الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

قنابل وشظايا تتساقط على جمهور "تحت الجلد" في مهرجان bipod! (صور)

المصدر: "النهار"
هنادي الديري
هنادي الديري https://twitter.com/Hanadieldiri
قنابل وشظايا تتساقط على جمهور "تحت الجلد" في مهرجان bipod! (صور)
قنابل وشظايا تتساقط على جمهور "تحت الجلد" في مهرجان bipod! (صور)
A+ A-

ابتسامته هادئة حتى عندما "يُعطيها مداها"، والنَظرة في عينيه خجولة بعض الشيء.  

أجوبته عميقة، ومُتشعّبة، تَشي بالجنون الذي سيولد لاحقاً على خشبة #المسرح الصغيرة والمُلتَصِقة بمقاعد الجمهور.

الألم، بالنسبة إلى هذا الراقص والمُمثّل ومُدير فرقة البيارق الفولكلوريّة، هو العُنصر الأكثر "اشراقاً" الذي يُحفّز الجسد على الترنّح، كأن لا شيء أبعد من هذه اللحظة.

لحظة الاستسلام المطلق للألم والانصهار الكُلّي بهزّات الذكريات الارتداديّة.

"أجسادنا تُشبه إلى حدّ بعيد تعليقة الثياب التي تنساب عليها ذكرياتنا، لا سيما عندما تُصبح شديدة في وطأتها".

الجَسَد إذاً يُترجم الألم والذكريات إلى حركات راقصة. يُعالج انكسارنا وتلك المَشاهد التي ما زالت تسكُننا، ويرميها إلى الخارج، بعد الانتهاء من "بلورتها".

عطلة نهاية الأسبوع.

نحن في Citerne Beirut، الفُسحة الثقافيّة الحديثة والطموحة التي تَستَقبل مهرجان بيروت الدولي للرقص المعاصر bipod في نسخته الـ13.

لم يبدأ عرض "تحت الجلد" بعد، وهي فرصة لندردش قليلاً مع بسام أبو دياب، قبل أن تَسكنه الذكريات وأصوات القنابل، وتلازمه كالوسواس على خشبة المسرح ما يُقارب الـ30 دقيقة.

إبتسامة أبو دياب الهادئة تدفعني إلى التساؤل ما إذا كان الخوف يسيطر عليه قبل تجسيد هواجسه وأحلامه أمام الجمهور؟ "منّو توتّر بحد ذاتو. ينتابني هذا الشعور القويّ بالمسؤوليّة تجاه العمل. في الحياة اليوميّة تميل شخصيّتي إلى البرودة قليلاً. على الخشبة أتحوّل شخصيّة أخرى". في الحياة اليوميّة، بسام أبو دياب ليس كثير الحركة، ولكن حيويّته تقلب 180 درجة عندما يعتلي الخشبة، "شخصيتي على المسرح تحمل في اطلالتها ما يشبه الوقاحة وتهيمن عليها الجرأة. على المسرح ما من خطوط حمر تسيّج أدائي أو تمنعني من القيام بأي شيء خارج عن نطاق التقليد".

أيام المدرسة كان أبو دياب خجولاً إلى أبعد حدود، ولكنه كان يتغيّر كلياً على خشبة المسرح. عشقه للفولكلور وإصراره على دمجه في أعماله، يعودان إلى سنواته الأولى في قرية الجاهلية في #الشوف. "ترعرعت في القرية، والقرى عادة أرض خصبة للفولكلور والتراث. أفراد عائلتي كانوا يعشقون الزجل والتراث والفولكلور والرقص بواسطة السيف والترس". الراقص عصام أو دياب أعطاه ركيزة الفولكلور وعرّفه إلى مختلف التقنيّات. لاحقاً في الجامعة اللبنانيّة حيث تخصص في المسرح، أبدى ارتياحاً واضحاً مع جسده وقدرة على التحكّم به، ما جعل الأساتذه يشجعونه على التكثيف من استعماله للأغراض الفنيّة.

عمر راجح، الراقص ومصمم الرقص والمدير الفني في مهرجان bipod كان أستاذه في الجامعة، واختاره وبعض التلامذة "بعدما لمس فينا النزعة الفنية المحورية لخلق شخصية الراقص".  

فإذا بأبو دياب ينضمّ إلى فرقة مقامات للرقص المعاصر التي أسسها راجح (والتي أطلقت مهرجان bipod)، ومع هذه الفرقة تعزّز عشقه للأسلوب الفنّي الذي ينطلق من الجسد وحركاته ليُحلّق في فضاء مسرحيّ لجهة الإخراج والتقديم النهائي.

تكثّفت التجارب "وتحوّلت إلى ما يشبه الخلطة الفنيّة، ومن خلالها وجدت الأسلوب الفنّي الذي يُشبهني". واكتشف بسام أبو دياب أنّ أسلوبه الشخصيّ لن "يستسلم" مطلقاً للإطار الكلاسيكي المحض.

"تحت الجلد" في صورته النهائيّة، يستريح على فكرة بسيطة، لا "تُظلّلها" التعقيدات غير المبررة في الطرح والمعالجة. بسام أبو دياب لا يقدّم رقصات تقليديّة. خلال 30 دقيقة، هو أشبه بحكواتي يروي بعض النوادر للجمهور ويترجمها من خلال الحركات الراقصة الملتصقة بشخصيّته.


العَرض يُجاور الكوميديا، وإن كان محوره تراجيديّ الطلّة. الجمهور استقبله بإبتسامة وأحياناً ضحكات عالية. وكان عُنصر المفاجأة سيّد الموقف وحديث الساعة بعد نهاية العرض. 

 ما هي ردّات فعل الجسد لدى مواجهته القنابل وخطر الموت الآتي من دون أدنى شكّ، من زاوية أو أخرى؟ كيف نبقى على قيد الحياة عندما تواجهنا القنابل المتنوّعة في خطورتها؟

أنها الحرب المَلعونة تعود مراراً وتكراراً.

الخيال يروي بسرّياليّة كيفيّة التعامل مع القنابل إذا ما استهدفتنا، وذلك من خلال حركات راقصة ذات أبعاد تقنية مُتميّزة بإيقاعها وأسلوب طرحها على المسرح.

رافق أبو دياب على المسرح الموسيقي سماح طربيه، عازفاً على آلتي الطبل والطبلة. الجمهور تفاعل بذعر وخوف لدى تجسيد طربيه أصوات القنابل من خلال الطبل. 

قوّة الصوت "اغتصبت" صرخة تلقائيّة من الحضور.

صرخة جماعيّة.

أحد الحضور هَمس بصوت مسموع: "ما بقى نحمُل".

كما رافقته شابة تُترجم النوادر والحكايات من اللهجة اللبنانيّة المحكيّة إلى الإنكليزية نظراً لزوّار المهرجان الأجانب الكُثر.

"أنا شديد التأثر بالعمل المسرحيّ وبمسرحة #الرقص بطريقة مختلفة تشبه مجتمعنا وبيئتنا. تُشبهنا كأفراد. في لبنان ينقصنا البحث العميق. بتنا نستنسخ. بحثت مطولاً عن موضوع يُشبهني ويهمّني كإنسان في هذه البيئة. وأردتُ طرحه بطريقة معاصرة. وأن أجد له مفردات جسديّة تعكسُ مفردات أي شخص موجود في هذه المنطقة".

الجسد كما يرى أبو دياب، "يَتبع أصوات المدينة وإيقاعها. ثمة لاوعي جماعي حاضر فينا، ويُزوّدنا بلغّة موحّدة، مُختلفة عن الآخرين. ومن هذا المنطلق، فإنّ طرحي الموضوع من المستحيل أن يكون Copy – paste عن الطرح في أوروبا على سبيل المثال. ثمة بحث مستمر عن هويّة هذا الجسد وإيجاد طرح يناسبه".

بسام أبو دياب لا يعرف الخجل على المسرح. يُحدّق "بعنف" في عيون الحضور. يختار بعض الأشخاص في إحدى قاعات Citerne Beirut الداخليّة، ويقتحم روحهم من خلال نظرة عينيه. 

بضع حركات راقصة، وسُرعان ما تتطاير قطرات العرق من جسده الشديد المرونة.

الجسد يحتوي على ذكرياتنا. على تلك المشاهد التي لم تتمكّن الأيام من أن تُلغي تأثيرها الشاهق فينا.

صوت بسام أبو دياب هادئ لدى روايته النوادر.

لكن جسده يحتوي على الكثير من العنف لدى ترجمته للحكايات.

الجسد لا يَعرف الكذب.

                                       [email protected]


الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم