وفي هذا الاطار، يؤكد رئيس مجلس القضاء الاعلى سابقاً القاضي غالب غانم، ان التدخل السياسي في عمل القضاء مطروح على بساط البحث منذ زمن وليس بعيداً عن الواقع، مشيراً الى انه في هذا الموضوع "تقع المسؤولية على الطرفين، على السلطة السياسية التي تنادي كلامياً باستقلالية القضاء ولا تتوانى عن التدخل في العديد من الملفات، وعلى السلطة القضائية التي تقبل بتدخل سياسي في مهماتها والرضوخ له احياناً".

وقال في حديث الى "النهار": "لا يكون القضاء مطمئنّا ومطمئنا، الّا اذا نال ثقة الناس"، وفي رأيه ان "هناك ثغرة بدأت تكبر في هذا الموضوع وعلى السلطة القضائية العمل لسدّها، فعندما يلتقي العمل القضائي مع ثقة الناس نكون قد وصلنا الى المبتغى، والأمر يحتاج الى مسار طويل".

وعن الأحكام المخففة غير الرادعة التي تصدر في قضايا أساسية وتمسّ بحياة اللبناني، أوضح ان "على القاضي التوفيق بين المعطيات الواقعية والموضوعية والقوانين، وبعدها يصدر حكمه"، معتبراً أن الأخطار التي تهدد القضاء هي سلطة القاضي على نفسه وكيفية اصدار احكامه".

من جهة أخرى، رأى غانم أن "على السلطة وسياسيي لبنان ان يعوا حدود فصل السلطات وحصر عملهم بتطوير القوانين التي تحصن القضاء واستقلاليته لا التدخل في الملفات القضائية".

هيئات الرقابة

اطلاق وزير تصريحات مباشرة كهذه بحق القضاء يعمق الهوّة بين الناس والقضاء ويخفف الثقة بسلطة ارتضى الرضوخ لاحكامها، مما يستوجب خطوات قضائية تعيد هذه الثقة مع الناس، ومحاسبة ذاتيه تؤكد النزاهة والعدل الذي اؤتمن عليه، وفي هذه المسألة شدد غانم على ان السلطة القضائية لديها مؤسسات رقابية وهي التفتيش القضائي والمجلس التأديبي، لافتاً الى ان التفتيش القضائي يتحرك تلقائياً عند وجود الخلل والطلب من مجلس القضاء الاعلى المحاسبة، كما يمكنه التحرك بناء على طلب وزير العدل، فإذا كان لديه معلومة عن خللٍ في عمل أي قاضٍ عليه ان يحرك التفتيش القضائي لاجراء التحقيقات واحالة القاضي المخالف على المجلس التأديبي".

وأكد غانم أن "هناك مغالاة عند الناس وكأنه لا حكم قضائياً يصدر الا عبر ضغط سياسي، وهذا ظلم في حق عدد كبير من القضاة الذين يعتبرون الملف صديقهم فقط"، داعياً في الوقت عينه السلطة التنفيذية الى الاقرار "بأن السلطة القضائية ليست فرعاً من فروع السلطة"، و السلطة التشريعية الى "الدفع بمشروع بتعديل المادة التي تعطي مجلس القضاء الاعلى اليد الطولى في التشكيلات القضائية وسحبها من السلطة التنفيذية مما يعطي استقلالية اكبر للقضاء".


الحكم ملح الارض

كلام غانم عن تدخلات السلطة التنفيذية والسياسية في عمل القضاء وافقه عليه نقيب المحامين السابق جورج جريج الذي سأل في اتصال لـ"النهار": "اي مسؤول لديه مصلحة في حماية مرتكب وحمايته؟ ولماذا؟".

ولفت الى أن إعلان وزير الداخلية بهذا الشكل أمر خطير جداً يتطلب تحركا سريعا من الهيئات الرقابية القضائية بأسرع وقت ممكن، واجراء التحقيقات وكشفها للرأي العام حتى تنتظم الامور، وإلا فنحن أمام مشكلة حقيقية".

وطالب جريج القضاء بأن يكون "أصم" ولا يستمع الّا الى صوت الحق والدستور، خاتماً بعبارة "الحكم ملح الارض".

ويبقى ان قضاء مستقلّا في بلد مثل لبنان يعاني ما يعانيه من الانقسامات، يجب أن يشكّل فسحة أمل للمواطن اللبناني فيشعر بأن حقوقه ستبقى مصونة في هذا المكان بالذات، من دون الحاجة الى ان يكون خاضعاً لهذا الزعيم او ذاك، وعليه لا بدّ من ثورة داخلية تعيدُ الى المواطن بعض الطمأنينة بعيداً عن السياسة وزواريبها.



حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم