الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

مسرحيّة "إنتَ عمري" لروان حلاوي في "مترو المَدينة"... الجَسد هذه الحَديقة المؤلّفة من الخيبات!

المصدر: "النهار"
هنادي الديري
هنادي الديري https://twitter.com/Hanadieldiri
مسرحيّة "إنتَ عمري" لروان حلاوي في "مترو المَدينة"... الجَسد هذه الحَديقة المؤلّفة من الخيبات!
مسرحيّة "إنتَ عمري" لروان حلاوي في "مترو المَدينة"... الجَسد هذه الحَديقة المؤلّفة من الخيبات!
A+ A-

الجَسَد لا يَعرِف الكَذِب، ونادِراً ما يَنجَح في طيّ صَفحة خَيباته المَحتومة التي جَمَّعها ذكريات "مَفطورة" على التَنهيدات... وبعض حَسرة. ومَع ذلك غالِباً ما نَعيش علاقة غَريبة وغير واضِحة في مَلامِحها مع هذا الجَسَد الذي يَشغلنا ويَدفَعنا أحياناً إلى خَلق رواية شَخصيّة نَستوحيها من "مُنحنياته".
على خَشَبة فُسحَة "مَترو المَدينة" الثقافيّة والفنيّة، قَدّمت روان حلاوي، لبعض أُمسيات (ستَتكرّر في العام الجَديد – وبإلحاح من الجَمهور –) مَسرحيّة "إنت عُمري" التي كَتَبَتها وأخرجتها وهي المُمثّلة المحوريّة والوَحيدة فيها.
وطوال 45 دَقيقة لا تَتخلّلها لَحظة واحِدة من الرَتابة أو المَلل، تأخذنا هذه الفنّانة المُتعدّدة الموهبة، نحن الذين إختَرنا أن نَمضي مَعها أُمسية لم نَتوقّع أن يَكون تأثيرها بهذا الحَجم، في رِحلة قَصيرة ومُكثّفة في آن، إلى يوميّات راقِصة شَرقيّة تَتقدّم في العُمر وتَعيش صِراعاتها الداخليّة الناجِمة عن خياراتِها، فإذا بِشخصيّات من ماضيها ومن خيالها تَزورها لتَتصادَم مَعها، لتَسكُنها، لتُحَرِّك هواجسها الوجوديّة، ولِتَروي من خِلالها سيرة حياة لم تَكن يوماً هانِئة في تَصميمها.
ليَفهَم الجمهور في نِهايَة العَمَل المُتقَن، بأن هذه الراقِصة التي ضّحت بكل شيء من أجل فنّها، تَغوصُ في الواقِع، في أروِقة المَرَض النَفسي، وتُعاني تَحديداً من إنفِصام في الشَخصيّة... وهؤلاء "الزوّار" الذين تمكّنوا من السَيطَرة على كيانها، غير موجودين خارِج إطار مُخيّلتها المَريضة... وهذا الفوز الساحِق على الواقِع المُخيّب للآمال!
شبابها لن يَتجدّد، وخياراتها حدّدت مصيرها. عَبَثاً تُحاوِل أن تُقنِع نَفسَها بأن خياراتِها كانت مَنطقيّة وبأن هذه "الحَديقة" من الخيّبات غير قادِرة على تَسييج عالمها، وعَبَثاً أيضاً تُحاوِل أن تَتخطّى هؤلاء الزوّار الذين لا يَدعونها تَعيش بسلام.
هي عاشِقة مُتيّمة بجَسدها، ولكن هذا الجَسَد بمكانَته العالية، كان أيضاً، وكما سيَفهم الجُمهور مع مرور الّلحظات وتتالي المَشاهِد، مَصدر رُعبٍ حقيقيّ لها وكان وِسادة طريّة ومُريحة للعُنف... وما بين الهواجِس ولقاءاتِها التمهيديّة مع الجُنون، والواقِع بنزواتِه ونوبات ألمه، تَخرُجُ القصّة إلى النور. والجمهور يُصفّق لعمل "أنت عمري" من الناحية الفنيّة ويُلقي التَحيّة لـ45 دَقيقة من الجُنون الّلذيذ والخانِق في آن... ويُصفّق أيضاً لقدرته على البَوح بأن علاقتنا بالجَسَد لن تكون يوماً سَهلة وهي في الواقع الإمتداد البديهيّ لعلاقتنا بأنفُسنا... وهي علاقة أشبَه بحَديقة جميلة مؤلّفة من الخَيبات!


[email protected]









 

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم