اشترِك في نشرتنا الإخبارية
أحزاب "تدعم" الأقساط... ومخيّمات "القومي" و"حزب الله" تغوص في الإيديولوجية والمقاومة
هذه الدراسة، التي أعدها كل من مدير مركز البحوث التطبيقية في التربية في جامعة سيدة اللويزة الدكتور باسل عكر والأستاذة المساعدة في تاريخ غرب آسيا في كلية التاريخ في جامعة إيرفورت بألمانيا الدكتورة مارا ألبرشت بالتعاون مع منتدى خدمة السلام المدنية "Forum ZFD"، تحاول طرح أهمية تعليم التاريخ واحدًا من السبل العديدة الّتي تعتبر أساسية لتحقيق الانصهار الاجتماعي وضرورة سعي الحكومة على دمج التلاميذ في دراسات نقدية للروايات المتضاربة والأمور الحساسة عند تعلم التاريخ، تعزيز الأساليب الأدبية لتعلّم التاريخ في المدارس بناء ثقافة التحقق من ألغاز الماضي بطريقة مسؤولة.
القيمة المضافة للدراسة تكمن في كشف مقاربة الأحزاب الطائفية قواعدها الشعبية من خلال دعمها مالياً عند الحاجة، وتلقين "الجيل الناشئ" برامج على قياس طموحاتها. لذلك يصبح لكل حزب تاريخ على قياس "بطشه" وأحلامه، حتى قيام دولة مسؤولة على مسافة واحدة من الجميع.
"حزب الله"
وأكد عكر لـ "النهار" أن "البحث النوعي، الذي صدر في نيسان 2016، اعتمد في دراسته على مجموعةٍ من المصادر المختلفة بما فيها مقابلات شبه منظمة مع ممثلين عن الأحزاب السياسية في "التيار الوطني الحر" و"تيار المستقبل" وحزب الكتائب و"القوات اللبنانية" والحزب التقدمي الاشتراكي والحزب السوري القومي الاجتماعي، وكلمات بعض المشاركين في الاحتفالات التذكارية، ودراسة المواقع التذكارية، إضافة إلى بعض المواد السمعية والبصرية والكتابات المتعلقة بالتاريخ والذاكرة المختارة من الأحزاب السياسية.
واعتبر "اننا لم نتمكن من لقاء ممثلين عن "حزب الله لأسباب بيروقراطية تتعلق بالحزب نفسه". وعما إذا كان هذا التبرير أسلوباً دبلوماسياً لتفادي الغوص في تفاصيل محددة، قال: "لا اعتقد، إن الحزب أرسل بعض قواعده الطالبية للمشاركة في حوارات المنتدى التي تبعت هذا البحث، مما يثبت اهتماماً ملحوظاً بما نقوم به".
دفع الأقساط...
في عودة الى مضمون البحث، فإن الأحزاب السياسيّة كافة، باستثناء "حزب الله"، أجمعت انها لا تنظم نشاطات في المدارس من اجل تذكر الحوادث الماضية. وشددت بعض الأحزاب، مثل حزب الكتائب والقوات اللبنانية، أنها لا تملك الأموال او الدعم المادي من بلدان أخرى لإنشاء المدارس. أما الحزب التقدمي الاشتراكي و"تيار المستقبل"، فقد ساهم كل من كمال جنبلاط ورفيق الحريري في تمويل بناء بعض المدارس الخاصة. وأظهرت الزيارات إلى هذه المدارس والمحادثات غير الرسمية مع الأساتذة، أن المبادرات لإحياء ذكرى مؤسس الحزب، كتاريخ ميلاده أو مقتله أو الاحتفال بإنجازاته، نابعة من مبادرة خاصة من المدرسة.
أما علاقة الأحزاب الأخرى بالمدارس، فتأتي ضمن إطار توفير التلامذة من الأسر ذات الدخل المنخفض بالدعم المادي. وشرح ممثلا "القوات اللبنانية" و"التيار الوطني الحر" أن دور هذين الحزبين في المدارس يكمن في مساعدة التلامذة غير القادرين على دفع الأقساط المدرسية. وفي حالة القوات اللبنانيّة، أوضح ممثل الحزب انهم غالبًا ما يتوجهون إلى المناصرين خارج لبنان لمساعدتهم في تسديد أقساط أولادهم المدرسية. ولجمع الأموال، عمل حزب "القوات اللبنانيّة" على إنشاء روابط بين المغتربين اللبنانيين والأسر اللبنانية المحتاجة لدعمٍ مادي لتعليم ابنائها. أما مبادرات "التيار الوطني الحر" فركزت على التعاون مع المدارس لتوفير المنح المدرسية للأطفال المحتاجين.
نشاطات حزبية لجذب الشباب
قدّم كل من حزب القوات اللبنانية، والحزب التقدمي الاشتراكي، والحزب السوري القومي الاجتماعي وصفًا مفصلًا للبرامج التعليمية التي وضعها وبدأ بتطبيقها. وفي حين أنّ برامج الأحزاب الثلاثة تستهدف فئة الشباب، إلّا أنّ الحزب السوري القومي الاجتماعي أعد كذلك برامج مخصصة للأطفال.
القوات: من ميليشيا إلى حزب
بعد الحرب الأهلية، استخدمت القوات اللبنانية التعليم غير النظامي لمساعدة أعضائها على الانتقال من ميليشيا إلى حزب سياسي. وذكر الممثل الرسمي للحزب أننا " أنشئنا " من العام 1991 إلى العام 1994، أنشأنا مدرسة للكوادر لدمجهم ولإعطائهم قواعد الديموقراطية: كيف تفاوض؟ وكيف تعد الخطاب السياسي؟ وما هي قواعد الديموقراطية؟ وما هي الأساليب الصحيحة للتواصل مع غيرك بطريقةٍ صحيحة"؟
تدير القوات اللبنانية اليوم برنامجين تعليميين الأول عبارة عن منتدى مفتوح والثاني معهد. أوضح مسؤول القوات ان "المنتدى المفتوح"، برنامج بعنوان "الجامعة الشعبية"، يساعد في "بناء تواصلٍ مباشر بين المشاركين وقيادة الحزب وسد الثُغر القائمة بين رؤيتك لهؤلاء الأشخاص وفهمهم لها أو لمشاكلهم". ورأى ايضاً أنه "يضع نموذجًا للديموقراطية من خلال الحوارات الّتي تتحدى "سياستك وتطرح اسئلة عن سياستك" الأمر الّذي يساعد على توطيد العلاقات بين الشعب والحزب".
وتقدم المبادرة الثانية برنامجين تعليميين غير رسميين لطلاب الجامعات والخريجين وهما: معهد إعداد الفكر السياسي للطلاب وأكاديمية الكوادر السياسية. المعهد عبارة عن برنامج أساسي يمتد على سبعة أو ثمانية أشهر. ووصف مسؤول القوات اللبنانيّة البرنامج بأنه "40 في المئة نظري" يغطي مواد متنوعة كالتاريخ والجغرافيا وتاريخ الطوائف والأحزاب في لبنان و"60 في المئة عملي" اذ يتضمن مقاربات للنقاش، وأساليب القيادة ومهارات التواصل والخطابة العامة.
وأضاف المسؤول ان "البرنامج الثاني موجه إلى خريجي الجامعات لأنه "ليس مبنيًّا وفقًا لوجهة نظر القوات اللبنانية"، علماً أن الذين يقدّمون المحاضرات ليسوا من مناصري القوات فقط ". وشدد أن "خطط بناء فرص التعليم غير الرسمي تركز على محاولة تطوير مركز لحل النزاعات لتخصص الكوادر في حل النزاعات. وذكر هذا المسؤول المبادرة للتحدث مع الحزب التقدمي الاشتراكي عن حرب الجبل من خلال مركز حل النزاعات "بهدف عقد لقاء بين الزعماء الذين حاربوا بعضهم خلال هذه الحرب".
الاشتراكي: الثقافة الشمولية
وتحدث مسؤول الحزب التقدمي الاشتراكي عن مبادرات التعليم غير النظامية من خلال النشاطات في "المعهد التقدمي للتمكين". وأوضح أن "هذا المعهد يستهدف الأشخاص الذين يراوح عمرهم بين الـ 25 و30 عاماً، ولكن هنالك عدد من تلامذة المدارس الثانوية اي عمرهم بين الـ 16 و18 عاماً". وشرح أن "برنامج المعهد التقدمي للتمكين يتألف من جزئين، الأول يتضمن سلسلة من الدورات التدريبية على مهارات القيادة والتواصل والثاني يركز على دورات دراسة في السياسة والاقتصاد والقيم الاجتماعية والتاريخ وفلسطين والتثقيف السياسي والاقتصادي والتربية الاجتماعية".
السوري القومي وحزب الله: مخيمات صيفية لقضية واحدة
ويتبع الحزب السوري القومي الاجتماعي و"حزب الله" نهجين متماثلين إلى حد كبير في مجال برامج التعليم غير النظامي. في هذا الإطار، أنشأ "حزب الله"، الذي يتمتع بموارد أكثر بكثير من الحزب السوري القومي الاجتماعي، كشّافة الإمام المهدي، في العام 1985، للأطفال الشيعة من عمر 8 إلى 16 عامًا. يشارك هؤلاء في رحلات ومخيمات، ويتعرفون إلى أيديولوجية "حزب الله" والمقاومة.
أمّا المخيمات الصيفية، التي ينظمها الحزب السوري القومي الاجتماعي، فتجري كل صيف وتستمر لمدة أسبوع إلى عشرة أيام. وتستهدف هذه المخيمات الأطفال بين عمر 6 و15 عامًا، وتوزعهم على ثلاث مجموعات: الزهرات (6-9 أعوام)، والأشبال (9-12 عامًا)، والنسور (12-15 عامًا). وقد شرح منسق التعليم في الحزب السوري القومي الاجتماعي، الذي هو حزب علماني، بأن الشباب بعمر 16 عامًا قادرون بنظر الحزب على القيام بنشاط سياسي، وتتسم المخيمات الصيفية تالياً بأهمية كبيرة لجهة تعريفهم على الحزب وأيديولوجياته.
ويختار الحزب موضوعًا معينًا كل عام ويصمم أنشطة تعليمية تعرض رواية الحزب ليتعلّمها الأطفال. ومن المواضيع التي سبق للحزب اختيارها: حق العودة (فلسطين)، من سناء إلى وفاء (شهيدتان من شهداء الحزب؛ استشهدتا في عامي 1984 و2004 على التوالي)، شهداء دمشق، شهداء غزة، شهداء حلبا، التهديدات الطائفية، المقاومة الموحدة... يُنظم الحزب السوري القومي الاجتماعي مخيمات صيفية للشباب بين عمر 17 و25 عامًا، تشمل أنشطتها المحاضرات، والأفلام والوثائقيات، والمناظرات، فضلًا عن عروض تقديمية من أشخاص من خارج الحزب، كالشخصيات الدينية، ورجال الأعمال الناجحين، والأساتذة الجامعيين.
كيف يمكن إعادة بناء التاريخ؟
كشف ممثلو الأحزاب عن الرؤى المشتركة للتعلم عن الحرب الأهلية عبر أساليب منتظمة ومنهجية، وذلك إما عبر التركيز بدقة على أحداث مختارة (مثل التيار الوطني الحر، والحزب السوري القومي الاجتماعي، والحزب الاشتراكي) وإما عبر الاعتراف بالتفسيرات المختلفة (مثل القوات اللبنانية والكتائب) من دون ضرورة استبعاد الآخر. فإن استخدام هذا النهج في تعلم التاريخ بإمكانه بناء أسس مشتركة من خلال السبل التي تستخدم بها المصادر مثل السجلات والآثار.
ختاماً، دعا الباحثان إلى توسيع نطاق مؤشرات النهج التربوي من أجل التعلم عن الماضي في إطار عمل يساعد في إقامة الحوار بين مناصري الأحزاب السياسية ومناصريها، وفقًا لشروط تبادل مشترك لتفسيرات الماضي التي تستند إلى الوقائع، والاعتراف بمدى صحة هذه التفسيرات المختلفة.
في القطاع التربوي، أكدا أنه يجب الاطلاع على وجهات نظر مختلفة عن التاريخ، وبناء ثقافة التحقق من ألغاز الماضي بطريقةٍ مسؤولة. ولئن الأحزاب السياسية تعتبر من الجهات المؤثرة على مجال التعليم وفي بناء منهج جديد لكتاب التاريخ في المدارس، فيجب أن تكون على علم بمزايا النهج التربوي لتعلم التاريخ.
Twitter:@rosettefadel
