شاشة - هبة طوجي، صرخة الانهيار اللبناني

الكلمات لغدي الرحباني والألحان لأخيه أسامة. "بغنّيلك يا وطني"، بصوت هبة طوجي، نداء إنساني في رفض النفايات والهدم والفقر، ومقاربة حزينة لحال الانهيار اللبناني. طوجي هذه المرة مُخرجة أيضاً، قدّمت الأغنية بدلالات ومعانٍ وصرخة ثورية.

السماء ملبّدة بالغيوم، يملأها تلوّث معمل الزوق احتقاناً وغضباً. الكليب إدانة وطنية للتردّي الناجم عن إهمال الملفّات والاستهتار بضرورات العيش اللائق. يأتي المشهد حاملاً النقيضين: "الجحيم" اللبنانية في مقابل "الجنّة". "كونترست" في حبّ الأوطان وهجرانها. تحمل الصورة ما نفترضه "كليشيهات" جاهزة، كتكدُّس النفايات، أعمدة الدخان الأسود، العمران العشوائي، ووجوه الأولاد. العبء اللبناني بإطارٍ وصورة جديدة. الصورة التي "تُجمِّل" المأساة و"تُهدِّئ" وحشتها.
الكليب تلاعبٌ بالألوان لخلق مَخرج يُبرّر إعادة قراءة الأزمة بالمفردات ذاتها وتشابُه العقاب. طوجي المُخرجة منحت طوجي المغنّية مساحة لإطلاق صرخة الشعراء. عبّدت لها الطريق وفق منطق عبثية المشهد البانورامي: النفايات في مواجهة العشب الأخضر. التشوّه والحلم. أشجار الليمون والبناء الهشّ. الحنين والذلّ. عملٌ بنيته التضاد والتفجُّر. "الصدمة" تأتي لاحقاً، وقد تتأخّر في بلوغ وعي المُشاهد. أكوام النفايات في يومياته، تلوُّث الزوق في أوجاعه، الزحمة، الحطب، النار، "وحكّام العار"، كما تقول الأغنية. كلّها في حنجرة طوجي وضميرها الفنّي، وفي الخوف والقلق وأشباح الهجرة. إن كان من جديد، فهي مواجهة العبوس بضحكة، ومواجهة الظلمات بالألوان، والوجع بالأمل. الكليب رفْضُ المأسوية اللبنانية، لا إنكارها وادّعاء عكسها. الرفض هنا بمثابة بوحٍ صريح دحضاً لأكذوبة الأوطان السعيدة. مداواة الالتهاب بصرخات قد يجفّ صداها، وقد تستسلم، تُحبَط، لكنّها تبلغ شرف المحاولة.
بيروت تختنق وتموت، على الجدران نرسم أحلاماً جنائزية، وفي السماء نحبس الطيور. "بغنّيلك يا وطني لتخلص الأيام"، لمسات رحبانية على صيرورة الجرح، فالنظرة الرومانسية إليه، كعادة الفنّ في الارتقاء لتحمُّل العذاب، من دون سحق الحقيقة وتشويه الصدق. "ميّة سنة تشتّي الدني، ما بتخفي يلّي عملتوه"، قاسية هذه الكلمات الثماني.

[email protected]
Twitter:@abdallah_fatima