الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

صحة - حين استأصل فراس... ثديه!

ليال كيوان
A+ A-

"كانت الصدمة قوية، ولم تعد رجليَّ قادرتين على حمل جسدي، كان عليّ أولاً أن أتقبّل هذا الوضع... أنا مصاب بمرض أنثوي؟!"، هكذا يستعيد فراس الأوقات العصيبة التي مرّ فيها بعد تشخيص إصابته بسرطان الثدي.


لفترات طويلة، ساد الإعتقاد أنه لا يصيب غير النساء، لكن التجارب دائماً تدحض المعتقدات الخاطئة وتثبت الحقائق وتبيّن للمرء ما كان غافلاً عنه. سرطان الثدي لا يقتصر على النساء فحسب، بل قد يطرق باب الرجال أيضاً ويمكنه أن يبلغ مراحل سيئة جداً وصعبة تجبره أحياناً على استئصال ثديه تماماً كالمرأة.
لم يكن فراس، إبن الثامنة والثلاثين والموظف في أحد المصارف، يعرف أن سرطان الثدي يمكن أن يصيب الرجال أيضاً، مما ضاعف من حدة صدمته بعد سماعه لتشخيص الطبيب والذي لم يكن ينتظره.
قبل فترة طويلة، لاحظ فراس تكوّن عقدة في منطقة الصدر، لم يعر أهمية للموضوع في البداية، لكن منذ فترة قصيرة قصد الطبيب. وبعد القيام بفحوص عدة، تبيّن أن ما يعاني منه هو سرطان الثدي! ولأن الإكتشاف تمّ في مراحل متقدمة نوعاً ما، كان لا بدّ من عملية جراحية لاستئصال الثدي، كما ينبغي خضوعه لجلسات علاج كيميائي. "لم يكن ذلك سهلاً على الإطلاق، لا سيما أنني كنت أظن أن النساء فقط يصبن بهذا المرض. وعندما أطلعني الطبيب على أنه لا بد من استئصال ثديي، وقع عليّ الخبر كالصاعقة. صحيح أنّ ثدي المرأة هو رمز لأنوثتها وهي تتمسك به وبينهما علاقة راسخة ووطيدة وحميمة، إلاّ أن الرجل أيضاً ليس سهلاً عليه أن يستأصل ثديه، فهر عضو من أعضاء جسده إن فقده يفقد معه الكثير".
فراس لم يتقبّل الأمر انطلاقاً من المفهوم الإجتماعي السائد بأن سرطان الثدي لا يصيب إلاّ الرجال، فهو برأي المجتمع مرض نسائي أنثوي ولم يتطرق احد من قبل الى رجل أُصيب بالمرض، "وهذا جعلني أشعر أن في ذلك انتقاص لرجولتي وطعن لها في الصميم. كما أن استئصال ثديي جعلني أتأثر كثيراً لناحية التشوّه الذي سيصيبني وأيضاً مدى تأثر زوجتي وتفاعلها مع الأمر". كانت هواجس فراس منطلقة من عدم تقبّل ما حصل معه إذ اعتبره تغيّيراً في هويته، فلهذا المرض شقّ نفسي يرخي بثقله على الرجل ويتعبه ليس بآلامه فحسب، وإنما بما يسبّبه من مفاجأة وصدمة وتغيّرات جسدية.
ها هي العملية تقترب يوماً بعد آخر، وهواجس فراس تزداد وتتضخّم أيضاً. "كيف سيحصل ذلك؟ هل يُعقل أنني سأغدو من دون ثدي؟ كيف سيكون شكل صدري بعد العملية؟ كيف ستكون نظرة زوجتي إلي ؟ هل ستتقبل الوضع أم أنها ستكرهني؟ خصوصاً أنني اليوم أستشعر أنها بدأت تنظر إليّ نظرة غريبة مستهجنة كوني أصبت بمرض تصاب به النساء، أو على الأقل هذا ما افكّر فيه!"... أسئلة وأفكار يضجّ بها رأس فراس الذي لم يأخذ في اعتباره كذلك نظرة الناس اليه، "ماذا سيقول أصدقائي والباقون حين سيعلمون؟ كيف سأتمكن من النظر في عيونهم وسيظنون أنني فاقد لرجولتي بسبب إصابتي بمرض نسوي؟ وقد توارد ايضاً الى مسامعي بعض الكلمات التي تحدثت عن احتمال أن تكون بدانتي وصدري المنتفخ هو السبب وراء إصابتي بالمرض، إذ باتوا يقولون إنّ لي صدراً كصدر النساء وهذا ما جعل السرطان يقصدني".
ويعترف المقربون من فراس أنه يحتاج الى الإستعانة بطبيب نفسي كي يتقبّل ما يحصل معه، ويؤيّد ذلك الإختصاصي في علم النفس الإجتماعي الدكتور كمال بطرس، قائلاً إنه "ليس سهلاً القبول بالأمر، فالرجل الذي يجهل حقيقة المرض يرى فيه انتقاصاً لرجولته، لذا الإطلاع العلمي على المرض مهم جداً وقد يساعد المريض كثيراً في تغيير مفهومه له. وكذلك يؤدي الأهل والأصدقاء دورا ًكبيراً في التخفيف عن الرجل وجعله يتقبّل المرض كأي مرض آخر، فهو علمياً لا يقتصر على النساء فحسب وإنما يصيب الرجال أيضاً في أي وقت وأي ظرف".


كيف يصيب الرجال؟
وعن سرطان الثدي، يقول الإختصاصي في الأورام السرطانية البروفيسور فادي مروّة، إنه "حالة مرضية تنقسم فيها الخلايا بطريقة غير طبيعية ولا يمكن السيطرة عليها، وغالباً ما تؤدي إلى تشكيل الأورام السرطانيّة. ويُصاب الرجال بسرطان الثدي نفسه الذي يصيب النساء، أما الورم الذي يتطوّر في الأجزاء المسؤولة عن إنتاج الحليب وتخزينه فهو نادر جداً لدى الرجال. فثدي الرجل يتكوّن من مجموعة صغيرة من الأنسجة المشابهة لتلك التي تكوّن ثدي المرأة، كما أنه يشبه في تركيبته ثدي الفتاة قبل دخولها سن المراهقة. ويشير عدد من الإحصاءات العالمية، الى أن نسبة إصابة النساء بسرطان الثدي تبلغ 1% مقابل إصابة رجل واحد بالمرض من بين 10 ملايين رجل، والسبب أن كمية أنسجة الثدي لدى الرجال قليلة جداً وتفرز كميات أقل من الهورمونات، مثل الإستروجين المعروف بأنه عامل مؤثر في ظهور سرطان الثدي لدى النساء".


تشخيصه وأعراضه
تعتبر طريقة التشخيص واحدة بالنسبة الى سرطان الثدي لدى المرأة والرجل، مع الإنتباه الى مراعاة الفوارق في حجم الثدي ومدى وعي الرجل لهذا النوع من المرض ومدى تأثير ذلك في التشخيص المبكر وفاعلية العلاج. "فمعرفة علامات الإصابة بسرطان الثدي وأعراضه قد تسهم في إنقاذ حياة المريض، وكلما كان اكتشاف المرض مبكراً كلما كانت خيارات العلاج أفضل مما يزيد من فرص الشفاء"، بحسب مروّة.
أما تشخيصه لدى الأطباء، فيكون من خلال إجراء اختبارات تصويرية كالصورة الشعاعيّة للثدي والتخطيط فوق الصوتي (Ultrasound) وغير ذلك، بالاضافة الى الخزعة وإخراج عيّنة من الثدي.
"ومعظم أورام الثدي لا تكون خبيثة، إلاّ أن أبرز علامات السرطان زيادة تجمعات الورم داخل الثدي وغالباً ما تخلو هذه التجمّعات من أي ألم. ومن العلامات الأخرى، تغيّر في الحلمة أو في جلد الثدي مثل احمرار أو تقشّر أو انخفاضات في الجلد أو تجاعيد الى جانب بروز إفرازات أو دم من الحلمة".


العوامل المسبّبة له
تشير بعض الدراسات إلى أن التقدّم في العمر يؤدي دوراً مهماً في زيادة احتمال الإصابة بسرطان الثدي بين الرجال، علماً أنه قد يصيبهم في أي عمر كان. لكن يلفت مروّة الى أن "سبب نمو الخلايا المرضية لا يزال مجهولاً حتى الآن، غير أنه يوجد بعض الحالات التي تنتقل فيها بالوراثة، لذا يجب على الشخص أن ينتبه الى تاريخه الوراثي لمعرفة مدى إمكان وراثة جين غير طبيعي، إذ أثبتت الإحصاءات أن واحداً من كل خمسة مصابين له، قريب قد عانى من المرض نفسه.
من ناحية أخرى، قصور الجينات ليس السبب الرئيسي وراء السرطان بقدر ما يمكن أن يكون خضوع الجسم لتغيّر معين أدى الى الإصابة، كالتعرّض للأشعة في الصغر او أي سبب آخر وكلها أمور لا تنتقل بالوراثة.
ومن العوامل الأخرى التي تجعل الرجل عرضة لسرطان الثدي، قصور الجينات، إذ انه بين 5 و10% من الرجال المصابين يكون السبب قصور في جينات الثدي وهي الجينات المتخصصة بإنتاج بروتينات معينة تمنع الخلايا من النمو بطريقة غير سليمة، فإذا ما شابها أي خلل قد تتكون فيها الخلايا السرطانيّة.
ومن العوامل الأخرى، أمراض الكبد خصوصاً عندما يقلّ إنتاج هورمون الأندروجين وما يترتب عليه من زيادة في مستوى الأستروجين في الجسم مما يساعد على السرطنة، بالإضافة الى الوزن الزائد والإفراط في شرب الكحول".


ما هو العلاج؟
قد يبلغ الرجل مع سرطان الثدي حالاً تجبره على استئصال ثديه تماماً كما يحصل مع المرأة، إلا أن الأخيرة تقوم بعملية ترميم لثديها لأسباب تجميلية مما يصعب على الرجل القيام به، غير أنه يمكن نفخ الأنسجة أو حقنها، كما يمكن إعادة بناء الحلمة بزرع قطعة من جلد الجسم أو اللجوء إلى الوشم لإخفاء عيوب المنطقة. "وغالباً ما يتمّ اللجوء الى الجراحة لاستئصال الورم وفي بعض الأحيان الثدي بأكمله بسبب التأخر في الكشف عن المرض، إلاّ أنه قد يتمّ العلاج بالأشعة والعلاج الهورموني والكيميائي. وأثبتت الدراسات أن الفارق الأساسي في علاج سرطان الثدي لدى الرجال والنساء، هو أنهم وفي حال اكتشفوا المرض في وقت مبكر، يستجيبون في شكل أفضل إلى العلاجات الهورمونية مقارنةً بالنساء".


[email protected]

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم