السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

في أي خانة وضع "حزب الله" كلام الحريري الأخير عنه في "أرض الكنانة"؟

ابراهيم بيرم
ابراهيم بيرم
A+ A-

لم يكن مفاجئاً ان يبادر الاعلام المصري رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري بأكثر من سؤال عن طبيعة علاقته بـ "حزب الله" حاضراً ومستقبلاً، وعن تقويمه لما يطلقه هذا الحزب من مقولات ومواقف في شأن دوره اللافت في الاحداث الاقليمية والميادين المشتعلة. لكن المفاجئ كان مضمون الرد "الناعم" لزعيم "تيار المستقبل"، خصوصاً عند اعتراضه الذي لم يخلُ من لياقة وديبلوماسية على ما دأب الحزب عليه لتبرير تدخّله المباشر في مواجهات الميدان السوري بأنه صان الساحة اللبنانية من اختراق المجموعات الارهابية او حتى التفكير باجتياحها، وايضا عندما أجاب بنعومة رداً على سؤال انه قرر فعلا مساكنة الحزب والتعايش معه على رغم ما يطويه صدره من ملاحظات على ادائه ونهجه ورؤاه.


لم يكن في طيات مضامين زعيم "التيار الازرق" في أرض الكنانة ما يستدعي رداً عاجلاً او على الاقل ما يستدرج "نقزة" او استنفاراً من دوائر القرار في الحزب المولجة متابعة ملف العلاقة معه، فما اطلقه الرجل في المحروسة (القاهرة) ما زال في تقويم هذه الدوائر ضمن حدود المعقول، واستطراداً في اطار المألوف والمتفاهم سابقا على خطوطه العريضة، ولا يُستشفّ منه اي رغبة في عود على بدء او اية علامة تدل على ان الرئيس الحريري في وارد اعادة عجلة الزمن السياسي الى الوراء، وتحديداً الى مرحلة الاشتباك والمنازلة السياسية اليومية التي وسمت مرحلة طويلة جدا.
وفي وقت لاحق نُسب الى الحريري كلام كان من شأنه ان يعزز الاستنتاج اياه داخل الدوائر عينها، فهو (اي الحريري) رد بسلبية مضبوطة جداً عندما سئل عن احتمالات لقائه مجدداً الامين العام للحزب السيد حسن نصرالله بعد طول انقطاع، فأجاب بأنه "لم يحن بعد أوان مثل هذا اللقاء"، وهذا جواب مفتوح ضمناً على امكانات اللقاء في قابل الايام، ويشير الى ان فرص الاجتماع بينه وبين سيد الحزب ليست منعدمة اطلاقا.
لم يكن بالضرورة ان يخوض الحريري غمار هذه التجربة في العاصمة المصرية، وتحديداً في اول زيارة لها بعد عودته الى السرايا الحكومية، لكي يستنتج معشر المراقبين ان الرجل العائد للتو الى سدة السلطة يبرهن بالدليل العملي على انه ملتزم الى اقصى الحدود حدود التفاهم الشفهي الذي نسج خيوطه بدقة متناهية مع خصمه اللدود مدى ما يقرب من عقد من الزمن، اي "حزب الله"، وفتح له ابواب العودة السلسة الى رأس السلطة التنفيذية عابراً على جسر تفاهم رئاسي وافق عليه ودافع عنه رغم اعتراض المعترضين، ومنهم من نصّب نفسه عليه ولياً، ورغم ما انطوى عليه هذا الخيار غير السهل من مخاطر. فمظاهر الانسجام والوئام شاخصة بجلاء بين "الحزب" و"المستقبل" في الداخل في اكثر من محطة ومشهد. من استمرار جلسات الحوار المستضافة على طاولة عين التينة والتي صارت اقرب الى الفولكلور ولزوم ما لا يلزم منها، الى اي أمر آخر بعدما انتفت الحاجة الوظيفية اليها وفقدت ألقها قياساً بلحظة الشروع بها، وتجلت في حينه فتحاً مبيناً في عالم السياسة اللبنانية، مروراً بالوئام الذي لا يخفى على اي مراقب وراصد لجلسات اللجان والهيئة العامة في مجلس النواب، فضلاً عن ان التسريبات التي تصدر عادة عن جلسات مجلس الوزراء تؤكد ان وزيري الحزب والمحسوبين عليه يحرصون كل الحرص على تلافي الدخول في اية مواجهات او حتى مناكفات تظهر ان الجانبين يقفان على طرفي نقيض، او انهما في وارد فتح ابواب مواجهة. إنها باختصار تجربة شركة سياسية جديدة لم تتجاوز شهرها الخامس، ولكن التطورات اليومية تثبت بالملموس الرغبة المضمرة لطرفيها الاساسيين (أي "الحزب" و"المستقبل") في التزام مندرجاتها وتلافي الخروج عليها.
قبل اشهر عدة، وتحديداً عندما فاجأ الطرفان المناخات السياسية وخالفا غالبية التوقعات والرهانات بالمضامين العميقة للتفاهم الذي ابرماه واستولد في حينه مقدمات تجربة الشركة الحالية التي طوت عهداً طويلاً من السجال والخلاف وفتحت عهداً آخر، وهو ما تجلى في الخطاب المدوي لسيد الحزب ومضمونه الانفتاح على وعد بتسهيل عودة الحريري مرة ثانية الى سدة الرئاسة الثالثة، بادر البعض الى ابداء الاستغراب والشعور بالصدمة، فيما اطلق البعض الآخر موجة تشكيك بقدرة الطرفين على المضي قدما في تسويق ما تفاهما عليه نظراً الى الموانع الموضوعية والذاتية امام كل منهما، ونظرا ايضا الى التأثيرات السلبية الاقليمية. لكن الاشهر القليلة التي خلت بعد انتخاب العماد ميشال عون رئيساً ثم تأليف الحكومة بأسلس مما كان متوقعاً، برهنت حتى الان وبما لا يدع مجالا للشك حرص الطرفين على ادامة مفاعيل هذا التفاهم وما بني عليه.
ولا يخفى ان في دواخل كلا الطرفين كلاماً مضافاً فحواه انهما اتفقا ايضا على فتح الابواب على امكانات تطوير التفاهم اياه بعد اخضاعه لفترة تجربة واختبار، وذلك انطلاقاً من الحاجة الملحة للطرفين اليه. فـ "التيار الازرق" على يقين من ان التفاهم يوشك ان يكون جسر العودة الحصرية الى رأس السلطة، وهو الهدف الاسمى له، بعدما اظهرت تجربة غربته عنها انها تجربة "خسّيرة"، في حين ان الطرف المقابل، اي "الحزب"، يحتاج اليها لينسج شبكة امان داخلية تتيح له الانصراف بطمأنينة وراحة الى مشاريعه العابرة للحدود.
وعلى اساس هذه المعادلة يسجل المراقبون ان "الحزب" نأى بنفسه الى حد ما عن التصدي لكل ما من شأنه ان يفضي الى افتعال مواجهة مع "المستقبل"، فيما الطرف الثاني قلص الى اقصى الحدود طموحاته السابقة وجموحه داخل الحكم وخارجه. وفي موازاة ذلك التطور، فان احداً لم يعد يسقط من حساباته الداخلية امكان لقاء بين قطبي الطرفين، ولكن كلاهما يرى في الضمن انه احتمال ما انفك يحتاج الى مزيد من الاختبارات وجسور الثقة،واستطراداً الى مزيد من الوقت.


[email protected]

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم