السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

الغرام المستحيل وطبخة البحص الانتخابية

المصدر: "النهار"
سناء الجاك- كاتبة صحافية
الغرام المستحيل وطبخة البحص الانتخابية
الغرام المستحيل وطبخة البحص الانتخابية
A+ A-

يريد وزير الخارجية جبران باسيل ان يحول ما ورثه الى تيار شيعي ثالث استرضاء لـ"حزب الله". الامر مفهوم اذا سلّمنا جدلاً ان الحزب هو الشركة الوحيدة القابضة على القرار في لبنان، في حين تدور كل القوى السياسية الأخرى في فلك الانصياع لها، سواء أكانت هذه القوى في "الخط الممانع" أم عكس ذلك. 

الامر مفهوم بقياس الطموح والأمر الواقع. فمن لا يسلّم جدلاً بذلك، عليه ان يستغني عن طموحه، لأن لا خيار له الا ان يخرج من مدار السلطة طائعاً او مرغماً، إن بفعل وزير ملك او بفعل قمصان سود.

المهم ان من يرتضي بما قسم له يدخل ومن يتمرد يخرج. التبرير الوحيد الشائع هو اننا في لبنان محكومون بـ"التوافق" الذي شكّل شعار انقلاب كل قادة القوى السياسية على ذواتهم. كما ان لا احد يمكنه إلغاء الاخر لكن يمكنه شلّه ونفيه وعزله و... اذا دعت الحاجة تصفيته، ومن ثم الاستمتاع بعد الايعاز بتوزيع البقلاوة على المفارق.

لعل طبخة قانون للانتخابات النيابية وما يرافقها من تصريحات تدل على المقامات. ففي حين يحاول كل فريق سياسي إبعاد تهمة التعطيل عنه بالكثير من المرونة واللياقات اللفظية والفذلكة الاستنسابية لمواد الدستور وشد حبال الصلاحيات في المؤسسات التي صادروها، لا يزال الناطقون باسم الحزب الحاكم بأمره مصرين على تذكيرنا بأنهم يتنازلون كرمى لتسهيل الأمور، اي انهم قادرون على فرض ما يريدون، ومن يستوعب كنه التنازل لدى القدير يسارع الى تبرير انه كان ذات مؤتمر "شاهداً ما شفش حاجة" وان مرتجاه ان يصير تيار شيعياً ثالثاً.

وبقدر موالاة "محور الممانعة" ترزقون. ليبقى اللعب بين القوى السياسية محكوماً بهذه المعادلة، وخارجها تتراوح المماحكات بين مرسوم على الطريق او على الرف. كما يتراوح إقرار قانون للانتخابات النيابية بين الغرام المستحيل المحكوم بـ"التوافق" و"طبخة بحص" القانون العتيد للانتخابات البرلمانية ليعود أهل الغرام الى كراسيهم بحصص تصغر او تكبر بمقادير لا تغيّر سمن قدرتهم على الامساك برقابنا واطعامنا بحصهم.

الحرص على قدر الرزق، تظهره متابعة البرامج الحوارية السياسية حيث تبيّن هذه المتابعة ان انقساماً عمودياً حاداً يضرب شخصيات المشاركين فيها من المنتسبين الى القوى الرئيسية على المساحة السياسية، اياً كان موقعهم.

يخيّل لمن يتابع هذه البرامج ان المتحدث في غالب الاحيان مرتبك متلعثم يزن كلماته حتى لا يتعثر بموقف متشدد او اقتناع وسم في الغالب طريقة تعبيره، فيعطي انطباعاً بأنه يخون نفسه انقلاباً حاداً بطرحه كل ما يناقض مواقفه السابقة، ليستعيض عنها بما يناسب الصفقات الدائرة في أروقة القابضين على مفاصل القانون والتشريع بوكالة يريدون لها ان تبقى أبدية وقابلة للتوريث، ولا سبيل الى تحقيق هذا الهدف الا عبر شعار "التوافق" المترافق مع الخضوع لفوقية ملحوظة يحرص عليها الفريق السياسي المتنازل والراضي على مضض بهؤلاء الشركاء، مع تذكيرهم الدائم بمقام ولي أمرهم الذي يتنازل متى شاء ويُنزل القصاص متى شاء.

في المقابل، اذا سلّمنا جدلاً ان الشعب مصدر السلطات، نكون فعلاً في اسفل قائمة الشعوب السيئة، اذا عدنا وافرزنا هذه السلطات التي تتحكم بنا وتحوّل لبنان الى جمهورية فاشلة تتخبط باستيلاد قانون انتخاب على قياسها، وحاضرة لتشل مفارق الحياة العامة قدر ما تستطيع، وتلعب بالدستور والقانون والتشريع كل هذا اللعب الوسخ، فقط بغية إطالة عمرها ما دام القيّمون علينا على قيد الحياة والقدرة على تقاسم مغانم السلطة في صفقات فساد وقحة.

هذا الشعب المفترض انه مصدر السلطات، وبمعزل عن تفصيل قانون "طبخة البحص"، لا يزال الرهان الوحيد، ليصوّب البوصلة في صناديق الاقتراع، عوض انتظار المعجزات التي تحل عليه في ليلة قدر وتلهمه القدرة والبصيرة. لذا لا يملك الا ان يتحرك موحداً ليتخلص من هؤلاء العاجزين عن حل مسألة النفايات او بعث الحياة في تيار كهربائي او الحصول على تقنية اتصالات لا تتأرجح بين الغيبوبة والموت السريري، مهما كان قانون الانتخاب الذي يجتهدون ليبقى "طبخة بحص" يرغموننا على التهامها اذا ما فعلت فعلها التعاويذ التي تحوّل الغرام المستحيل بين أهل السلطة الى مرسوم لدورة استثنائية حُكي انه "صار على الطريق"... والحكي، كما نعرف، لا جمرك عليه. المهم "التوافق" برضى الحزب الذي تواضع فتنازل، حتى لا يخسر، هو وبقية من انعم عليهم وسمح لهم بتولي السلطة، مكتسباتهم كلما شبِّه لهم ان الشعب قرر ان يصبح مصدر السلطات وقرر إطاحتهم.



حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم