السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

رحل معروف المحمود "أوّل من يتلقّى هموم الناس في السنترال"

المصدر: "النهار"
روزيت فاضل
رحل معروف المحمود "أوّل من يتلقّى هموم الناس في السنترال"
رحل معروف المحمود "أوّل من يتلقّى هموم الناس في السنترال"
A+ A-


عاد الحزن الشديد، الذي لازمنا منذ عام 2005 إلى جريدة "النهار"، ليخطف من بيننا معروف المحمود (68 عاماً). لا يمكن أن تصف الكلمات الخسارة الجديدة التي منينا بها برحيل معروف، الذي كان له الفضل الأول والأخير في تأسيس "سنترال" المؤسسة وتطويره، وتوفير الأجهزة الحديثة لتسهيل عمل الصحافيين من آلة فاكس وسواها. لم يكن عمله محدوداً، فقد كان دائماً حاضراً ليلاً ونهاراً لمتابعة أي عطل في السنترال أو في الكهرباء. ارتبط اسمه بعائلة تويني، ودأب على متابعة نمط عمل "السنترال"، الذي استحدثه في منزل العائلة في بيت مري. 





نوستالجيا..

رفض غالبية من تحدثنا إليهم التطرق إلى معاناته مع مرض القلب. سوء طالعه لم يسمح له، حتى بعد "زرع" قلب اصطناعي له، بفرصة حياة جديدة بيننا.

اختلف اليوم الجوّ العام في السنترال. أدرك الجميع أن معروف لن يعود بعد اليوم لينظم الأمور اللوجستية كما جرت العادة. صباح الزين حزينة جداً. صمتت قليلاً وحاولت الاتصال بعبد الله الشيخ، الذي اعتذر عن الكلام على الهاتف، لأنه مذهول من الخبر. تحار صباح كيف تصف معروف "هو خلوق جداً، لم يؤذ أحداً خلال عمله في "النهار"، ولا حتى في حياته العادية". رداً على سؤال عن رأيها في تعاطيه المهني معهم قالت: "له فضل عليّ لأنه أسهم في توظيفي في الجريدة، وهذا ينطبق أيضاً على كل من جوزف أبي غانم وشقيقته هدى زوجة هيكل عماد".

تكمل حديثها عن معروف، " كان يرفض النميمة في العمل، كان "ستّيراً"، يوبّخ كل من يأتيه شاكياً زميلاً له في السنترال". لن تنسى أبداً "صديقنا معروف، الذي كان يفترش الأرض ليصلح عطلاً طارئاً في السنترال".

تغيرت نبرة صوت هيكل عندما سألناه عنه. بادر قائلاً: "جمعنا الحلو والمرّ أيام السلم والحرب. بقينا معاً "قابعين" في "سنترال" الجريدة خلال الاجتياح الإسرائيلي، كنا ننام على أريكة، ونقسّم عملنا ضمن دوامين".

كان هيكل يدخل المبنى برفقته، كانا يلاحظان دورياً وجود مجموعة أوراق تهديد لـ"النهار" من بعض القوى الفلسطينية مرمية في سلة مهملات قرب الجريدة. عاشا هذا الخوف منذ 22 عاماً، وكانا يقصدان "إدارة الجريدة لإعطائهم هذه الأوراق، التي كانت توضع بطريقة شبه يومية في المكان نفسه".

هدى زوجة هيكل تعترف بأن "معروف أسهم في زواجها بهيكل". وصفت الحزن المخيّم على عائلته، ونقلت لنا ما تتداوله العائلة عن نيه ابنته، التي تقطن في أفريقيا، بيع منزلها في الرملة البيضاء لأن والدها معروف لن يتفقده بعد اليوم.

كلام جوزف عن "أبو وائل" كان مختصراً، "فقدنا اليوم شخصاً نبيلاً، تمايز برصيد أخلاق عال وذوق رفيع وراق في تعاطيه مع رفاقه في العمل".



الحاضر دوماً

 عندما كرّمته الجريدة ومؤسسة "برسا ميديا"، في احتفال رسمي لمناسبة إطلاق الجريدة بحلّتها الجديدة عام 2011، وجّهت له رئيسة تحرير "النهار" نايلة تويني تحية تكريمية مع مجموعة من رعيل الكبار، الذين تركوا بصمات خالدة في تاريخ الجريدة. حاولت أن تختصر دوره قائلة "هو أول من يتلقّى هموم الناس في السنترال".

يوم لازمه المرض، كانت تويني تعيش لحظة بلحظة تطوّر حاله الصحّية. كانت تأمل أن تسير الأمور عكس ما آلت إليه اليوم، ويعود معروف إلى عمله. عرفت معروف "منذ صغرها، ولازمها "طيفه" حتى اليوم". لطالما "شعرت بقرب المسافة معه، وهذا شعور بقي ثابتاً ومتيناً، وبدأ يكبر لديها مع كل زيارة يقوم بها إلى المنزل العائلي في بيت مري". منذ صغرها، كانت "تميل إلى محادثته من المنزل، وتطيل معه في الأخذ والردّ، وتسعد لسماع كلامه الطيّب واللطيف جداً". معروف الحاضر دائماً، كان يردّ على اتصال "والدي جبران وجدّي غسان اللذين كانا يتابعان سير عمل الجريدة ويتداولان مع فريق التحرير "مانشيت" عدد الغد". لا يفوته أي تفصيل في العمل، وفقاً لتويني، حتى عُرف بين رفاقه في "السنترال" بـ "جدو المختار"، "لأنه كان يحفظ غيباً غالبية الأرقام الهاتفية التي نحتاج إليها، ويعرف اسم المتصل من نبرة صوته".




المترهب أبداً

أما نائب رئيس التحرير نبيل بو منصف فاعتبره "ركيزة أساسية توازي في أهميتها أي صحافيّ في الجريدة". وذكر "عشنا معاً مراحل صعبة في الليالي. كان الحاضر دوماً معنا لإصلاح أي طارئ. كان مترهباً لـ"النهار. هو عملة نادرة في وفائه للمؤسسة، يمكن أن يكون بعضهم أوفياء، لكنه شخصية نادرة في وفائها".

السيدة رينه بابادوبولوس، من قدامى أسرة "النهار"، بكت وهي تتحدث عن رجل "حفظ أسرار كل كبير وصغير في المؤسسة. هو شخص وفيّ وكتوم، يعرف الشاردة والواردة، ويبقي كل شيء لنفسه". اعتبرت أنه "أصبح صحافياً مع تراكم خبرته مع العاملين في التحرير في "النهار".

حاول المحلل السياسي سركيس نعوم أن يختصر معروف، الذي تعرّف إليه عن كثب عندما بدأ مسيرته الصحافية في المؤسسة عام 1974. ثمّن نعوم المنحى غير الطائفي لديه "رغم الحرب الدائرة في بيروت، لم يكن يوماً طائفياً. لم يقارب أي موضوع بمنحى طائفي ولم يختلف مع أحد". كان "يسعد كثيراً عندما أتحدث معه عن أولاده". لكنه سجل أنه قصد مكتبه في المرحلة الأخيرة التي سبقت مرضه، ليعبّر له "عن حزنه من تراجع عدد المتصلين بالنهار صباح الأحد، وهو شيء لم يعتَده في العصر الذهبي للمؤسسة". عندما عرف أنه مريض، "خابره ليطمئن إليه، فأخبره أنه عائد إلى العمل قريباً، لكن وضعه الصحي كان يشير عكس ذلك".

"تاريخ"

أما المحلل السياسي علي حمادة فتعود به الذاكرة إلى مرحلة الطفولة. "عندما كنا نأتي أنا وجبران إلى "النهار"، كنا نتنقل بين المكاتب والطوابق، لكننا كنا نحرص أن نبدأ من غرفة "السنترال" الكائنة في الطبقة الأرضية من مدخل مبنى "النهار" في الحمراء". كنا نقصد هذا المكان "الضيق ، الخالي من النوافذ لنجلس مع معروف وزملائه، ولنلعب بنظام "السنترال" القديم المبني على نظام "الفيشه".

معروف، وفقاً لحمادة، هو أحد "أعمدة "النهار" بل هو من الرعيل الذي كان انتماؤه للمؤسسة انتماءً عائلياً". وثمّن دوره، معتبراً أنه "لم يكن يوماً أقل شأناً من أي صحافي، بل هو "ذاكرة التواصل، وقد أسهم وزملاءه طوال الحرب القائمة بين 1975 و1990 إلى وصول "النهار" إلى العالم والتواصل بين المنطقتين".

أما المحلل السياسي راشد الفايد فرأى أنه "تاريخ بحد ذاته، وهو من الأعمدة السرّية لـ"النهار"، وأسهم في تواصل الناس في أحلك الأوقات وربط مكالمات بين الناس ليسهّل العمل"..

معروف، يا أبا وائل، وداعاً.

[email protected]

Twitter:@rosettefadel



حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم