الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

ما هي الأسس التي انطلق منها رعد في المشروع الذي عرضه؟

ابراهيم بيرم
ابراهيم بيرم
A+ A-

من خارج سياق كل الرهانات والنقاشات، انبرى اول من امس رئيس كتلة "الوفاء للمقاومة" النائب محمد رعد ليعلن من على منبر "حزب الله" في احدى البلدات الجنوبية : "اننا في ربع الشوط الاخير من استيلاد قانون انتخاب جديد يعتمد مبدأ النسبية على اساس الدوائر المتوسطة (عزف عن تحديدها)، من دون ان ينسى الاشارة الى ان هذه الفطرة الوليدة تحظى بمقبولية قوة سياسية وازنة، وهو ما يعني ضمناً وفق تفسيرات ان المقصود هو "تيار المستقبل"، وما ينطوي ايضا على بشارة ان الفكرة تمتلك قابلية النفاذ والانجاز، واستطرادا ان الامر كله يحظى بنسبة عالية من الجدية.


وليس خافيا ان الحزب يتحدث على لسان احد رموزه البارزين للمرة الاولى بهذه الجدة والحزم، فهو اعتاد نسجاً على تجارب الاعوام الخمسة الماضية وعبر قياداته المسموح لها بالتصريح والنطق، الدعوة الى اعتماد النسبية باعتبارها مدخلاً أمثل لحل ازمة النظام السياسي، واستتباعاً لاقرار عدالة التمثيل الاوسع الذي من شأنه ان يغير في المعادلات ويسمح لقوى وجماعات مقصية ومهمشة بأن تجد لنفسها موطىء قدم او جسر عبور الى الندوة النيابية، واستطرادا الى ساحة المشاركة في التركيبة السياسية.
اذاً في الامر جرعة عالية من الجدية والصدقية لان الحزب ما اعتاد التسرع او النطق عن هوى في شأن وطني بهذا الحجم وبهذا التأثير في المدى السياسي، وعليه فان السؤال المطروح بالحاح هو: هل اننا اوشكنا على الخروج من حال التيه والغموض السياسي الذي اكتنف طويلا مخاض البحث عن قانون انتخاب جديد، المتوالي فصولا منذ ما لا يقل عن خمسة اعوام؟ وهل ان ما اومأ اليه رئيس كتلة نواب "حزب الله" هو بمثابة كلمة السر التي هبط وحيها اخيرا؟
بحسب اكثر من مصدر ورأي، ان ما يعرضه النائب رعد (اي النسبية على اساس دوائر مصغرة) هو في جوهره مستمد من روحية مشروع القانون الذي سبق لحكومة الرئيس نجيب ميقاتي ان قدمته قبل نحو خمسة اعوام . وهو فوق ذلك من طبيعة مرنة اذ يمكن التلاعب بصياغة الدوائر التي يمكن لحظها فيه لكي تجد شخصية مثل رئيس "اللقاء الديموقراطي" النائب وليد جنبلاط ما يرضي طموحاتها من جهة، وما يسقط هواجسها ومخاوفها، خصوصا لجهة امكان جعل الشوف وعاليه دائرة واحدة، وهو ما يدعو اليه ضمناً ويعتبره ضمانته للحيلولة دون تراجع عديد كتلته النيابية. والامر عينه يحاكي الهواجس المستورة لزعيم "تيار المردة" النائب سليمان فرنجيه. وقبل ذلك فان الدعاة الى اعتماد النسبية والمتمسكين بها، سواء كان "حزب الله" او حركة "امل"، الى الاحزاب العلمانية، الى "التيار الوطني الحر" في مرحلة اولى، يجدون في المشروع المعروض اياه ضالتهم المنشودة منذ زمن لو كان لبنان كله دائرة واحدة، او كانت الدوائر المعتمدة المحافظات نفسها، ولكن طبيعة المرحلة من جهة والتوازنات الداخلية من جهة اخرى تفرض تسوية في بلد اعتاد التسويات الموقتة التي تصير لاحقا دائمة، ولكن المستجد فيها دخول ثقافة النسبية للمرة الاولى الى التداول والى الذهن السياسي اللبناني، مما يحمل معه قابلية الانفتاح لاحقا على مشروع اكثر تطورا وعصرنة. ولاريب ايضا ان "تيار المستقبل" اصدر في الآونة الاخيرة اكثر من اشارة الى انه لا يمانع السير في مشروع من النوع المقترح لاعتبارات عدة، ابرزها انه لم يعد بامكانه المناداة او الرهان على العودة الى قانون الستين ولو معدلا، ولم يعد بمقدوره الاستمرار في سياسة التعطيل المتهم بها. وفي الموازاة لم يعد خافيا ان حزب الكتائب ابدى اكثر من مرة، وآخرها اول من امس على لسان رئيسه، استعداده للسير بخيار كهذا، خصوصا ان ثمة مَن زيّن له ان بامكانه الحصول على حصته الحالية من دون منّة احد عليه.
ومع كل هذه المعطيات ثمة من يسأل: هل ان "التيار الوطني الحر" على استعداد للسير بهذا المشروع والاقتناع به؟
للسؤال ما يبرره، فالتيار اكثر من غرّب وشرّق في سياق طرح الافكار والرؤى الانتخابية، اذ قدم في غضون ستة اشهر ثلاث صيغ متنوعة آخرها قبل اقل من شهر ومازال ينتظر وفق قول احد نوابه الان عون اجابة حليفه "حزب الله" على هذا الاقتراح. والاعتقاد السائد ان الاجابة اتت غير مباشرة من خلال كلام رعد عن المشروع الساري نقاشه والذي يبدو جليا انه في صدد تبنيه والسير به خيارا اخيرا.
ولكن المستقر في قراءة الحزب ان ما عرضه التيار تكرارا من افكار لم تكن بالضرورة صيغاً نهائية بل كانت تقدم في اطار تفعيل النقاش وتسخين اجواء الحوار للحيلولة دون العودة الى الوراء وفرض الستين امرا واقعا ونهائيا.
وعليه لا تستبعد القراءة عينها احتمال ان يسير "التيار البرتقالي" في خاتمة المطاف في ركاب هذا المشروع، خصوصا ان مؤسسه الرئيس ميشال عون كان الرائد في تبني النسبية وحمل لوائها.
وعلى جبهة حزب "القوات اللبنانية"، فالحسابات انه لن يكون في مقدور هذا الفريق ان يغرد خارج السرب وحيدا اذا ما سارع الآخرون، ولاسيما "التيار الازرق" الى التعامل بجدية مع المشروع الذي هو قيد التداول للحيلولة دون الوقوع في المحظور وهو الفراغ النيابي.
ويقترن السؤال عينه بسؤال آخر هو: كفة اي فريق سترجح هذا المشروع في حسابات نتائج المقاعد النيابية؟
يؤكد الخبير في القضايا والاستطلاعات الانتخابية عبدو سعد لـ "النهار" ان ايا من المعنيين بالاستطلاعات لم يجر بعد استطلاعا للنتائج اذا ما جرت الانتخابات المقبلة على اساس القانون المحكى عنه (النسبية مع الدوائر المتوسطة)، لذا فالامر يكتنفه الغموض، مع الاشارة الى ان اعتماد النسيبة ومهما كان شكل الدائرة سيغير بنسبة عالية من سلوك الناخبين وسيؤثر على خياراتهم الانتخابية، وسيحفز ولا شك شرائح عدة على الانخراط بشكل اكبر وافعل في العملية الانتخابية، سواء عبر الترشح او اعادة النظر في الخيارات او الخروج من حال الاعتكاف او اللامبالاة. فعلى سبيل المثال، في الانتخابات الاخيرة وتحت مظلة القانون الاكثري صوّت ما نسبته الـ 50 في المئة من الناخبين الشيعة، ولا يمكن من الان معرفة سلوك هؤلاء الناخبين اذا ما اقر قانون النسبية على الاساس المعروض (الدوائر الوسطى)، وهذا الامر ينطبق على ناخبي الطوائف الاخرى. لذا يضيف سعد: "سيكون خطأ منهجيا استشراف نتائج الانتخابات من الان على اساس قانون لم يقر بعد ولم يجرب اصلا، وان كنا نملك رؤية عامة وشاملة للنتائج ولمصلحة من ستصب، لكننا لن نفصح عنها الان". ويكمل: "ولكن اي قانون انتخاب يعتمد النسبية سيفتح الباب بلا شك امام قوى جديدة للمشاركة، ولاسيما قوى المجتمع المدني، متكئين بطبيعة الحال على ما افرزته الانتخابات البلدية في بيروت ومناطق اخرى من نتائج وارقام، وهو ما عدّ رغبة عارمة لدى جمهور عريض بالتغيير، او على الاقل الاعتراض على معادلة معينة". ويختم: "في كل الاحوال نحن على قناعة بأن النسبية ستكون اساس اي قانون مقبل، وكلما اتسعت الدائرة كان التمثيل اكثر عدالة وصحة، وكلما ضاقت الدائرة انتقص ذلك من عدالة التمثيل".

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم