الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

بالصور- "يا نايم وحّد الدايم"... المسحراتي في طرابلس تراث وروحانية

المصدر: "النهار" طرابلس
رولا حميد
بالصور- "يا نايم وحّد الدايم"... المسحراتي في طرابلس تراث وروحانية
بالصور- "يا نايم وحّد الدايم"... المسحراتي في طرابلس تراث وروحانية
A+ A-

ليس "المسحراتي" ظاهرة من صلب التعاليم والسنن الإسلامية، فهو تقليد استوردته بعض المجتمعات العربية، وعملت به طوال شهر الصوم. ونظرا لجمالية الدور، وما يؤديه "المسحراتي" من أناشيد، وما يضفي الصائمون على دوره من معان روحانية يغلب عليها الرمز والخيال، أصبح المسحراتي ظاهرة رمضانية بامتياز، ومن دونها يفقد الشهر الكثير من رونقه.


ينطلق "المسحراتي" قبل السحور بساعتين، ويجوب في شوارع تقاسمها مع مسحراتيين آخرين، يحمل الطبلة، وقد يرافقه من يحمل معه شمعدانا، أو فانوسا، أو أي وسيلة إضاءة. وفي تجوابه، ينشد أناشيد وابتهالات دينية، والدعوات لله، ومنهم من طوّر أناشيده إلى أقاصيص، مستلهمة روح الدين ومعانيه الصوفية، وباتت الكثير من المؤلفات تقاليد ثابتة يتوارثها المسحراتيون الجدد الذين يرثون أجدادهم القدماء.


ونظراً لتردد المسحراتي سنوياً في الأحياء المرسومة له، تنشأ بينه وبين الناس علاقة تعارف ووداد، ويتعرف على العائلات، وحتى على أسماء أبنائها، فيطلق لهم الادعية الخاصة بهم، منادياً كل واحد باسمه. ويطلب كثيرون منه ادعية خاصة في حال وجود مريض في المنزل، أو اقتراب استحقاق كالزواج أو الامتحان، فينشد أناشيد مخصصة لكل حالة فيها الدعاء بالتوفيق أو الشفاء، في ظل إيمان أن الله يستجيب للادعية في شهر رمضان بصورة خاصة.

يتعالى صوت المسحراتي قبيل موعد الامساك على مدى ساعتين ليتسنى له تغطية الخط الذي عليه عبوره لمسافات طويلة. وتتردد أصداء صوته لأمكنة بعيدة. غالب الناس نيام، والشوارع فارغة، والسكوت يطغى على ما عداه. فيأتي صوت المسحراتي مؤنسا في وحشة الليل، يخرق السكون، ويدخل نوعا من الطمأنينة للنفوس.


وفانوسه اليوم قد يكون تراثا أو فولكلورا جميلا، لكنه، كما صوت المسحراتي يؤنس في السكون الموحش، كذلك يؤنس بريق الفانوس الخافت ظلمات الليالي الدكناء يوم لم يكن هناك تيار كهرباء، وإضاءة ليلية للشوارع.

مع الوقت، تطور عمل بعض المسحراتيين، ودخلت على الخط بعض تقاليد الفرق الصوفية، فتحوّل المسحراتي من فرد ومرافق لحمل الفانوس، إلى فرقة تضم عدة أشخاص، يحملون الدفوف، والصنوج، ويقرعون ألحانهم في ظل ترداد أناشيد خاصة بكل فرقة.

وفي طرابلس اشتهر مسحراتيون مثل بدر اللوزي، وبلال الزاهد، وآخرون من آل الغندور والقدوسي والبيروتي. والمسحر قد يلبس لباسا عاديا، أو دشداشة بيضاء، لكن الفرق المسحراتية أو الصوفية يرتدون نفس اللباس الذي كان يرتديه المسحراتيون في السابق اي دشداشة زرقاء، وعلى الكتفين شال أبيض اللون يحتوي على نقوش زرقاء او خضراء.



المسحراتي رضوان عبد القادر عثمان (ابو طلال) هو الاكثر شهرة في طرابلس، فقد قضى حتى الآن 64 سنة مسحرا، وقد توارثها عن جده وعمه حيث كان يرافقهما منذ طفولته.


يقول ابو طلال ل"النهار":"المسحراتي يعرف كل اهل منطقته، ينادي عليهم كل واحد باسمه داعيا اياه للنهوض "يا نايم وحد الدايم"، وبالنسبة لي التسحير جزء من تراث طرابلس وتراث العائلة، لذلك يرافقني اثنين من اولادي في ليالي رمضان، وهم يتقنون فنون التسحير".


ومن مسحراتيي المدينة، زكريا العتال المعروف ب"أبو محمد"، قال:"عملت مسحراتيا منذ أن كان عمري عشر سنوات، وكان عمي مسحراتيا، وأنا أساعده"، وذكر أن هناك عدة فرق حاليا، منها أبوطلال، واللوزي (الفرقة التي انتمى إليها) والغندور، وسواها، موضحا "إن هذه الفرق تنسق فيما بينها وتتوزع الأحياء منعا للتضارب في مسارها الليلي".


المدائح


تتعدد الاناشيد التي يتلوها المسحراتيون، ومنها ما تختص بها كل فرقة، ومنها ما هو معروف من الفرق كلها. ويتحدث ابو طلال عن بعض الأناشيد والتلاوات الخاصة بالمسحراتي، ومن التلاوات المعروفة لدى غالب الفرق ما يقول:"ما أحلى الصلاة على النبي ساعة على بكرا. بين الكواكب وبين القبة الخضرا. سير يا دليل ولنقصد الحجرة. ولنشاهد المصطفى وصحابته العشرة".


ومن المدائح أيضا ما تكرّم الرسول والأنبياء، ومنها:" يا ترى قبل النبي من كان رسول الله، كان الذي نوره غاية ذكر الله، وحياة من سبّحولو في كلام الله عيسى، ومحمّد لأجلهم أنزل الانجيل والقرآن".


وأخرى تقول: "لمن توفي النبي يا ما بكت سادات. حزنت ملوك السما والعرش يوم الممات. والصالحين يا محمد شالوك على الرايات..."و"يانايم وحد الدايم"، ويدعو ارباب الاسر كل باسمه للنهوض من اجل تناول وجبة السحور.


وفي منتصف شهر رمضان، يتسع عمل المسحراتيين من التجوال بعد منتصف الليل، إلى التجواب على البيوت، فيما يعرف بالوداع، فيقصد المسحراتيون المنازل، فيقرعون معزوفاتهم، وينشدون أناشيدهم، وينالون من أصحاب البيوت ما تيسر.


غالبية المسحراتيين يفضلون أن يعطوا لدورهم طابعا روحيا، ولذلك لا يكترثون في حال أن أحد البيوت لم يقدم لهم شيئا، ف"نحن غايتنا إحياء تراث المسحراتية، والحفاظ عليه، والتركيز فيه على المعاني الدينية، فهو زينة شهر رمضان المبارك"، بحسب ما يردده غالبهم.


وسادت في الآونة الأخيرة فكرة استضافة المسحراتي في احتفالات مغلقة، يقدم فيها بعضاً من مدائحه، ويعطي للمناسبة طابعا متجدداً، رغم طابعه التقليدي.






الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم