الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

في ذكرى المجزرة الارمنية إنبعاث أمّة

المصدر: "النهار"
Bookmark
في ذكرى المجزرة الارمنية إنبعاث أمّة
في ذكرى المجزرة الارمنية إنبعاث أمّة
A+ A-
"لا تخف يا ولدي يعقوب ان تأخذ بيد اخيك جورج وتخرجا لتلعبا مع اولاد الحارة، فأنتما في دير الزور، والناس هنا سوريون، عرب اصيلون وليسوا اتراكاً. كنت وجدتكما في ماردين ولمدة ست سنوات نحذركما من الخروج من باب الدار ونتظاهر اننا سريان نسبة لجدتكما. اما هنا فالوضع مختلف ولا نخشى من القول اننا ارمن". وفي اليوم التالي قال الاب اندراوس احمراني الارمني لابنيّ الاحد عشر سنة والتسع سنوات امام الام المنهمكة في نقش الخواتم الذهبية والى جانبها امها، "غداً تكبران، وحدسي يقول ان كلاً منكما سيكون له عائلة كبيرة تعوض عن والدكما واعمامكما الستة الذين ذبحوا. ان الامة الارمنية لا تموت"(1). ارمينيا المتجذرة في الارض والنفوس ان المعاناة المتكررة التي واجهها الشعب الارمني منذ اقدم العصور، لم تؤد الا الى انبعاثات جديدة لهذا الشعب. قال ارنولد توينبي "الحضارة تنشأ عندما تواجه امة تحدياً. فتستجيب لهذا التحدي بقوة اكبر منه" (2). نعم ان هذا التحدي كان منذ البداية. فقد شاءت الظروف ان تكون ارمينيا ارض حروب بين الفرس والروم، وهذه الحروب برغم ما جرت من قتل وفقر وتشريد للشعب الارمني، اغنته برهافة الحس ونضوج الفكر. وجاءت الولادة العظمى بعدها باعتناق هذا الشعب للمسيحية التي كانت متطابقة مع سموّ تفكيره، وصفاء روحانيته ونظرته الى الانسان. فاعتنقها بلا تردد ملكاً وشعباً على يد القديس غريغوريوس المنوّر عام 301، وغدت المسيحية الديانة الرسمية لارمينيا، وهكذا سبقت في الزمان كل دول الارض بما فيها روما، حيث اصبحت اول دولة مسيحية في التاريخ. حدث آخر اجترحه الفكر الارمني هو ابتكار الابجدية الارمنية عام 406 على يد القديس مسروب ماشدوتس، كي يكون للارمنية رونقها وخصوصيتها يتجليان لغة مكتوبة في طقوسها الدينية بالدرجة الاولى. هذا الحدث الجلل، سوف يجعل الذوبان في احدى الامبراطوريتين الفارسية والرومانية مستحيلاً، رافضاً التقوقع وداعياً الى النهل من ثقافات ذلك العصر عبر الترجمات الى اللغة الارمنية في رونقها الجديد، بحيث جاء التفاعل الحضاري والثقافي والانساني مع شعوب المنطقة من فرس وروم وسريان ليجعل من الارمنية لغة انفتاح ومن ابجديتها حصناً حامياً للكيان الارمني اذ زادت من تماسك اللغة التي بفضل فرادتها الجديدة حفظت كتباً ومؤلفات عديدة ارمنية وغير ارمنية كان سيُحكم عليها بالاندثار لو لم تترجم الى الارمنية بأبجديتها الجديدة. ولا ننسى استشهاد القديس البطل وارطان ماميكونيان عام 451، حين تصدى على رأس جيشه للزحف الفارسي الذي كان يهدف الى اعادة فرض دين الوثنية على الشعب الارمني المسيحي، فأصبح قدوة للعالم في الدفاع عن وطنه وعن مسيحيته ومسيحية من وراءه من شعوب. لقد كان استشهاده انبعاثاً من نوع آخر. هذه المحطات الثلاث اعطت الارمني شخصية مميزة وطبعت على قلبه صورة لارمينيا المؤمنة يحميها شعبها بالشهادة والاستشهاد. ارمينيا والفتح العربي ثم جاء الفتح العربي في اواسط القرن السابع لينازع الروم على استمالة الارمن حرباً او سلماً. وهؤلاء توزعوا بين هذا الفريق او ذاك في حروب لم تخلُ من القساوة احياناً....
ادعم الصحافة المستقلة
اشترك في خدمة Premium من "النهار"
ب 6$ فقط
(هذا المقال مخصّص لمشتركي خدمة بريميوم)
إشترك الأن
هل أنت مشترك؟ تسجيل الدخول

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم