الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

لنغلب اسرائيل بالسلام

زاهي جبرائيل
A+ A-

لبنان قلق هذه الأيام، قلق وغاضب. غاضبٌ لأن اسرائيل تستخرج نفطها من مناطقها البحرية، وقلق لأن الحقول النفطية لا تعرف حدودا، وبالتالي تتداخل مصالح الدول. لنستخرج نفطنا علينا أن نتعاون مع الشركات البترولية العملاقة ذات الاختصاص والتي تنسق في ما بينها كما أنها تستشرف سياساتها من ديبلوماسية دولها. سيأتي يوم، ولنفترض أن كافة مطالبنا قد تحققت، وهذا حق، وتتثبت حدودنا البحرية كما نريد، وأتتنا الشركات المختصة وسألتنا عن توقيع اتفاقيات حفظ مصالح في الحقول المشتركة بيننا وبين اسرائيل، اتفاقيات تحفظ حقوق الطرفين وتخفف المخاطر على الشركات، هل مَن سيوقع هكذا اتفاقيات؟ ومن سيحمي الموقعين من هجمات المشككين الذين متى أرادوا فسروا الاتفاقيات على أنها اذعان واعتراف بوجود العدو وهم لا يرون الا بالحرب سبيلاً لازالة اسرائيل من الوجود، مع أنهم بذلك يمنحونها قوة فهي كيان لا يعيش الا بالحرب؟


تاريخ اسرائيل مملوء بالتشتت والغربة والسبي والغلبة بينما معتقداتهم مبنية على أنهم شعب الله المختار. كل هذا جعل شعب اسرائيل يعيش دوماً في تجمعات مترابطة لها أسرارها، يسودها الخوف على المصير.يكابدون بكل الوسائل، لا هم ان كانت مشروعة أم لا، مسخرين كل السبل للبقاء لحين تأتي الساعة ويجيء المخلص المنتظر فتسود مملكتهم على كل الأمم. هو وعد الله لهم، كما يعتقدون.
من هم بناة اسرائيل الحديثة؟ انهم قوم فقدوا بالترغيب والترهيب عالمهم الخارجي مدفوعين لبناء عالم آخر. مُنِحوا المساعدات للنجاح في اقامة دولة، فحولوا عالمهم الجديد مشaروع حرب مؤلمة، وقد نجحوا في رسم صورة مخيفة في أذهان الخارج عن العرب، كما نجحوا في تكوين وضع مراوغ مبهم لاضاعة فرص السلام. ما يخيف اسرائيل ويحطم جبروتها هو السلام، السلام القوي والعادل. السلام يحولها دولة عادية، لا قضية لها لتُشغِل العالم وتبتزه. ما خافت اسرائيل من ياسر عرفات حاملا بندقيته، وقد استعملها في الداخل الاسرائيلي، بل خافت منه وقتلته لما رفع غصن الزيتون ودعا الى سلام الشجعان العادل. خافت منه لأنه بدعوته هذه سعى لتغيير الذهنية الدولية وتظهير صورة جديدة عن العرب في مخيلة المجتمع الدولي.
ما هي دولة اسرائيل؟ انها ستة ملايين انسان. لنقل أنهم بعد خمسين سنة أصبحوا عشرة ملايين، بل خمسة عشر مليونا. أكد رئيس المنظمة الصهيونية العالمية حاييم وايزمان في رسالته سنة 1920 الى رئيس الوزراء البريطاني لويد جورج أن تطلعاتهم برسم حدود الدولة التي يريدون ليس بالضرورة أن تنبع من الخطوط المذكورة في التوراة، بل ما يحددها، حسب ما قال، هي تطلعاتهم الى حياة اقتصادية عصرية. هل مِن العرب من لا يعترف بوجود هؤلاء الستة ملايين على أرض فلسطين؟ هل من العرب أو غير العرب من له القدرة في القريب المنظور على اعادتهم الى حيث كانوا في دول الشتات، ولا أريد أن أقول افنائهم؟ اذاً لنجبه اسرائيل ونغلبها بالسلام. لنمنحها تطلعاتها الى حياة اقتصادية عصرية، كما طالب وايزمان. هذه الفكرة التي قد تكون مطلب الكثير من اليهود، كما أنها مطلب المجتمع الدولي، هذه الفكرة تُرهب فكر حكماء الصهيونية وما انفكوا يعدون العدة لضرب هذه الفكرة وافشالها. لن يتمكنوا من ضرب مشروع سلام عادل بالصواريخ والطائرات، انما بخبثهم وبخلاياهم النائمة، خلاياهم بين رجال أعمالنا الجياع النفوس وبين المجتمعات الاقتصادية والأكاديمية والاعلامية والسياسية والمدنية.
متى العرب يجتاحون اسرائيل بالسلام؟ متى درسوا تاريخها ومعتقداتها؟ متى درَسوا لغتها في مدارسهم، وتعمقوا في فهم الذهنية الصهيونية واستعدوا لأفخاخها؟ متى تطور فكرهم صدقاً بالعدالة والمساواة والشفافية والعلم والمحاسبة فالديموقراطية والحرية وتنشئة صحيحة للأجيال الطالعة؟ فلا شعب يصنع سلام الشجعان الا شعب يسود قلبه السلام.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم