الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

مؤامرة على البطريرك "للاطاحة به وقتله"... "سيانيد" في الحقيبة، وسكريتيرة متنفذة!

هالة حمصي
هالة حمصي
مؤامرة على البطريرك "للاطاحة به وقتله"... "سيانيد" في الحقيبة، وسكريتيرة متنفذة!
مؤامرة على البطريرك "للاطاحة به وقتله"... "سيانيد" في الحقيبة، وسكريتيرة متنفذة!
A+ A-

منذ نحو 5 اشهر، انفجرت الفضيحة، ولم "تنطفىء" حتى اليوم. وجديدها، اتهام علني وُجِّه الى أحد المطارنة "بانه يريد الاطاحة بالبطريرك وقتله"، "ولدينا الادلة على ذلك"، الى جانب استقالة الحارس الشخصي للبطريرك، بما يشعل مجددا التكهنات والسيناريوات. المعركة على خلافة البطريرك المسن فجّرت نارا احرقت اصابع مسؤولين كنسيين كبار... والمفاجآت غير السارة تتلاحق.      


مؤامرة! 

13 شباط 2017. الخبر تناقلته الوسائل الاعلامية في جورجيا وارجاء العالم، بشيء من الذهول. "اتهام كاهن جورجي بالتآمر لقتل رجل دين رفيع المستوى". "كنيسة جورجيا الارثوذكسية ضبطت في مؤامرة تسميم". "جريمة قتل مزعومة تهز كنيسة جورجيا الارثوذكسية". "مؤامرة للتسميم في قلب كنيسة جورجيا الارثوذكسية"...


هكذا بدأت القصة. وفي تفاصيلها الاولية ان المتقدم في الكهنة #الاب_جيورجي_مامالادزي (32 عاما) أُوقِف في مطار تبيليسي في 10 شباط، وفي حقيبته "سيانيد"، وفقا للمدعي العام الجورجي ايراكلي شوتازدي، وذلك اثناء محاولته السفر الى المانيا للقاء بطريرك جورجيا للروم الارثوذكس #ايليا_الثاني (84 عاما) الذي كان يتعافى من عملية جراحية في المرارة خضع لها في برلين.  

في التهمة الموجهة الى الاب مامالادزي، وهو مدير ادارة الممتلكات في الكنيسة الجورجية ومركز القديسة حنة والقديس يواكيم الطبي التابع لها، "الاشتباه في التآمر على قتل مسؤول كنسي رفيع المستوى"، على قول شوتازدي في بيان، مشيرا الى انه "كانت لديه اتصالات منتظمة" بالبطريرك.


(البطريرك ايليا الثاني) 

لم يسم البطريرك كهدف لمحاولة القتل، غير انه عُلِم ان البطريرك هو المقصود، بعدما اورد تلفزيون "روستافي2"، قبل يوم من بيان شوتازدي، انه ربما كانت هناك محاولة لقتله بالسم. وما اكد ذلك ايضا اسراع رئيس الحكومة الجورجية جيورجي كفيريكاشفيلي الى اعطاء توجيهاته بمضاعفة امن البطريرك، معلنا انه ارسل رئيس فريقه الامني الخاص ومجموعة من العملاء الامنيين الى المانيا لحماية البطريرك.   


وفقا للمعلومات التي اوردها شوتازدي، بدأت التحقيقات عندما ابلغ احدهم الشرطة بان الاب مامالادزي طلب منه الحصول على سيانيد في مقابل المال، الى جانب "فوائد غير شرعية" اخرى. كذلك، افادت الشرطة انها وجدت اسلحلة نارية في منزل الكاهن بعد تفتيشه، لا سيما "مسدس من صنع يدوي"، على قول المدعي العام.  


معركة على العرش 

النبأ هزّ الكنيسة، وايضا كل جورجيا المتدينة جدا. انها البلد الثاني في العالم الذي اعتنق المسيحية في القرن الرابع، على قولها، ويتبع نحو 80% من سكانها الـ4 ملايين تقريبا الكنيسة الارثوذكسية الجورجية. الصدمة كبيرة في اوساط الاكليروس والجورجيين، الى حد عدم تصديق الامر. "اي عمل مماثل من اي كاهن امر لا يصدق"، صرح المطران اندريا لـ"روستافي2". كذلك، قال الاب شيو بايشادزي انه لا يصدق الاتهامات بحق مامالادزي، مشيرا الى ان علاقة وثيقة تربطه بالبطريرك.

 
في تعليق مثير للاهتمام، قال المتقدّم في الكهنة الاب فسيفولود شابلين، الرئيس السابق لدائرة العلاقات بين الكنيسة والمجتمع في الكنيسة الروسية، انه يعتقد ان هناك "خلفية سياسية" لمحاولة قتل البطريرك، والتي قد تكون، في رأيه، "محاولة للضغط" على الكنيسة الجورجية الواسعة النفوذ (ناشيونال نيوز سرفيس).   


في ذلك اليوم، بشّر رئيس الحكومة بـ"اننا تجنبنا كارثة ضخمة. لقد منعنا جريمة ضد بلادنا، واعتداء غادرا على كنيستنا". واذا كانت جورجيا نجت بالفعل من "كارثة ضخمة"، فان الفضيحة المدوية اظهرت جليا ان هناك معركة شرسة داخل الكنيسة، معركة على العرش.   


"فضيحة السيانيد" اخرجت التجاذبات الكنسية الى العلن. متروبوليت شكونديد المطران بيتري اعلن ان "شخصية متنفذة معينة في البطريركية" اوقعت بالاب مامالادزي الذي كان انذر البطريرك بحصول فساد وسوء ادارة في الكنيسة. وزعم ان "تلك الشخصية المتنفذة" طلبت من مامالادزي، لتوقع به، ان يشتري السيانيد "من اجل صائغ، احد الاقرباء الذي يعيش في اوكرانيا"، لاستخدامه في عمله في صناعة الذهب.  


غير ان المطران لاكوب لاكوباشفيلي، احد المسؤولين الكنسيين البارزين، ردّ على زميله بيتري بنفي وجود اي مخالفات او اعمال شاذة او انتهاكات للقوانين، زاعما انه كان ينوي ان يدقق بنفسه في حسابات الكنيسة.      

(مدخل بطريركية جورجيا للروم الارثوذكس في احد الاحياء القديمة لتبيليسي- تصوير "النهار") 

"السيانيد" لقتل السكريتيرة!

انها القشرة الخارجية فقط لجبل ضخم. وما تحتها بدأ ينكشف قليلا، مع تحرر بعض الالسنة من عقدها. الحارس الشخصي للبطريرك سوسو اوخاناشفيلي الذي كان استقال من منصبه قبل مدة اثر مواجهات بينه وبين مسؤولين كنسيين كبار، قال بدوره ان الكاهن وقع ضحية مؤامرات خصوم. فدور مامالادزي التحقيق في الشؤون المالية وادارة ممتلكات الكنيسة، بما يعني انه من الممكن ان يكون عرف باعمال ملتوية لاكليروس ومسؤولين في الكنيسة.

القضية برمتها اربكت حتى الحكومة التي سعت، وفقا لمراقبين، الى تقليل اهمية التصاريح والمعلومات الرسمية الاولى عن ان السيانيد كان مخصصا لقتل البطريرك. وزعم محامي مامالادزي ان الحكومة تتهم حاليا موكله بمحاولة قتل سكريتيرة البطريرك شورينا تيترواشفيلي، وهي امرأة في منتصف العمر ذات سمعة بان لها نفوذا على رجال الكنيسة.


وبالفعل، اخذت التحقيقات هذه الوجهة. السيانيد "كان مخصصا لها". وحلقت التكهنات في كل الارجاء حول تيترواشفيلي، السكريتيرة القوية، وحاكت مختلف السيناريوات. واحداها ان "تيترواشفيلي تقود فريقا من فريقين يتصارعان بشدة على خلافة البطريرك"، وفقا لاعتقاد اللاهوتية ميريان غامريكيلاشفيلي. وفقا للاقاويل، تقف تيترواشفيلي وراء فريق متعدد الافرقاء، يزعم انه يحظى بدعم غالبية الكهنة وادارة الكنيسة.  


في المقابل، هناك "فريق خصم يترأسه متروبوليت باتومي المطران ديميتري شيولاشفيلي (56 عاما)، ابن شقيق البطريرك"، على قولها، والذي يزعم انه حاز على دعم البطريرك. وفقا للمعلومات، عمل المطران شيولاشفيلي على تقوية نفوذه في الكنيسة خلال الاعوام الماضية. ومن داعميه المعروفين، صهره الحارس الشخصي السابق للبطريرك، سوسو اوخاناشفيلي، والمطران بيتري. "وكان ايضا الاب مامالادزي احد داعميه، قبل تولي منصبه في ادارة ممتلكات الكنيسة، لكونه عمل تحت اشرافه في ابرشية باتومي".   


ويبدو ان مواجهات حصلت بين اعضاء من الفريقين، لا سيما بين السكريتيرة تيترواشفيلي والمطران بيتري الذي قال علنا عنها "انها الوجه القيادي في الكنيسة"، متهما اياها بإقامة "حكومة ظل"، و"كسب الملايين" من خلال اعمال غير شرعية في البطريركية. ووصفها ايضا بـ"الكاردينال الرمادي".   


ماذا اجابت السكريتيرة، بعد فضيحة السينايد؟ "الامر لا يتعلق بي. كان (اي بيتري) يقصد شخصا آخر. انها مشكلته"، قبل ان تلوذ بالصمت، رافضة الاتهامات المساقة ضدها. للعارفين، المناوشات المتفرقة بين اعضاء من الفريقين بعيدا من الاضواء شكّلت بوادر لمعركة قاسية لا تحماد عقباها داخل الكنيسة، ومؤشرات الى انفجار وشيك. وقد حصل.    

(فوق من اليمين: الاب  جيورجي مامالادزي،  شورينا تيترواشفيلي. تحت: المطران ديميتري شيولاشفيلي، المطران بيتري تسافا)   

القريب الواشي... فيديو وادلة!

محاكمة الاب مامالادزي وراء ابواب مغلقة. الجلسات سرية. ما بيّنته الامور لاحقا ان الشخص الذي سلّمه الى الشرطة ليس سوى قريبه ايراكلي مامالادزي. وقد اوقعه بتسجيل فيديو يطلب فيه منه السيانيد لقتل السكريتيرة، "لوقوفها امام طموحاته الكنسية". وفي وقت طلب محاميه اطلاقه فورا، "وكل الاتهامات لا اساس لها"، اكد المدعي العام جارجي تسيكلوري امتلاك ادلة دامغة ضد الكاهن. "الى جانب الفيديو، لدينا ادلة تجرمه، وحصلنا عليها من هاتفه الشخصي. ونحن متأكدون ان المحكمة ستثبت جرمه". اذا ثبتت ادانة الاب مامالادزي، فقد يواجه حكما بالسجن يراوح بين 7 سنوات و15 سنة.

 
فصول من رواية بوليسية لا تصدق، مع مفاجآت غير سارة يتابع فصولها الجورجيون من اشهر. وفي تداعياتها الاخيرة، اتهام علني وجهه محامي البطريرك اديشر كارشافا الى المطران بيتري "بانه يريد الاطاحة بالبطريرك وقتله" (2 حزيران)، معلنا انه سلّم ادلة الى النيابة العامة تثبت انه يعمل ضد البطريرك، و"سأقدمها الى السينودس، وسأطلب منه معاقبته". النيابة بدأت تحقق في هذه المزاعم، بينما يردّ بيتري بان هذه الادعاءات "افتراءات قذرة"، معتبرا ان "فريقا في البطريركية يسعى الى السيطرة هو الذي يستهدفه بالتشهير".  


الرجل الاكثر ثقة

تترافق هذه التطورات مع خبر آخر: استقالة زوراب بوشوكوري، رئيس الفريق الامني للبطريرك، والذي تولى منصبه منذ شباط، من دون شرح للاسباب. كل هذا وغيره يؤذن بان الامور ابعد من ان تجد خواتمها قريبا. الجن خرج، ولا يزال خارجا، رغم محاولات البطريرك ايليا الثاني (1933) اعادته الى قمقمه، و"ضبضبة" الفضائح ورائحتها النتنة. وفقا للقانون الكنسي الخاص بالكنيسة، يعود اليه وحده ان يعلن خلفه.  


منذ 1977، يقود ايليا الثاني الكنيسة، وله تأثير مهم على الحياة الاجتماعية والسياسية في جورجيا. كذلك، يعود اليه الفضل في اعادة احياء الكنيسة، بعد استعادة جورجيا استقلالها من الاتحاد السوفياتي السابق العام 1991، وايضا في رفع اعداد المواليد بنسبة 25% بين 2005 و2010، عبر تعهده بان يعمّد شخصيا كل المواليد من عائلات ارثوذكسية لديها ولدان على الاقل. منذ 2008، عمّد 11 الف ولد على الاقل. وفي احصاء اجري العام 2008، قال 94% من الجورجيين "انه الرجل الاكثر ثقة في البلاد".  

[email protected]



الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم