الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

رجال باريس والفتاة الغريبة

المصدر: "النهار"
كاتيا الطويل- باريس
رجال باريس والفتاة الغريبة
رجال باريس والفتاة الغريبة
A+ A-

في شوارع باريس شخصان اثنان فقط يحيّيان الفتاة الشابّة. الشحّاذ وطالب القرب.  

احتمالان لا ثالث لهما.

واحد يريد المال والآخر يريد الوصال.

أنتِ الفتاة المغتربة الهادئة، تبتسمين. هل من طريقة أخرى لمواجهة هذه الطرافة الاجتماعيّة التي تخفّف شيئًا من وطأة غرور باريس وصمت أهلها؟!

تبتسمين وتنسين لدقائق أنّك غريبة. تنسين أنّكِ طفلة باريسيّة لم تقبل بها باريس بعد.

تكونين على عجلة من أمركِ لسبب لا تدركينه. الجميع يركض فتركضين معهم في هذا الدفق المجنون من البشر.


فجأةً يستوقفكِ شابّ متوتّر الوجه مضطرب السمات. تتوقّفين لتفهمي مصاب هذا المسكين فإذ به يعترف لكِ بأنّه واقعٌ في غرامكِ ويشعر بأنّه يجب أن يقضي بقيّة حياته معكِ. تجفلين. ترتعشين. تخافين على هاتفكِ. على حقيبتكِ. تخافين منه ثمّ تضحكين. تضحكين ملء رئتيكِ. إنّه العشق الباريسيّ الثمل. 

رجال باريس ظاهرة عالميّة لا مثيل لها. تعشقين باريس وتعشقين رجالها منذ اليوم الأوّل. منذ وصولكِ إلى هذه العاصمة الرائعة وأنتِ تتلقّين عروض الزواج واعترافاتٍ بالحبّ وتهربين من القُبَل التي يوزّعها الباريسيّون بالكثرة التي يصنعون فيها النبيذ.

تجدين رجلاً يقدّم العناقات مجّانًا. آخر يقدّم القُبل ويركض خلفكِ ليعطيكِ قبلة الخلاص والسعادة. جميعهم يملكون شيئًا ليقولوه. ليقدّموه. لكنّ باريس لا تستمع. أنتِ وحدكِ تتوقّفين من بين الجميع. لقد ربّت باريس نساءها جيّدًا. فهنّ الأخريات حانقات متهافتات على الأماكن. وحدكِ تقفين وتستمعين إلى قصّة الشاب ثمّ تبتسمين وتكملين طريقكِ. تبتسمين وتهربين فأنتِ أقلّ جرأة ممّا كنتِ تتوقّعين.

باريس تفضحكِ. تكشف عريكِ المتطفّل. لا يمكنكِ أن تغشّي باريس. أن تخدعيها. فأنتِ لن تكوني يوماً امرأة باريسيّة. نساء باريس مستعجلات بأناقة، واثقات الخطى بلا مبالاة. لا يتوقّفن. لا يتردّدن. كأنّهنّ الإعصار. كأنّهنّ الشتاء. وحدكِ أنتِ تتوقّفين. تردّين الـ bonjour وتنظرين إلى الوجوه. وحدكِ أنتِ لا تزالين ساذجة.

لا لم تتغيّري. لا تزلين الفتاة نفسها التي كنتِها في بيروت. العيون الفضوليّة نفسها. المشية المهملة نفسها. الجمل الطائشة نفسها. ماذا تغيّر؟ الرجال هم الذين تغيّروا. فرجال باريس وحدهم يمكنهم أن يُشعِروا القتاة بأنّها مميّزة. بأنّها العشيقة المنتظرة منذ عصور. والحبّ في باريس كالأوكسيجين. حيث تسيرين تقعين عليه. عشّاق يتبادلون القبل في المترو. على إشارات المرور. على الأرصفة. قُبَلٌ جميلة أنيقة تسيرين قربها عاجزة عن الإشاحة بنظركِ عنها إنّما تخجلين أيضًا من إطالة التحديق. 

عشّاق تحت المطر يتعانقون. يتهامسون. يذكّرونكِ بأغنية خوسيه فيليسيانو “listen to the pouring rain, listen to it pour, and with every drop of rain I will love you more.”

عشق رجال باريس زهريٌّ وجميل. قد تكون الاعترافات اعتباطيّة وفارغة، فأنتِ أدرى بأنّ الحياة ليست "لا لا لاند" وبأنّ الحبّ أصعب من أن تجديه على الرصيف أو في المترو أو راكضًا خلفكِ في الأزقّة. إنّما باريس وحدها من بين مدن العالم تحوّل هذه الجُمَل البسيطة إلى أحلام تخبّئينها تحت وسادتكِ ليلاً لتخفّفي شيئًا من برودة الوحدة. رجال باريس وحدهم يمكنهم أن يخلقوا شمسًا في سماء غاضبة دومًا لسبب تجهلينه وتخشين فهمه في قرارة نفسكِ.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم