الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

ترامب... السائح السكران في أوروبا

المصدر: "النهار"
هشام ملحم
هشام ملحم
ترامب... السائح السكران في أوروبا
ترامب... السائح السكران في أوروبا
A+ A-

إذا كان هدف الرئيس دونالد ترامب من محادثاته مع قادة حلف شمال الأطلسي (الناتو) الأسبوع الماضي، تأكيد زعامة الولايات المتحدة للحلف، وتحجيم دور مستشارة ألمانيا أنغيلا ميركل، وأخذ مقياس الرئيس الفرنسي الجديد إيمانويل ماكرون وربما تخويفه، ومساعدة رئيسة وزراء بريطانيا تيريزا ماي في مفاوضاتها للخروج من الاتحاد الأوروبي، فمن الواضح الآن أنه أخفق في كل هذه المساعي، وإن كان الشرخ الذي أحدثه في التحالف الأطلسي مرشحاً للتوسع أكثر مع ما يحمله ذلك من مضاعفات سلبية سياسية واستراتيجية بعيدة المدى يمكن أن تستغلها روسيا في المستقبل. أداء ترامب الفظّ والصبياني في بروكسل، وخلال قمة الدول الصناعية السبع في صقلية، صدم العديد من الأميركيين وطبعاً الأوروبيين. الموقع الإلكتروني الأميركي The daily Beast نسب إلى مسؤول أميركي بارز قوله إن الرئيس ترامب تصرف "وكأنه سائح سكران" في أوروبا. الرئيس ترامب وصف جولته الأوروبية بأنها تمثل "نجاحاً ضخماً لأميركا"، ولكنه كان وحيداً في هذه المبالغة الكبيرة. والوصف الحقيقي والمقلق الذي استوقف الأميركيين والأوروبيين هو قول المستشارة ميركل يوم الأحد الماضي في ميونيخ "الأزمنة التي كنا فيها نعتمد كلياً على الآخرين، قد انتهت تقريباً. هذا ما اختبرته في الأيام القليلة الماضية". وتابعت ميركل خلال مهرجان انتخابي لتجديد ولايتها للمرة الرابعة "يجب علينا نحن الأوروبيين أن نأخذ مصيرنا بأيدينا". ولكن وزير خارجية ألمانيا زيغمار غابرييل كان مباشراً وواضحاً أكثر حين قال "إن سياسات الولايات المتحدة الضيّقة الأفق تتناقض مع مصالح الاتحاد الأوروبي. لقد أصبح الغرب أصغر مما كان عليه، على الأقل أضعف مما كان من قبل". 

شهدت العلاقات الأميركية - الألمانية في العقود الأخيرة فترات من الفتور وحتى التوتر، وهو ما رأيناه خلال ولاية الرئيس رونالد ريغان بسبب مواقفه المتشددة ضد الاتحاد السوفياتي، وخصوصاً خلال ولاية الرئيس جورج بوش الابن، حين عارض المستشار الألماني آنذاك غيرهارد شرودر غزو العراق. ولكن هذه الخلافات، لم تزعزع أسس العلاقات الوثيقة في مختلف الحقول بين البلدين، ولم تدفع برئيس أميركي أو مستشار ألماني للتشكيك بجوهر التزام الولايات المتحدة بحلف الناتو ومبادئه وخاصة البند الخامس الذي يلزم أعضاء الحلف باعتبار أي هجوم يستهدف أحدهم أنه يستهدف الجميع. ولخّصت المعلّقة الليبرالية جوان والش مشاعر منتقدي ترامب وسلوكه المترنّح الذي أدى إلى نتائج عكسية بالقول "ترامب هزم أول امرأة مرشحة لمنصب الرئاسة (هيلاري كلينتون)، ولكنه جعل امرأة أخرى (أنغيلا ميركل) قائدة العالم الحر. لقد تخلى عن مسؤولياته".

انتقادات وتصرفات ترامب في أوروبا ساعدت ميركل ربما على حسم الانتخابات لمصلحتها قبل أشهر من إجرائها، لأن خصومها سارعوا إلى الدفاع عنها بعد انتقادات وتصرفات ترامب. الألمان الذين يعرفون ميركل وقدراتها قد لا يجازفون بانتخاب بديل لها في هذه المرحلة الحساسة التي تمر بها البلاد .

وإذا سحب ترامب الولايات المتحدة من اتفاقية البيئة المعروفة باتفاقية باريس، (الموقعة من جميع دول العالم باستثناء ثلاثة) كما تعهد مراراً خلال الحملة الانتخابية، حين وصف التغيير البيئي بأنه "خدعة"، وكما يتخوف البعض على الشاطئين المتقابلين للمحيط الأطلسي، فإن ذلك سيعدّ بمثابة نكسة كبيرة ستعمّق الخلافات بين الدول الأوروبية والولايات المتحدة فيما تتعرض بعض دول حلف الناتو، ومن بينها ألمانيا، لتدخل روسي سافر في شؤونها الداخلية وتحديداً للتأثير على نتائج الانتخابات، كما حاولت موسكو خلال انتخابات الرئاسة الفرنسية حين دعمت مرشحة اليمين مارين لوبان. هذا الشرخ في العلاقات الأطلسية، سوف يرغم ألمانيا وفرنسا على تطوير التعاون بينهما في مختلف الصُعد، وسوف يعرقل أو يؤخر المفاوضات بين بريطانيا ودول الاتحاد الأوروبي الهادفة إلى إنهاء عملية الانسحاب من الاتحاد الأوروبي، لأن ألمانيا وفرنسا قد تصرّان على شروط أصعب.

بعد عودة ترامب إلى واشنطن، استأنف تغريداته الهجومية، بعدما توقف عنها خلال جولته العالمية، ورد على ميركل مغرداً "لدينا عجز تجاري ضخم مع ألمانيا، إضافة إلى أنهم يدفعون أقل بكثير مما يجب للناتو وللعسكر. هذا أمر سيئ للغاية للولايات المتحدة. وهذا الوضع سيتغير". وحاول الناطق باسم البيت الأبيض شون سبايسر تخفيف وطأة التوتر، قائلاً للصحافيين بأن ترامب كان يقول بعض الحقائق الصعبة للحلفاء في أوروبا وأن هذا أمر متوقع بين أصدقاء وحلفاء. وأضاف أن ترامب يعدّ ألمانيا ودول أوروبا كحلفاء لأميركا. ولكن إذا انسحب ترامب من اتفاقية باريس واستخدم التبادل التجاري مع ألمانيا كحجّة لزيادة التوتر بين البلدين، عندها سينعكس الخلاف على مسائل دولية عديدة، مثل مستقبل التعاون بين واشنطن وألمانيا في حرب أفغانستان، وتغيير موازين القوى في أوروبا، وربما اقتراب ألمانيا ودول أوروبية أخرى من الصين لموازنة روسيا.

ويقول دافيد شانكر المسؤول السابق في وزارة الدفاع "للنهار"، إن الشراكة الأطلسية التي بدأت بعد الحرب العالمية الثانية كانت مسؤولة عن حماية أوروبا من طموحات وأطماع الاتحاد السوفياتي أولاً، ولاحقاً روسيا الاتحادية. ومع أن شانكر، الذي يعمل حالياً باحثاً في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، يوافق على أن بعض أعضاء حلف الناتو لا ينفقون ما فيه الكفاية على ميزانياتهم العسكرية، "إلا أن حلف الناتو خدم مصالح الولايات المتحدة كما خدم مصالح الشركاء الأوروبيين". وعكس شانكر تفكير العديد من المحللين الاستراتيجيين الأميركيين حين أضاف "من الصعب أن نتخيل كيف يمكن لإضعاف حلف الناتو أن يؤدي إلى خدمة مصالح الولايات المتحدة. في الواقع إضعاف الناتو يخدم بالدرجة الأولى مصالح الرئيس بوتين وروسيا". ويرى شانكر أنه على الرغم من أن التركيز العسكري التكتيكي الراهن هو على محاربة تنظيم الدولة الإسلامية داعش، "حلف شمال الأطلسي هو ضرورة استراتيجية لواشنطن، ولصيانة استقرار القارّة الأوروبية".










حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم