الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

فتوى في لبنان تحرّم "الصلوات المشتركة بين المسلمين وغيرهم"... مطلوب "التعايش المنضبط"

المصدر: "النهار"
هالة حمصي
هالة حمصي
فتوى في لبنان تحرّم "الصلوات المشتركة بين المسلمين وغيرهم"... مطلوب "التعايش المنضبط"
فتوى في لبنان تحرّم "الصلوات المشتركة بين المسلمين وغيرهم"... مطلوب "التعايش المنضبط"
A+ A-

الفتوى اسلامية، لمن يهمه الامر. الموضوع ما تسميه هيئة علماء المسلمين في لبنان "بدعة الصلوات المشتركة بين المسلمين وغيرهم"، لا سيما المسيحيين، بما استجوب التحريم: "تفتي الهيئة بحرمة الصلوات المشتركة بين المسلمين وغيرهم. ويتأكد التحريم عندما تقام في دور مخصصة للعبادة ومناسبات دينية خاصة، وبمشاركة شخصيات ذات صفة".  

177 كلمة، بيان واضح للهيئة تعلن فيه الاسباب الموجبة للفتوى، شرعا ودينا. الامر لم ينته بعد، لما تخلّفه الفتوى من وقع واخذ ورد، وايضا مواقف رافضة تقرأ في البيان "تعصبا دينيا"، و"محاولات غير بريئة لفرض الانغلاق والانعزال والتشدد" الاسلامي في لبنان، في ظل "خشية على العيش المشترك والانفتاح" بين المسلمين ومختلف الديانات والطوائف.

"التعايش المنضبط"

الفتوى أُرِّخت في 13 نيسان 2017. قبل نحو 4 ايام، احتفل المسيحيون بالشعانين. وقبل نحو 20 يوما، احتفل لبنان بعيد وطني جمع مسيحييه ومسلميه حول السيدة مريم العذراء، في عيد بشارتها في 25 آذار. وما شاهده رئيس الهيئة الشيخ رائد حليحل وعلماؤها في المناسبتين كان نافرا في رأيهم. "شيوخ داخل كنيسة يمارسون طقوسا مع المسيحيين، بحجة ان القس يتلو آيات من الانجيل، بينما يتلو شيخ آيات من القرآن او سورة مريم او الفاتحة. هذا الامر لا يجوز"، يقول حليحل لـ"النهار".


تجاه ذلك، كان لا بد من "تبيان الحكم الشرعي في هذه المسألة"، على ما يضيف، واصدار فتوى، من دون ان يكون لتوقيتها "اي علاقة بالاعتداء على الاقباط في مصر او بمشاكل اخرى... انها قضية وقتية آنية"، يؤكد. "لدينا قاعدة شرعية تقول بان تأخير البيان عن وقت الحاجة حرام. هذه العبادة او الطقوس المشتركة حصلت هذه الايام. وليلة حصولها، طبعنا البيان. انه رد فعل، لانه يجب الا يسكت المسلمون، اكنا نحن ام غيرنا، عن الحق. ولما رأينا ان غيرنا لن يتكلم، اصدرنا البيان".

في موجبات الفتوى، ترى الهيئة ان "التعايش المنضبط صمام اﻷمان في وجه الغلو والتفلّت، ويكون بتوظيف المتفق عليه في إدارة المختلف فيه من دنيا الناس، وليس بالعبث بثوابت الدين. كذلك، تعتبر أنه في السياسة قد يكون هناك قانون مختلط. أما في ديننا، فلا نقبل بدين مختلط ولا مختلق".

"الامر قطعي عندنا"

بتعابير اخرى، الفتوى "تذكير بما هو معتمد ومعروف في كتب الفقه، قديما وحديثا". ويقول حليحل: "الامر قطعي عندنا من الناحية الشرعية، كما هو قطعي عند الاديان الاخرى. ما يحصل اليوم خلط بين السياسة والدين، وهذا الامر ليس صحيحا".

مبدأ التقارب او العيش المشترك "لا تجادل به" الهيئة. "نحن من دعاته"، يؤكد حليحل، لكنه يقول ايضا "بان هذا التقارب يجب الا يكون على حساب الثوابت القطعية الشرعية. لدينا آية واضحة وصريحة في القرآن الكريم، وتقول: لكم دينكم ولنا ديننا. فيلمارس الآخرون دينهم على ما يريدون، ولنمارس ديننا على ما نريده. ويمكن ان نلتقي في العلاقات العامة والاجتماعية وغيرها. اما خلط الامور بحجة انها هي التي ستفتح مجال العلاقات، فذلك امر غير صحيح، بدليل ان عيد بشارة السيدة مريم مسيحي بحت اصلا، وليس للمسلمين دخل فيه... نقر بهذه البشارة، لكن ليس في ادبياتنا الشرعية الاسلامية ما يُسمّى عيد البشارة بمريم".

ويتدارك: "يبحثون عن قواسم مشتركة، لكنها ليست في محلها. هناك مواضع كثيرة جدا يمكن ان نتعاون فيها، وتكون علاقات مشتركة وانسانية وود وقرابة وصلة وتواصل بين الاديان، على ان يبقى كل صاحب دين في دينه، لان خلط الامور ليس صحيحا".


وردا على متهمي الهيئة بالتعصب وفرض التشدد على المسلمين، يعبّر صراحة عن خشية لديه ان "يكون لهذه الدعوات (الى صلوات مشتركة) رد فعل سلبي"، بحيث ترى فيها "مجموعة من الناس ممن يُعتبرون متشددين، تغييرا لمعالم الدين، فنصير هدفا لهم. ما اردناه هو ان نضع القطار على سكته".


ماذا عن موقف دار الفتوى من القضية؟ يجيب: "لم يصدر عنها شيء واضح بهذا الشأن... ولا نعتبر ان لديها موقفا واضحا بدعم هذا التوجه (اي الصلوات المشتركة). طالبناها مرارا باصدار موقف، لكنها لم تفعل. قد يكون صمتها دليل احراج. وقد تكون متفهمة لدوافعنا، لكنها تخشى ان يُفهَم كلامها على انه نوع من انواع الحرب على التوافق والعيش المشترك...".


فتوى شرعية...

في قراءته للفتوى، يجد المدير العام السابق للاوقاف الاسلامية الشيخ هشام خليفة ان "حرفيتها هو القول المعتمد بالنسبة الى الجانب التعبدي من الصلاة، لأن الصلاة عند المسيحيين دعاء. لكنها تختلف عند المسلمين، اذ تتضمن حركات واقوالا معيّنة. وبالتالي الحقيقة والواقع يقولان بانه لا يمكن الجمع بينها. ما ينطق به المسيحي عند الدعاء يختلف تماما عما يقوله المسلم في صلاته التعبدية. عدم امكان هذه الصلاة امر عقلي وواقعي ومنطقي وشرعي، ولا يتعلق بالتقارب بين المسلمين والمسيحيين او برفض الآخر".

ثمة اشكالية اذاً، وتكمن في رأيه في "الجمع بين مسيحي يريد ان يقول بما يعتقد فيه، ومسلم يقول شيئا مختلفا. التعذر امر حقيقي وواقعي. الآية القرآنية "لكم دينكم ولي دين" واضحة. ومن جوانبها الايجابية اقرار الآخر بما هو عليه، وتسليم الآخر لي بما انا عليه. وذلك لا يفسد التقارب في امور متعددة".  



أي لقاء يجمع مسيحيين ومسلمين في "صلاة موحدة، او مشتركة"، "لا يجوز"، في رأيه. يمكن ان يكون "لقاء اجساد مختلفة"، بتعبيره، "في سبيل تحقيق غاية يمكن ان تكون مقبولة، وهي اظهار وحدة الشعب اللبناني والتقارب. لكن يجب ألا يكون في هيئة غير منطقية او صحيحة. لن يقف المسيحي ليصلي صلاة المسلم، او ليشاركه في صلاته. والعكس صحيح ايضا".  

فتوى هيئة علماء المسلمين "شرعية"، على قوله. لكنه يجد انه كان من الافضل "لو اكملتها الهيئة بحوانب اخرى اجازها العلماء، منها دخول المسلم الى الكنيسة، ورفع صلاته فيها، شرط الا يتوجه الى الصليب، لأن المسلمين لا يؤمنون به، ولا الى التماثيل، لأننا نرفضها. هناك آداب واعتبارات يراعيها المسلمون داخل الكنيسة، او خلال تقديمهم العزاء والتهانئ. اما مشاركتهم في الصلاة او الجلوس والاستماع الى ما يخالف عقيدتهم وهم مطمنئون، فذلك يصادم عقيدتهم، ويضعهم في موقع المسؤولية الشرعية".



نقري يوضح

من جهة اخرى، استوجبت فتوى هيئة علماء المسلمين توضيحا من الامين العام لـ"اللقاء الاسلامي المسيحي حول سيدتنا مريم" الشيخ الدكتور محمد نقري الذي يؤكد "اننا انطلقنا كمسلمين في اللقاء من اجل الاجتماع على كلمة "سواء"، يحثنا في ذلك كون شركاؤنا في الوطن "أقربهم مودة للمسلمين"، من دون أن يؤدي هذا اللقاء بيننا إلى أي انصهار وذوبان، لا من جانبنا، ولا من جانبهم، في دين الآخر على قاعدة: " لكم دينكم ولي دين".

ويجدد التشديد على ان "ما يقال عن صلاة مشتركة امر مخالف للواقع ومجاف للحقيقة. ونقول بالفم الملآن اننا، مسلمين ومسيحيين، لم ولن نسعى إلى إقامة صلوات مشتركة أو طقوس دينية مطلقاً، باعتبار أن النهي عنها من المسلمات الدينية عند المسلمين والمسيحيين، والتي لا مجال البتة للتسامح تجاهها او مناقشتها".

 

ويوضح ان "ما يقال عن صلاة مشتركة ليس إلا دعاء للنفس وللبنانيين بالخير والهداية والرشاد. ولا يتضمن ذلك اي طقوس او شعائر، لا إسلامية ولا مسيحية اطلاقا. وجلّ ما في الامر التباس في ترجمة النصوص الأصلية المكتوبة بالفرنسية إلى العربية لكلمة دعاء...".

 

[email protected]


حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم