الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

رحيل ستافرو جبرا الأنيق الجريء الذكي الذي كان يصيب الهدف

محمد شرف
رحيل ستافرو جبرا الأنيق الجريء الذكي الذي كان يصيب الهدف
رحيل ستافرو جبرا الأنيق الجريء الذكي الذي كان يصيب الهدف
A+ A-

بعد بيار صادق، ها هو ستافرو جبرا يغادر هذا العالم، وكان سبقهما ناجي العلي منذ أمد طويل، وهو الذي لم يمت ميتة طبيعية، كما صادق وجبرا، بل إغتيالاً. قد يكون الثلاثة من أبرز رسامي الكاريكاتور ممن عملوا في الصحف اللبنانية، أو ظهر نتاجهم في منشورات غير لبنانية. هذا، مع العلم أن كلاً منهم كان له أسلوبه الخاص، وحتى توجهاته السياسية التي لم تكن على المستوى نفسه لدى الجميع، نظراً إلى الظرف الذاتي من جهة، والإنتماء إلى هذه الجنسية أو تلك من جهة أخرى، وما يحتّمه ذلك من أهواء وتطلّعات.


من الواضح أنهم تركوا، جميعاً، إرثاً مهماً في هذا المجال، على اختلاف الأسلوب الشخصي لكلٍّ منهم في مقاربة هذا النوع من الفن، ما يُعتبر أمراً طبيعياً في مجال الكاريكاتور، وحتى في الفنون البصرية كافة.
ستافرو إدمون جبرا هو من مواليد 18 شباط 1947. كان تلميذاً في المدرسة حين ظهر ولعه بالرسم، أما مشواره مع الكاريكاتور فقد بدأ منذ العام 1967. عمل ستافرو في مجالات الرسم الكاريكاتوري المطبوع، الرسم الكاريكاتوري الإلكتروني، والرسم الكاريكاتوري المتلفز، الذي يظهر فيه أسلوبه في التعبير عن الحوادث الراهنة في لبنان والشرق الأوسط، والعالم العربي عموماً.
بدأ مسيرته في مجلة "الصياد" في العام المذكور (1967)، ومن ثم عمل بعدها في صحف ومجلاّت عدّة مثل "لوريان لو جور"، "المحرر"، "الأنوار"، "الأحرار"، "صدى لبنان"، "أوروسكوب"، "فلاش"، "الشبكة"، "الجيش"، "الدستور"، "الجريدة"، "سكيتش"، "الحسناء"، "لو بيروتان"، "صوت وصورة"، "ماغازين"، "الأسبوع العربي"، "الكفاح العربي"، "الأمل"، "لو ريفاي"، "الدولية"، "مجلتي"، "موندانيتيه"، "استجواب"، "كرونيك"، "نداء الوطن"، "دايلي ستار"، "البلد"، تلفزيون "الجديد". الى جانب الرسم كان محترفا في التصوير وله الكثير من الصور المشهورة خلال الحرب. وأحرز لقب شرف كواحد من أفضل مصوّري الحرب اللبنانية المعاصرين، منحته إياه مجلة "فوتو" الفرنسية، وأسس كذلك في أيلول 1983 مجلته الشهرية الخاصة، التي نشر فيها رسومه غير السياسية. إلى ذلك، شارك ستافرو في معارض كثيرة حول العالم، وحصد جملة من الجوائز والأوسمة والألقاب، أبرزها لقب "صديق الأمم المتحدة"، وذلك خلال وجوده في جنيف، كما حصل على "جائزة العرب الأولى للتفوّق"، وميدالية الرسوم الكاريكاتورية في "مهرجان وسائل الإعلام الثالث " في بيروت، العام 2004.


الموضوعات والتوجهات
يقول ستافرو جبرا إنَّه يرسم الجميع وكلَّ شيء. وفي الواقع تُظهر الرسوم المتراكمة فوق مكتبه، كما نرى عادة في صوره أو في الريبورتيجات المتعلّقة به، كلَّ ما يشيع في لبنان والشرق الأوسط؛ من رؤساء عرب مهووسين بجمع الدولارات، إلى شيوخ عشائر يغيّرون توجهاتهم السياسية كل بضعة أشهر، وصولاً إلى فتيات لبنانيات بملابس شبه عارية، من دون أن تكون تلك الرسوم ذات مدلولات جنسيّة حكماً، بقدر ما كانت تعبّر عن واقع معيّن، مرتبط بالأفكار المسبقة والتهويمات التي لا تغيب عن أذهان الجنس "الخشن" في مجتمعاتنا الشرقيّة. فهذا الفنان الذي يمتلك موهبة في فن الرسم، بحسب مفهومه التقني المعروف، تمثّلت في معرفته بأصول التشريح الفني، وبكيفية عكس هذه المعرفة في النوع الفني الذي نحن في صدده، كان يمتلك أيضاً طاقة ونشاطاً يمكن تلمّسهما في مجريات حياته. كما أنّه، من ناحية أخرى، لم يعرف المحرّمات، ولم يقع أيضا في فخ الإسفاف، لكون هذه المحرّمات تتناقض من حيث الأساس مع فن الكاريكاتور الذي من شأنه "زكزكة المسؤولين"، كما يقول، والإنصراف عن تبخير الزعيم، كما يحدث عادة في بلادنا. في هذا المجال، وعلى سبيل المثل، قال رداً على أحد الأسئلة: "أنا أرسم بكلِّ تأكيد كل رجال السياسة، وحتى الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، إلى أن يتوقَّف عن ممارسة السياسة. وأنا لا أعاديه شخصيًا. فالمفروض أنَّه يعمل بصفته سياسيًا أكثر من كونه رجل دين".
لكن عملية نشر الرسوم الساخرة، كما نعلم جميعاً، لا تبدو بمثل هذه البساطة، ولا حتى في الصحف اللبنانية التي من المفترض أنَّها صحف حرَّة. وفي هذا الإطار، وطالما تطرّقنا إلى هذه المسألة الحسّاسة، لا تخفي سحر برهان، رسَّامة الكاريكاتور السورية، شيئًا من ذلك؛ حيث تقول متذكِّرة تجاربها في احدى الصحف اللبنانية: "الجميع يقولون إنَّه لا توجد محرَّمات. ولكن على أرض الواقع تبدو الممارسة مختلفة تمام الاختلاف". لذا، لم تكن درب ستافرو سهلة دائماً، إذ أقيمت ضدّه 27 دعوى من رؤساء ووزراء من مختلف الجنسيات، وعلى الرغم من ذلك فقد كان يعتبر أن لبنان يتميّز عن البلدان العربية المجاورة من حيث علاقته بحريّة الإعلام، ولو في شكل نسبي، ما سمح له بتحقيق طموحاته في حرية التعبير التي تعتبر أساساً في فن الكاريكاتور، وذلك عبر لغة فنية تجمع ما بين الأناقة الفنيّة والجرأة، إضافة إلى العين النافذة والذكاء، ومعرفة إصابة الهدف.


■ فنان تشكيلي وناقد وأستاذ جامعي

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم