الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

الوزارة وتحدياتها

مروان اسكندر
مروان اسكندر
A+ A-

تأليف الوزارة حدث يستوجب التفاؤل، ذلك ان التوقعات التي خيمت على آمال اللبنانيين كانت سوداوية، وهجرة الشباب المتعلم على تزايد، ووجهات السفر تعددت ولم تعد محصورة ببلدان غرب أفريقيا وبلدان الخليج العربي.


ولعل من اسباب الترحيب بالوزارة تبديل بعض الوزراء. فهناك وزراء جدد منهم وزير الاقتصاد، ووزير الطاقة، ووزير الاتصالات، ووزير الاصلاح الاداري يمكن توقع نجاحهم في اختراق الصعوبات التي أحاطت بزملائهم السابقين، والترحيب يشمل ايضًا الوزير المخضرم مروان حمادة الذي اصبح قيمًا على إحدى أهم الوزارات. فوزارة التربية ومؤسسات التعليم العام، الابتدائي، والثانوي، والمهني والجامعي في حاجة الى ترميم معنوي وتطوير للمناهج وطاقات المدرسين. وفي تقويمنا لما هو مهم، ولما هو الاهم في لبنان، نجد ان الاصلاح التربوي، وتطوير المناهج، واختيار الاساتذة المقتدرين والمنفتحين على التطورات العالمية، أهم من أي قضية تشغل الرأي العام بسبب مواجهة الناس يوميًا المشكلات البيئية والمعيشية مثل معضلة معالجة النفايات التي لا تزال عالقة انما تبدو مخفية ولو الى حين.
لا بد من تصور أولويات للحكم، وتصور كهذا يفرض تقديم ما هو ملح وقابل للتطوير على ما هو على المستوى ذاته من الالحاح انما علاجه يستوجب انقضاء زمن ليس بقصير.
نبدأ بالطبع بالاشارة الى مشكلتين يمكن معالجتهما في وقت ليس بطويل. المشكلة الاولى قضية النفايات وما يتعلق بها من تلويث للأنهر ومياه البحر والاجواء. فالنفايات التي تعكر مزاج المواطنين وتضر بصحتهم يمكن معالجتها بانجاز خمسة معامل تشبه المعمل القائم في صيدا، والذي انجز باستثمار خاص. ولهذا المعمل طاقة توازي 500 طن يوميًا، وتكاليفه بلغت 50 مليون دولار، واستغرق انجازه 18 شهراً.
اذا انجزنا خمسة معامل ذات مواصفات مشابهة بطاقة 700 طن لكل معمل وكلفة 70 مليون دولار، نكون قد جهزنا أنفسنا بمعامل للمعالجة تكفي لحاجات لبنان في مختلف المناطق. وينتج من هذه المعامل الخمسة 750 طناً من الاسمدة يمكن تسويقها في لبنان أو خارجه، و500 طن من حبيبات البلاستيك التي يمكن استغلالها في صناعة قناني المياه، وقرابة 80 ميغاوات من الكهرباء التي يمكن تخصيصها للحاجات العامة للمدن أو القرى التي تنجز في محيطها المصانع. ومن اجل تبيان المنفعة الاقتصادية نشير الى ان كلفة تجهيز 80 ميغاوات في معمل لانتاج الكهرباء تبلغ على الاقل 80 مليون دولار، كما ان صادرات الاسمدة وحبيبات البلاستيك على سنتين تكفي لاطفاء تكاليف انجاز المعامل الخمسة. وخلال 18 شهرًا يمكن جمع وطمر النفايات كما هو حاصل حالياً.
الامر الثاني الاكثر الحاحاً تأمين المياه للمشتركين، وخصوصاً في المدن، حيث باتت صهاريج توزيع المياه تشكل بحد ذاتها مشكلة للسير، وموضوع المياه أسهل من غيره، على رغم صدور تقرير لخبير مفاده أن المياه الجارية وحتى مياه الشرب ملوثة بأكثر من نسبة 90 في المئة.
توافر المياه متوقف على تساقط المطر، لكن تأمين المياه للمواطنين، سواء لحاجاتهم المنزلية، أو الزراعية، أو في مجالات التصنيع أمر يتوقف على مستوى شبكات التوزيع ومدى صلاحيتها وعدم تسببها بالهدر والتلوث، وهذه الامور بحد ذاتها تتوقف على نشاط مصالح المياه وأعضاء مجالس ادارتها. والوضع كما هو لم يشهد أي تطوير منذ سنوات، والتعويضات التي تدفع لأعضاء مجالس ادارات مصالح المياه هي نفقات مهدورة بنسبة 90 في المئة، علماً بان تعويض نهاية الخدمة لرئيس مصلحة مياه ذات حجم معتدل قد يبلغ 300 الف دولار، وهو تعويض لعدم تحقيق المنفعة. وفي الاصل اذا كانت مصالح المياه حقًا حريصة على شؤون المواطنين، يجب تعديل تشكيلات مجالس ادارتها دورياً، ولسوء الحظ ان التمديد لمجلس النواب افسح في اهمال ضرورات التزام قوانين تقدير مسؤوليات ادارة مصالح المياه، ومجلس النواب نظرياً أرقى وأعلى هيئة لتمثيل حاجات المواطنين. والمياه أهم ثروة أعطيت للبنان، براً وبحراً وربما نتيجة توافر هذه النعمة، اهملناها كما نحن نهمل محاسبة المسؤولين بشكل منتظم وقانوني ورادع.
القضية الثالثة المفترض معالجتها في أسرع وقت تتمثل في اختناق حركة السير ومعاناة اللبنانيين الازدحام، سواء في بيروت أو في المدن الرئيسية الاخرى في لبنان. والواقع ان عدد السيارات سواء للبنانيين أو للسوريين، بما في ذلك الشاحنات، ربما فاق المليوني سيارة، وليس في الامكان تطوير شبكة الطرق لاستيعاب هذا العدد الهائل من السيارات، كما أن انجاز الطرق والجسور والفواصل، وتوفير قوى الامن بالاعداد الكافية لضبط السير، بعيدان عن التحقيق في وقت قريب.
يحتاج لبنان الى خطة متكاملة للنقل الارضي، وتوزيع للمرافئ كي لا يتسبب أي مرفأ باختناقات سير مخيفة، كما هو حال مرفأ بيروت. وثمة حاجة الى تشغيل مطار رينه معوض كما الى زيادة حركة مرفأ طرابلس، وتشجيع النقل العام، وحتى عبر تحسين خدمات الهاتف والانترنت، تشجيع تأسيس الشركات والمؤسسات وتركيز مكاتبها خارج بيروت. مشكلة السير والاختناق، وما ينتج منها من اضرار بيئية وصحية، تحتاج الى تخطيط وتنفيذ مدى سنوات.
هنالك خطوة ذات اهمية بادر الى اطلاقها وزير الداخلية الا وهي استعمال لوحات للسيارات ذات مواصفات تقنية تربط بين اللوحة وأرقام تصنيع السيارة ويمكن قراءة رقم السيارة وتسجيله في حال المخالفة بسهولة.
أهمية الخطوة انها ستفرز السيارات الشرعية عن غير الشرعية ويمكن حينئذٍ ضبط واتلاف السيارات غير الشرعية وهذه الخطوة ستسهم الى حد بعيد في ضبط السير وفي ترسيخ التزام القانون ومستوجباته، والمهمة أعطيت لشركة لبنانية تتولى منذ سنوات طباعة دفاتر شيكات المصارف تفادياً لتزويرها وقد أثبتت نجاحها في لبنان وعدد من البلدان الافريقية.
تبقى هنالك مشاكل عدة أخرى لا بد من تناولها بالتعليق في مقالات لاحقة.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم