الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

كانّ ٧٠ - "الميدان" لروبن أوستلوند: وقح، لاذع، لئيم!

كانّ ٧٠ - "الميدان" لروبن أوستلوند: وقح، لاذع، لئيم!
كانّ ٧٠ - "الميدان" لروبن أوستلوند: وقح، لاذع، لئيم!
A+ A-

فيلم جميل يتّسم بالجرأة والسخرية، أطلّ علينا في اليوم الثالث للمهرجان: “الميدان” للأسوجي روبن أوستلوند المتسابق على “سعفة” كانّ هذه السنة (١٧-٢٨ الجاري). عمل يصحّ القول فيه أنه لا يخيّب الآمال التي عُقدت على هذا المخرج الذي اكتشفناه هنا قبل ثلاثة أعوام مع “ظروف قاهرة”. فـ”الميدان” نصّ ساخر، لاذع، لئيم، يعتمد على كمّ هائل من الهفوات لإغواء المُشاهد وإقناعه في آنٍ معاً. أوستلوند، الابن الشرعي للسينما الاسكاندينافية، تلك التي تلسع ولا ترحم، تداعبكَ في الاتجاه المعاكس للوبر على جسدك. أمس، أمام صالة “دوبوسي”، شهد العرض الصحافي ازدحاماً شديداً، فاختلط أصحاب البطاقات الزهر بأولئلك الذين يحملون بطاقات الزهر المنقّط على صدورهم. تساءل بعضنا كيف ستكون الحال عند عرض “نهاية سعيدة” للنمسوي ميشائيل هانيكه غداً، كونه أحد أكثر الافلام المُنتظرة في كانّ هذه السنة. لافت أنّ التفتيش على أبواب الصالات لدواعٍ أمنية، أصبح الآن مشابهاً للتفتيش عند ركوب الطائرة، وكل محيط القصر مراقب بأحدث وسائل الوقاية والرصد.  


بحسٍّ سوريالي لما نكره لويس بونويل، يوزّع الفيلم اهتمامه على محاور عدة، منها ما هو سياسي واجتماعي وثقافي. لا يترك شيئاً أو أحداً من شرّه. الحوادث في الأصل تدور حول متحف ومديره الكاريزماتي كريستيان (كلايس بانغ)، رجل أربعيني يفتتح الفيلم بحديث معه تجريه صحافية أميركية تطلب منه شرحاً عن بعض العبارات المحشوّة بالادّعاء والتكلّف في كلامه عن الفنّ. منذ اللقطة الأولى، يؤسّس الفيلم لخطابه. سنمضي برفقة كريستيان ساعتين و٢٠ دقيقة في رحلة جنونية عبر عالم الفنّ المعاصر وكواليسه وكلّ هذه الأشياء التي تُعتبر الواجهة الثقافية لدول الرفاهية وراحة البال اليوم. يدير كريستيان أيضاً فريقاً من المتخصّصين في العلاقات العامة الذين يستعدّون لإطلاق حملة استفزازية بغية لفت الأنظار نحو المتحف. فتُطلق حملةٌ اسمها "الميدان". بسخرية هدّامة، تصل إلى ذروتها الدرامية في مشهد استعراض فنان معاصر يدّعي أنه غوريللا، فيهاجم الحضور في سهرة يجتمع فيها كبار القوم، نقتفي أثر المدير الذي تنقلب حياته رأساً على عقب عندما يُسرق منه هاتفه المحمول إثر قيامه بعمل بطولي، أو ما يعتقد أنه كذلك. اللافت في مشهد البطولة أنّ رجلنا سيشعر ربما للمرة الأولى منذ زمن بعيد بالخوف، الأمر الذي يجعله يشعر بأنه ليس ميتاً كباقي الأشباح التي تتحلّق حوله في الشارع والعمل. هذه الفكرة ستتعزّز مع السرقة التي يتعرّض لها، فيجد نفسه وقد تم اقحامه في "أكشن" البحث عن السارق، هي الأخرى ستمنح حياته طعماً كان مفقوداً حتى الآن.


على غرار المتحف الذي نتحدّث عنه هنا، يؤمن أوستلوند بالفنّ المغاير، إلا أنّ هذا لا يمنعه من فتح النار على الثقافوية واستعراض المعرفة والحطّ من شأن المجتمع المخملي الاسكندينافي الغارق في أناه. فيلمه حدث هذا المهرجان وسيكون محطّ أنظار في الأشهر المقبلة، لأنه أيضاً يأتي على ذكر موضوعات معاصرة، ولا يتوانى عن طرح موضوعات آنية مثل المهاجرين الذين يملأون الشوارع، وهمومهم تختلف كلياً عن هموم الطبقة التي تتولى صوغ ملامح الثقافة في البلاد. الشرخ واضح بين الطبقات وأيضاً بين ما يؤمن به مدير المتحف وما يضطر إلى إعلانه كمبادئ في مشهد المؤتمر الصحافي البديع، حيث يتبين أنّ الصحافة مؤتمنة على حرية التعبير أكثر من كريستيان. كلّ الأشياء تتداخل في الفيلم بعضها بالبعض الآخر، من الغمز في قناة المجتمع الاستهلاكي (مشهد المول حيث يحمل كريستيان أكياس المشتريات)، إلى تعريف الفنّ الحديث من منظور طبقة من الناس غير متّصلين بالواقع. بعد فيلمه "ظروف قسرية"، ينزلق أوستلوند في المزيد من التسفيه والتتفيه والتعليق على المجتمع الذي خرج منه، ودائماً بأفكار مدفوعة إلى أقصى قدرة لها على المُساءلة. أعماله تتأرجح ما بين الفكاهة والأسى. أسى لا يحتاج سوى نقرة صغيرة ليطفو على السطح.



حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم