الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

المصارف اللبنانية قادرة على تمويل الإقتصاد ولكن...

المصدر: "النهار"
البروفسور جاسم عجاقة- خبير اقتصادي واستراتيجي
المصارف اللبنانية قادرة على تمويل الإقتصاد ولكن...
المصارف اللبنانية قادرة على تمويل الإقتصاد ولكن...
A+ A-

يُظهر الإقتصاد اللبناني حاجة غير مسبوقة للإستثمارات التي أخذت تؤثّر على النمو الإقتصادي بشكل واضح وتنعكس في الموازنة على شكل عجز مُزمن. اليوم ومع إرتفاع الدين العام إلى مستويات عالية، يُطرح السؤال عن قدرة المصارف اللبنانية على تمويل الإستثمارات بهدف إمتصاص هذا الدين؟ 

أثبتت المصارف اللبنانية ملاءتها على الرغم من الظروف الصعبة التي مرّت بها، وكلمة حقّ تُقال أنه لولا هذه الملاءة لكانت الدولة اللبنانية أفلست منذ أكثر من عقد. فهذه المصارف إستطاعت من خلال عدّة عوامل على رأسها جودة الخدمات وإلتزامها المعايير والقوانين الدولية والفوائد العالية، من الإحتفاظ بقدرة جذب كبيرة للودائع التي تستمرّ بالتدفّق ولو بوتيرة أقلّ من الأعوام المُنصرمة.

تُشير الأرقام إلى أن حجم ودائع القطاع الخاص في المصارف يفوق الـ 165 مليار دولار أميركي مقابل 30 مليار دولار أميركي أصول خاصة. وتتوزّع هذه الموارد على الشكل التالي: 51.5 مليار دولار أميركي قروض للقطاع الخاص، 38 مليار دولار أميركي ديون سيادية، 85.4 مليار دولار أميركي ودائع في المصرف المركزي، 25.6 مليار دولار أميركي أصول أجنبية... (المصدر: البوابة الإلكترونية لمصرف لبنان).

ويظهر من هذا التوزيع أن المصارف تدعم الدولة اللبنانية بشكلٍ كبير من خلال إستحواذها على أكثر من نصف الدين العام، كما أن القروض إلى القطاع الخاص هي بمعظمها قروض إستهلاكية (أكثر من 80%). وبالتالي نرى أن المصارف اللبنانية تستخدم توزيع سيء للموارد التي تمتلكها بدفع من الوضع السياسي والأمني الذي يضرب لبنان مما يزيد حجم المخاطر على هذه المصارف وبالتالي تُفضّل عدم الخوض في هذه المّغامرة وهي التي تخرج من تجربتين سيئتين: العراق وسوريا.

النظرية الإقتصادية تنصّ أنه على المصارف أن تُموّل الإقتصاد بشقّيه الإستثمار والإستهلاك مع نسب تتفاوت بحسب حاجة الإقتصاد للتمويل. اليوم الإقتصاد اللبناني هو بإشدّ الحاجة إلى الإستثمارات وهذا يعني أنه يتوجّب على المصارف إعادة النظر في سياستها إلإقراضية للقطاع الخاص.

غياب الإستثمارات جعل الإقتصاد اللبناني يعتمد بشكل شبه كامل على الإستهلاك مما جعل هذا الأخير مُحرك النمو الإقتصادي الحالي. هذا الأمر غير طبيعي بحكم أن زيادة البطالة الناتجة عن العمالة الأجنبية وتراجع القطاعين الصناعي والزراعي (أكثر من 22% في العام الماضي)، سيؤدّي حتمًا إلى تعثّر القطاع الخاص عن دفع الإستحقاقات للمصارف.

فرصة التمويل تظهر من خلال الودائع التي تمتلكها المصارف في المصرف المركزي والذي يستخدمها هذا الأخير لتأمين الثبات النقدّي والنظام المالي اللبناني. هذه الأموال التي يبلغ حجمها 85 مليار دولار أميركي هي العامود الفقري للدوّلة اللبنانية ولنظامها المالي والمصرفي وبالتالي لا يُمكن المساس بها إذا لم يتمّ توفرّ شرطيّن أساسيين على الطبقة السياسية الإلتزام بهما:

أولًا – ضمان ثبات سياسي وأمني من خلال إحترام المواعيد الدستورية وعدم الإخلال بها لأنّها أساس ثقة المُستثمرين. ومن خلال دعم القوى الأمنية لتأمين الحدّ الأدنى من الأمان الجسدي للأشخاص والمُمتلكات.

ثانيًا – وضع خطّة إقتصادية عمادها تحفيز الإستثمارات، لجم العجز في الموازنة، لجم الدين العام، ووقف الفساد. كل هذا في ظل إقرار سلّة من القوانين التي تُشجّع مناخ أعمال مؤاتٍ للمُستثمرين تُضّمن فيه حقوق اليد العاملة اللبنانية.

في حال تمّ الإلتزام من قبل الطبقة السياسية بهذين الشرطين (وفقط في هذه الحالة)، فإنه من المُمكن للمصارف اللبنانية سحب ما لا يقلّ عن 15 مليار دولار أميركي من ودائعها في مصرف لبنان لإقراضها للمُستثّمرين بهدف الإستثمار في الإقتصاد اللبناني. وبإعتقادنا، لا يحتاج لبنان إلى أي مُساعدة مالية خارجية للنهوض بإقتصاده بل أن القطاع المصرفي قادر على تمويل إستثمارات لبنان وجزء من إعادة إعمار سورية أيضًا خصوصًا أن العديد من المصارف اللبنانية تمتلك فروع لها في سوريا.

أمّا في حال لم يتمّ الإلتزام بالشرطين السابقي الذكر، فإن المسّ بودائع المصارف لدى المصرف المركزي يُعتبر إنتحاري مالي للدوّلة اللبنانية. وبالتالي نتمنّى على حاكم مصرف لبنان رياض سلامة عدم التساهل بهذه القضيّة.

من ناحية مصرف لبنان، نرى أن إجمالي أصوله تبلغ 102 مليار دولار أميركي (30\\4\\2017) منها 33.5 مليار دولار أميركي إحتياط من العملات الصعبة، 11.7 مليار دولار أميركي من الذهب، 30 مليار دولار أميركي محفظة إستثمارية في أصول مالية (نعتقد أن جزء مهم منها سندات خزينة)، و11.5 مليار دولار أميركي عمليات سوقية على أدوات مالية.

هذه الأرقام تدّعو إلى الطمأنينة من ناحية أن إحتياط مصرف لبنان من العملات الأجنبية والذهب يوازي حجم الإقتصاد اللبناني وبالتالي فإن مصرف لبنان قادر على الدفاع عن الليرة اللبنانية التي يضغط عليها التخبّط السياسي.

من جهة أخرى يمتلك مصرف لبنان القدرة المالية إذا ما تمّ الإلتزام بالشرطين الآنفي الذكر، أن يدعمّ قروض لقطاعات واعدة بشكل واسع. الجدير بالذكر أن مصرف لبنان كان الوحيد الذي خصّص رُزم لدعم بعض القطاعات الواعدة مثل إقتصاد المعرفة والقطاع العقاري. هذا الأخير يُشكل أعلى نسبة مخاطر للمصارف بعد سندات الخزينة من ناحية أن قسم كبير من القروض للقطاع الخاص هي قروض سكنية.

في الختام، لا يسعنا القول إلا أن كل الحلول تمرّ إلزاميًا بالإلتزام بالشرطين الأنفي الذكر والذين هما من مسؤولية الطبقة السياسية. فلنأمل أنه بإقرار قانون إنتخابي جديد، قد يشهد لبنان مرحلة جديدة كما وعد الرئيس سعد الحريري بقوله أنه وبعد الإنتهاء من قانون الإنتخاب سيكون هناك أولوية للإقتصاد.


حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم