الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

"جعلت حياتي جحيماً"... أي فرق بين ألعاب التسلية والقمار؟

المصدر: "النهار"
اسكندر خشاشو
اسكندر خشاشو AlexKhachachou
"جعلت حياتي جحيماً"... أي فرق بين ألعاب التسلية والقمار؟
"جعلت حياتي جحيماً"... أي فرق بين ألعاب التسلية والقمار؟
A+ A-

في بلد بدأ العديد من مؤسساته بالاقفال بسبب التراجع الاقتصادي وضعف القدرة الشرائية عند الناس، تزدهر في المقابل مؤسسات تفتك بالمجتمع وخصوصاً فئاته الشبابية واصحاب الدخل المحدود، وهي محال "التسلية" بحسب التسمية الرسمية، وهي بالفعل محال للقمار والسكر والدعارة، والمؤسف أنها تنمو بين الاحياء والمنازل السكنية. 

الحكاية مع محال القمار او "المواخير" طويلة، وهي منتشرة في الاراضي اللبنانية كافة على شاكلة مقاه، الا ان الدولة قررت تنظيمها وتشريعها بعد انتهاء الحرب الاهلية سنة 1991، وطلبت من اصحابها بعض المستندات (الشكلية) واصدرت على اساسها تراخيص باعتبارها اماكن تسلية، ولكن بعد مدة قليلة، وبعد تكاثر الاعتراضات، أصدر مجلس النواب قانوناً يحمل الرقم 417 سنة 1995 يمنح بموجبه مؤسسة كازينو لبنان حصراً حق استثمار العاب القمار في النادي الوحيد الموجود في لبنان، اي في مقر الكازينو في المعاملتين، والغى جميع القوانين التي تتعارض مع هذا القانون.



اللبناني يجد دائما ثغرات معينة يمكنه ان ينفذ منها ويتحايل على القوانين بطريقة شرعية. وفي هذه الحالة أوجد فرقاً بين اماكن التسلية واماكن لعب القمار التي حصرها القانون في كازينو لبنان، اما الالعاب التي سمح بها القرار 142 فهي التي يتوخى منها التسلية الصرفة كألعاب الفيديو، الفليبرز والبوكر فيديو، وقد بقيت خارج اطار القانون المذكور، وبالتالي استمرت هذه المحال كما هي.

ورغم انها منتشرة في مناطق عدة، يلاحظ وجود كثيف لها في منطقة الدكوانة، حيث يمكن الزائر ان يلحظ وجودها  في هذه المنطقة الحيوية التي تضم عدداً كبيراً من المعاهد والمدارس والجامعات، والاشكالية تكمن في وجود هذه المحال على مقربة من المؤسسات، لا بل لصيقة بها. فهناك مثلاً 6 محال لصيقة بالمعهد التقني والمدرسة الفندقية التي تحوي الاف الطلاب، وأخرى تكاد تكون على مدخل كنيسة بالقرب من مستديرة الحايك.

مخالفات بالجملة

يمكن من يقف على جانب الطريق بالقرب من هذه الأماكن، ملاحظة عدد من الطلاب دون السن القانونية يدخلونها من ساعات الصباح الاولى من دون حسيب ولا رقيب، علماً ان القوانين تحرم من لم يتم الحادية والعشرين من الدخول، عدا عن الاشكالات وإطلاق النار بين الفينة والاخرى.

يخبر احد الاشخاص وهو موظف في الدولة  "النهار"، وهو من رواد هذه المحال، مع العلم ان القانون "يحظر دخول الأندية على غير الراشدين وموظفي الدولة والبلديات والجيش"، عن دخوله للمرة الاولى الى احدها في الدكوانة، وكيف لم يسأله احد، لا عن سنه ولا عن عمله، وعن المحفزات التي قدموها له، بحيث يُعطى اللاعب عشرة آلاف ليرة تضاف إلى المبلغ الذي يريد أن يلعب به لمرة في اليوم، اضافة الى "بون الخسارة"، بقيمة 5000 ليرة لمحاولة التعويض اذا كان لعب بمبلغ يتجاوز الخمسين الف ليرة، كما ان بعض المحال يمكن ان يعطيك 10 الاف ليرة للعودة الى منزلك اذا خسرت كل اموالك ولعبت بقيمة مئة الف ليرة او اكثر".

ويضيف: "هذه المحفزات جعلت حياتي جحيماً، هذه الاماكن تجعلك مدمناً، توجه حياتك في اتجاهها، وقد أصبح الهدف الاول عند تركي الثكنة التوجه الى ماكينة "البوكر" والخضوع لها، وقلّما كانت تنصفني. استهلكت جميع قروضي من الجيش وصرفتها هناك، ولم اترك احدا لم استدن منه، وانا اليوم في حقي دعاوى قانونية من الدائنين أدت الى طردي من الجيش وضياعي".

ويكشف ان هذه المحال هي الاماكن لمروجي المخدرات، فهم ينشطون في أغلبها، مستفدين من الحالات النفسية للزبائن بعد الخسارة، اضافة الى تحول بعضها الى اماكن تروج للدعارة عبر العاملات (لبنانيات واجنبيات)، ليس بالضرورة في داخلها انما عبر تأمين زبائن، عدا عن الكحول الممنوعة-المسموحة، مما يجعلها ماخورا فعلياً".

شختورة: سأقفلها

في هذا السياق، يؤكد رئيس بلدية الدكوانة انطوان شختورة وجود تجاوزات في هذه المحال، بل يضيف اليها تجاوزات أخرى كتوظيف عمال من دون رخصة عمل، واستعانة بعاملات أجنبيات هاربات من منازل مشغليهن لتشغيلهن بالدعارة، بالاضافة الى "خراب البيوت" التي يرتكبها اصحاب هذه المحال. وتتلقى البلدية عشرات الشكاوى من اهل يرتاد اولادهم هذه الاماكن، عدا عن الاشكالات الامنية التي تتحول الى ترويع للسكان، إذ إن أغلبية هذه المحال في الاحياء السكنية".

ويقول لـ"النهار": عام 2013 اقفلت 5 مقاه كان اصحابها يحولونها ليلا للعب الميسر، لكن حتى الساعة لم استطع اقفال محال "العاب التسلية"، سائلاً عما اذا كانت المادة 632 من قانون العقوبات، والتي تنص على تحديد العاب القمار بعبارة واحدة، هي تلك التي يتسلط فيها الحظ على المهارة او الفطنة، "فأي مهارة تكون باللعب مع آلة مثل فيديو بوكر؟ واي مهارة يمكنها التغلب على الكومبيوتر؟ وهل يمكن أحدا ان يقنتع بأن هذه لعبة مهارة؟ طبعاً انها لعبة حظ وبالتالي قمار".

ويؤكد شختورة ان لديه براهين عن عدم شرعية هذه المحال، منها قربها من دور العبادة، فأحدها على باب كنيسة، وقربها من المدارس والجامعات، واعتماد الدوبليه، وادخال من هم دون 18 سنه، اضافة الى الهدر بالنسبة الى الضرائب".

نائب يتدخل

وعن اسباب بقائها حتى الساعة رغم التجاوزات يغمز شختورة من قناة المحسوبيات والحمايات السياسية، لافتاً الى انه متفائل بتعيين محافظ جديد لمنطقة جبل لبنان، "فمنذ فترة طويلة كان محافظ جبل لبنان بالوكالة، ولم تطل ولاية المحافظ فليفل حتى تم تعيينه اميناً عاماً لمجلس الوزراء، وبقي بالوكالة، والملفات لديه كثيرة. اما اليوم فبتعيين المحافظ منصور ستكون الامور أسرع، وقد تواصلت معه ووعدني بدرس الملف".

ويشدد على انه لن يترك سبيلاً قانونياً الا سيلجأ اليه، من الطعن في الرخص لدى مجلس شورى الدولة الى تقديم دراسة قانونية لكسر قرار المحافظ بالنسبة الى الرخص، "وحتى اذا اضطر الامر الى دهمها بقرار ذاتي من البلدية واقفالها، فسنفعل، وإذا كسر المحافظ الجديد قرار سلفه فهذه التجربة يمكن ان تعمم على جميع الاراضي اللبنانية، وبالتالي يجب الخلاص من هذه المواخير التي تسهدف الطبقة الفقيرة وتفسد المجتمع".

ويكشف شختورة ان احد النواب يحاول الضغط لتسوية اوضاع اصحاب هذه المحال وعدم اقفالها، "واذا استمر فسأكشف اسمه عبر وسائل الاعلام".

ويختم حديثة بالتأكيد انه لم يتخل عن هذه القضية ولن يتراجع عنها مهما كلف الامر، وسيزور رئيس الجمهورية قريبا "لطلب دعمه للتخلص من هذا المرض في الدكوانة".


الكازينو: تعد على الامتياز

الى ذلك يؤكد رئيس مجلس ادارة كازينو لبنان رولان خوري  ان وجود هذه المحال غير قانوني وغير شرعي، وهو تعد على الامتياز والحصرية الحاصل عليهما الكازينو من الدولة، لافتا الى دعوى مقامة سابقاً من الكازينو لتعويض الخسائر التي لحق من بقاء هذه المحال والتي تؤثر على الحصرية التي يتمتع بها".

ويعتبر في اتصال مع "النهار" ان بقاء هذه المحال ايضا يضر بخزينة الدولة التي تأخذ خمسين بالمئة من انتاج الكازينو فيما تأخذ ضريبة بقيمة زهيدة اي مليون ليرة على الالة الواحدة من هذه المحال، مشيراً الى انه عدا الخسائر المالية التي تكبدها للدولة فهي تخلق مشكلة اجتماعية، فالكازينو صارم بتنفيذ القوانين من حيث منع دخول القصار، ومن ليس لديهم قدرة معينة، هذا بالاضافة الى الحماية الامنية للمرفق التي تمنع الاشكالات".

ويسخر خوري من تسميتها انها "العاب تسلية"، سائلاً: عن اي تسلية تستهلك الملايين في وقت قصير جداً".

وعن الخطوات المنوي اتخاذها، يشدد خوري ان مجلس الادارة الجديد سيطالب بتطبيق القانون قبل اي شيء الذي يمنع وجود هذه المحال واعداً بدراسة جميع الخطوات المتاحة للوصول الى هذا الهدف.

ويطالب خوري الدولة اللبنانية بحماية المرفق العام وتأمين الدعم الكامل لاستمراريته وازالة جميع العراقيل امامه ومنها هذه المحال لما يوفره من مردود مالي مهم للخزينة.

كسر قرار الوزير شربل

ولا بد من الاشارة الى الوزير مروان شربل حاول تنظيم هذه الالعاب بقرار حمل الرقم ٦٩٧ صدر في الجريدة الرسمية في أيار عام ٢٠١٢. ويتشدد القرار في تحديد ساعات الإقفال عند ١٢ فجراً، ومنع دخول الأشخاص دون الخامسة والعشرين، ومنع الدعايات والمنشورات، وتحديد اللعب على الالة الواحدة بين ٢٥٠ ليرة الى ٤٠ الف ليرة، على ان يحدد السقف الاعلى لعدد الفيش بـ ٤٠ الف ليرة، ومنع مضاعفة الرهان (الدوبلة) على الالة. الا ان اصحاب هذه المحال طعنوا به امام مجلس شورى الدولة، الذي ابطل القرار، كما ان شركة كازينو تقدمت بدعوى على الحكومة اللبنانية وتطالبها بمبلغ مئة مليون دولار تعويضاً للخسائر التي تكبدتها بسبب هذه المحال والاستمرار في إعطائها الرخص.


حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم