السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

هل يلتزم مانحو الحكومة الثقة التزاماتهم؟

روزانا بومنصف
روزانا بومنصف
هل يلتزم مانحو الحكومة الثقة التزاماتهم؟
هل يلتزم مانحو الحكومة الثقة التزاماتهم؟
A+ A-

لم تحظ حكومة الرئيس سعد الحريري بالثقة التي حظي بها تكليفه رئاسة الحكومة، أي بـ110 أصوات، على رغم انضمام نواب "حزب الله" الى إعطائها الثقة، في حين امتنعوا عن تسميته رئيسا للحكومة. كان المفترض وجود "أصدقاء" للرئيس الحريري تغيبوا عن جلسة الثقة، أو لعلهم رغبوا في إيصال رسائل معينة لم تغب عن مواقف بعضهم، علما أنه كان يفضل حضورهم وإبداء ملاحظاتهم على قاعدة التنبيه والتحذير من ثغر لا يمكن إغفالها، فضلا عن أن تشكيلة الحكومة تركت وراءها حلفاء سابقين وتخلت عن بعضهم، فيما لا تشكل في مضمونها الحكومة المرجوة التي توحي الثقة في ظل محاصصة معلنة وصريحة لم يتطوع أي من الأفرقاء السياسيين لإخفائها. ولذلك فإن عدد الأصوات الذي نالته الحكومة يبقى مرتفعا نسبيا ومفهوما، نسبة الى أنها ليست التشكيلة الافضل في رأي أكثر من مصدر سياسي على مستويات عدة، وإن يكن المجال ليس لتفنيد ذلك. لكن المهم بالنسبة الى مصادر سياسية أن من أعطى من الافرقاء السياسيين الثقة بقوة للحكومة، وهم من الافرقاء المؤثرين سلبا او ايجابا كما اثبتت التجارب السابقة، يجب ان يلتزموا بيانها الوزاري وما وعد به رئيسها، انطلاقا من ان التزامهم الحد الأدنى مما ورد في هذا البيان يمكن ان ينقل البلد من حال الى حال مختلفة كليا، وعلى مستويات عدة تبدأ بالأساسيات كالكهرباء وتمر بالقروض الميسرة الكثيرة التي يحتاج اليها لبنان بقوة، وعرقلها في السابق عناد وزراء وتعنتهم، وصولا الى موقف موحد يساهم في تخفيف عبء موضوع اللاجئين السوريين عن كاهل لبنان، مما يخفف من حال الاحتقان في البلد انطلاقا من ان التركيز على قانون الانتخاب وضرورة الوصول الى قانون انتخاب جديد لا يختصر حال البلد ولا حتمية انقاذ وضعه الاقتصادي على رغم الاهمية التي يتسم بها هذا القانون والرهانات القوية على التوازنات التي سيفرزها بنتيجته.


ركزت الرسالة الابرز التي وجهها رئيس الحكومة سعد الحريري في رده على مناقشات النواب للبيان الوزاري لحكومته على محاولة دحض التشكيك في المناخات الإيجابية التي سادت منذ انتخاب رئيس جديد للجمهورية وتأليف الحكومة ثم نيلها الثقة من مجلس النواب، وهي خطوات لم تكن منتظرة أو متوقعة في أي حال نتيجة فقدان الثقة لدى اللبنانيين بالطبقة السياسية وبأهدافها ومصالحها. فالرئيس الحريري لم يطلق عبثا على حكومته "حكومة استعادة الثقة" لولا ادراكه ان الثقة معدومة كليا وان ثمة حاجة الى التوجه للبنانيين من أجل إعادة كسب ثقتهم أو ترميمها على الأقل، مما يبرر الى حد كبير محاولات دحض التشكيك. ذلك ان التلاقي السياسي الذي حصل بتسوية أدت الى انتخاب العماد ميشال عون رئيسا وتسلم الحريري رئاسة الحكومة تركت مواطنين كثرا على ضفاف اصطفاف ليس سهلا كسره، ولو حصل هذا الكسر على المستوى السياسي، وهو يحتاج الى إجراءات بناء ثقة حقيقية من أجل طمأنة الناس الى أن لا فخاخ سياسية تنصب في مكان ما، وفق ما يعتقد كثر أنه سيحصل في وقت من الاوقات قياسا على تجارب سابقة لا تزال حية في أذهان الكثيرين، بحيث ان التشكيك لن يتوقف عند ما يمكن الحكومة ان تنجزه في ظل تركيبة تضم تضادا قويا في مسائل جوهرية عدة، ولا عند ما يخشى كثر أنه مرحلة ضرورية يحتاج اليها لبنان، لكنها ليست مرحلة حلول في انتظار ما تسفر عنه التطورات في المنطقة. وما لم تتضح معالم هذه التطورات واتجاهاتها، تخشى شخصيات سياسية أن تبقى التسوية موقتة وهشة ويمكن الانقلاب عليها بسهولة، ومن هنا الخشية من التنازلات التي قدمت في تأليف الحكومة نوعا وكمّا على نحو لا يؤسس لاطمئنان قواعد شعبية مهمة.
إلا أن هناك في المقابل من يعتبر أن وجود رئيس للجمهورية وحكومة جديدين ومجلس نواب يمكنه ان يجتمع، هي عوامل أفضل من المرحلة السابقة انطلاقا من أن الواقع الجديد يمكن أن يدرأ عن لبنان بعض أوجه العاصفة الاقليمية التي يواجهها، وان نسبة الخطر التي تتهدده انطلاقا من ذلك باتت أقل، ولو انها لم تنتف كليا. ولا نقاش في أن الرئيس الحريري قدم شخصيا تضحيات كبيرة للوصول الى ما وصل اليه الوضع، وهو لم يرض كثرا، بالاضافة الى أن هناك من يخشى عليه كما هناك من يخشى تداعيات الواقع الجديد على اتجاهات قد يؤخذ اليها البلد. وما قد يسهل نسبيا مهمة الحريري في طمأنته الناس الى المرحلة الجديدة، هو الرسائل المماثلة التي يوجهها أفرقاء آخرون ولو بطريقة مختلفة، انما يتشارك الجميع في إعطاء انطباعات ايجابية واظهار انفتاح بدا في المواقف الاخيرة لمسؤولي "حزب الله" كما في المواقف الهادئة لرئيس الجمهورية. وإذا كان ثمة من يدفع للرهان على الإيجابيات في ظل ما بات أمرا واقعا جديدا، فإن علامات الاستفهام الكبيرة ستبقى قائمة في انتظار أن تظهر ملامح التعاطي الايجابي فعلا لا قولا فقط في عمر الحكومة القصير نسبيا، ولا سيما ان البلاد مقبلة على انتخابات نيابية جديدة سرعان ما ستظهر فيها التناقضات والحسابات المختلفة والمتضاربة.


[email protected]

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم