الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

قمم الرياض وتغيير وجه الشرق الاوسط

سليمان العقيلي- كاتب سعودي
قمم الرياض وتغيير وجه الشرق الاوسط
قمم الرياض وتغيير وجه الشرق الاوسط
A+ A-

اختيار الرئيس الاميركي دونالد ترامب السعودية كأول محطة في جولته الخارجية يعني ان الرياض ركيزة اساسية للسياسة الشرق اوسطية، وان واشنطن تنظر اليها باعتبارها مرجعا رئيسيا للحلول السياسية والاقتصادية والثقافية للازمات الاقليمية والدولية، وباعتبارها قائدة للعالم الاسلامي ورائدة العمل العربي واصبحت تمثل خط المواجهة الاول ضد المخاطر الايرانية على الامن الاقليمي وتحديات الارهاب مع السلام الاقليمي والعالم. وبالنظر الى امكانات السعودية ذات الطبيعة الاستراتيجية وقدرتها على الاسهام في صيانة الاستقرار وصناعة السلام من الوجهات الثلاث السياسية والاقتصاد والثقافة؛ خاصة ان العالم الغربي جرب خلال عقد ونصف مرارة التعاون مع ايران لمواجهة تحديات الامن (الارهاب مثلا) ولم يجد مقابل ذلك الا تفاقما متصاعدا افقيا ورأسيا للارهاب ( القاعدة اصبحت ثلاث باستيلاد النصرة وداعش) والازمات اصبحت اربع حيث تفجرت في سوريا واليمن حربان اقليميتان بعد ان كانت ثورتان، بعد ان كنا نأمل في تطوق الازمتين اللبنانية والعراقية. 

الحقيقة ان ايران هي التي تصنع الارهاب لتستثمر فيه وتقايض عليه وتغطي فيه اهدافها ومخططاتها السياسية والعقائدية. ولا يمكن ان يكون مثيرو المشاكل هم رواد الحلول، خاصة اذا تعلق الامر بالسلام العالمي ولنا في هتلر وموسوليني والدكتاتوريات المعاصرة التي فجرت الحروب والازمات ابلغ دليل.

ثلاث قمم في واحدة، فلسفة سعودية للفاعلية السياسية، فالسعودية في حد ذاتها قيمة روحية عالمية ملهمة، ومصدر رئيسي مهم من مصادر الطاقة العالمية؛ فكيف بها وهي قائدة لاقليم يحتوي نصف حاجات العالم من النفط وثلث حاجاته من الغاز، مع مكانة جيوسياسية فريدة مكنتها من ان تكون فاعلا مؤثرا في جل المنعطفات التاريخية التي شهدتها المنطقة على مدى نصف قرن على الاقل. فعدا القمة السعودية الاميركية وهي مهمة وتاريخية و تأسيسية، تريد الرياض تريد تؤسس على التفاهم الاستراتيجي الثنائي رؤية تحالفية اوسع، خاصة ان قضايا الامن و السلام تبنى على التحالفات التي يمكنها مواجهة قضايا عابرة للحدود و البحار مثل الارهاب والتطرف والعنصرية والطائفية تحتاج الى رؤى عالمية وتحالفات حضارية وشراكات اقتصادية تربط الدول والامم بمنظومة مصالح ومنافع، قبل تجمعها المخاوف والهواجس.

تستطيع الرياض ان تتحدث باسم العالم الاسلامي ولديها المؤهلات لذلك. لكنها تريد تحالفاً يحقق المنافع لأمتها و يربط ابناء الامة بمصيرهم وبمصالحهم المشتركة. واذا كانت ايران تستطيع بناء تحالفات المليشيات والمنظمات السرية حتى وان تضاربت الوانها واختلفت عقائدها، فان السعودية بالامس واليوم وغداً، قادرة على بناء تحالفات الدول والامم والحضارات، وهي تسخّر مكانتها ومواردها ورصيدها السياسي لخدمة هذه الاهداف ذات السمة العالمية والحضارية.

القمم الثلاث ليست سواء؛ فالقمة السعودية-الاميركية يمكنها ان تصدر قرارات وتبلور استراتيجيات وتبرم اتفاقات. اما القمة الخليجية-الاميركية فمهمتها بلورة توجهات واولويات وتحديد معالم الادوات والوسائل مثل مبادرة للامن الدفاعي الخليجي - الاميركي المشترك او تعزيز فكرة الجيش الخليجي الموحد بدعم اميركي. اما القمة العربية -الاسلامية -الاميركية فتتولى ميثاقا سياسيا اخلاقيا ثقافيا يشجع على التسامح والانفتاح وتبادل المصالح، وربما حشد الطاقات في تحالف غربي اسلامي ضد مصادر تهديد السلم والاستقرار وصولا الى رؤية مشتركة للسلام العالمي.

الخريطة السياسية للمنطقة تتجه للتتغير بعد قمم الرياض. فموازين القوى التي جرى التلاعب بها عن قصد لاضعاف العرب والمسلمين سيجري تصحيحها. واسلوب مسايرة داعمي الارهاب ومقايضة الراديكاليين الذين يهددون العالم بالاسلحة النووية والاسلحة الكيمائية ستتوقف و ستتجه الامور نحو مقايضة الراديكاليين على امنهم وسلامتهم خاصة ان مجتمعاتهم هشة وفقيرة و طاقاتهم مستنزفة وستستمر في النزف اذا لم يعترفوا بحقائق موازين القوى.

بعد قمم الرياض، السعودية ستدخل عصر التصنيع العسكري بدعم اسلامي وغربي. وستؤسس لمنطقة تجارة حرة تغري دول الاقليم للانخراط في منظومة الاستقرار الجديدة القائمة ليس على المال وحده وانما على القوة ايضا التي يمكنها ان تصون المكاسب الاقتصادية والسياسية، وستعود العلاقات السعودية - الاميركية اقوى من ذي قبل، لانها ستؤسس على التشاركية وتقاسم الاعباء مما يمكن الرياض ان يكون لها حصة اكبر في رسم السياسات المستقبلية وفي النفوذ الاقليمي والمكانة الدولية. ويبقى على السعودية ان تستكمل مسيرة الاصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي ، لتعزيز تحالفاتها الدولية على المعايير الأممية مثلما هي على المصالح المشتركة والادوار البناءة في ترسيخ دعائم السلم والاستقرار.

كما سيتعاظم الدور السعودي ويخفت الدور الايراني التآمري على الامة العربية وستتجاوز المنطقة باذن الله مخططات التقسيم والتجزئة، لكنها ربما لن تسلم من التفتيت الاجتماعي والطائفي، الذي قد ينقلنا الى نماذج لبننة الانظمة السياسية العربية بعدما نتجاوز البلقنة، وهي مرحلة نأمل ان لا تطول وان تنقلنا الى النماذج النهائية في التعددية السياسية والثقافية والاجتماعية.



حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم