السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

أكثر من مئة يوم بعد انتهاء الفراغ الرئاسي \r\nلبنان في دائرة الخطر من جديد؟

المحامي كارول سابا
A+ A-


هل تُقرَع طبول الحرب من جديد؟ مرَّت فترة السماح، فترة المئة يوم، على انتهاء الفراغ الرئاسي بانتخاب الرئيس ميشال عون، الرئيس الثالث عشر، في وضع إقليمي ودولي هو اليوم أكثر تأزُّماً وتعقيداً وخطورة مما كان عليه في تشرين الأول الماضي. فالأزمة اللبنانية، التي هي أزمة نظام وتجدُّد في الحوكمة السياسيّة، لا تزال مُستعرة يفعل فيها أمراء الحرب على حساب المجتمع المدني.
نافذة المُسبِّبات المَحليّة والإقليميّة والدوليّة التي جعلت الانتخاب الرئاسي مُمكناً، بدأت بالانغلاق. ومُفارقات الانتخاب وتناقضاته المُتنوِّعة عادت لتظهر على سطح الحياة السياسية اللبنانية، وهي تُسقِط يوماً بعد يوم، مَقولة أن الانتخاب صُنِع في لبنان وأنه تم تحييد الملفّات الخلافيّة الكبرى لصالح إصلاح الدولة وإنهاض الاقتصاد ومحاربة الفساد، وكأن لا ترابط مبدئياً وعضوياً بين هذه وتلك!. فحكومة الأضداد التي لم تُنجِز أي خرق، ولو رمزياً، في الفساد وغيره من الملفّات الساخنة، تبدو اليوم كحكومة تصريف أعمال غير مُمسكة بالقرارات المِفصليّة. والتأزُّم السياسي المُتنامي حول قانون الانتخاب والتصاريح التي تناقض النيات والتفاهمات في قضايا حصريّة سلاح الدولة والسياسة الدفاعية، تُعيد ربط الانقسام الداخلي بالمحاور الإقليمية المُتنازِعَة. لا عجب، فالانتخاب الرئاسي لم يكن إلاّ نتيجة التفاهم السلبي والمرحلي بين الأضداد اللبنانيين وعرّابيهم، أضداد الإقليم، إيران والمملكة العربية السعودية. فسقوط لبنان في الموت السريري كان سيُسقط القرار الدولي والإقليمي بالحفاظ على سقف الاستقرار الأمني والنقدي فيه لضرورات إقليميّة عدّة. فحصل الخرق عشية الانتخابات الأميركية، للحدّ من خسائر الجميع مع الإبقاء على لعبة شدّ الحبال مفتوحة.
فتم اقناع المملكة السعودية التي تتخبط داخليّاً وخارجيّاً بملفات عدة، والتي لا تريد أن تفقد الورقة اللبنانية عند البازار الكبير لصالح إيران، بأن انتخاب الجنرال عون يحشر "حزب الله" ويرفع الغطاء المسيحي عنه، وقد يؤدِّي الى سحبه مع الوقت، بانفتاح مُمَنهَج نحوه، من تموضع محور الممانعة. وتم إقناع إيران في المُقابل بأن إيصال الجنرال للرئاسة وإبقائه تحت ضغط مُسلَّمات محور الممانعة قد يُبقي للحزب غطاءه المسيحي ويُبقي في يد إيران ورقة نافذتها الاستراتيجية على المتوسط، في حال أتت نتائج الانتخابات الأميركية مُعاكسة لمصالح إيران، كما هي اليوم مع انتخاب ترامب. تفاهم الأضداد في لبنان لم ينتج ابداً سلاماً واستقراراً. فالمشهديّة اليوم، دولياً وإقليمياً، تطغى عليها المواجهة، التأزُّم والتصعيد. فمنذ عقدين يعيش العالم بفعل تداعيات العولمة والليبرالية الراديكالية، حالة تفكيكيّة خطرة جداً. فكل منظومة العلاقات الدولية المُتفجّرة تسير نحو المجهول ويسود فيها خطاب الهويات بفعل سقوط اليسار الديموقراطي في أوروبا لحساب اليمين المُتشدّد، وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وضعف ألمانيا ميركل بسبب ملف المهاجرين وأزمة النظام التي تعيشه فرنسا وصعود الخطاب اليميني فيها. أما انتخاب الرئيس الأميركي الجديد من خارج السرايا التقليدية والضبابية والراديكالية الشعبوية التي تلف سياساته، فله تداعيات كبيرة في الشرق الأوسط المُفكّك بفعل الصراع السني - الشيعي فيه. فإسرائيل التي تعيش أزمة تنامي الخطاب الديني المُتشدد فيها، وكانت على حافة الانفجار في عهد أوباما، تتنفس الصعداء بانتهاء عهد هذا الأخير وهي تجد، مُجدَّداً، مع الرئيس ترامب، "الدرع الأميركية الحامية" التي فقدتها مع الإدارة السابقة. فالرئيس ترامب يعدها بنقل السفارة إلى القدس، ودفن "سلام الدولتين" وتفكيك الاتفاق النووي. ومع إضعاف تركيا العلمانية وتفكيك النسيج السوري والعراقي، يكمن التحدي الأكبر الذي ينتظر الجميع في المنطقة، في تحديد طبيعة الدولة وحوكمتها السياسية الدستورية. ففي حين يكثر الكلام، انطلاقاً من طغيان الخطاب الأقلوي، خطاب الخصوصية والهويات الطائفية، حول مشاريع الفيديرالية، التقسيميّة الطابع، التي قد تزيد وتُشرِّع وتقونن التفكك الحالي - وهذا ما يرشح في مشاريع الدستور المتداولة لسوريا - يبقى أن المطلوب وطنياً، في لبنان وسوريا، يكمن في إعادة تأسيس الدولة - الأمة الموحدة الديموقراطية المدنية التي تُعيد وصل ما انقطع وتحافظ دستورياً على جغرافية التنوّع بين كل المكوِّنات ضمن الوحدة الوطنية. فالطائف في لبنان قام على توازنات هذه الفلسفة الوحدوية والميثاقية وتم الانقلاب عليه مرة. فهل يتم الانقلاب عليه مجدداً من خلال قوننة فيديرالية الطوائف التي تتحكّم بالبلد إقطاعياً وبالمحاصصة، من خلال ثنائيّات مذهبية حوَّرت مسار الطائف، كان آخرها الثنائية "المسيحية"؟


باريس

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم