السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

صادق جلال العظم: قاتَلَ الوثنية الإسلامية

المحامي عبد الحميد الأحدب
A+ A-

ثلاثة كتّاب سوريين من الصف الأول قلّعوا الشوك بأظافرهم ليخطّوا الطريق الى عصر النهضة العربية الذي كلما تقدّمنا اليه خطوة بانَ بعيد المنال أكثر فأكثر. نزار قباني الشاعر وفيلسوف إنسانية المرأة العربية، وغادة السمان كاتبة الرواية الإنسانية العربية الاجتماعية، ثم صادق جلال العظم الذي غادرنا منذ أيام!
ومع صادق جلال العظم ذكريات تبدأ في بيروت أول السبعينيات حين انقضَّ رجال الدين عليه لإخراجه من لبنان بسبب كتابه "نقد الفكر الديني"، فتصدّى كمال جنبلاط للحملة وحماه وأبقاه في بيروت، وأبقى بيروت عاصمة الحرية والكلمة الحرة، ولكن الى حين!
عاش في مرحلة يحتضر فيها القديم ولا يستطيع الجديد أن يولد بعد! وناضل في هذا الفاصل الذي فيه اعراض مرضية اجتماعية وسياسية كثيرة وعظيمة في تنوعها! وحمل فكره الحضاري التحديثي العصري، استاذاً في الجامعات الأميركية في اميركا وفي بيروت وفي دمشق وفي الأردن وفي المانيا.
كتب أكثر من 15 مؤلفاً أهمها "نقد الفكر الديني" و"ذهنية التحريم"، إذ انبرى يدافع عن سلمان رشدي حين صدرت فتوى الإمام الخميني بقتله لكتابته "آيات شيطانية"، فشرح دور الروائي ودافع عن حريته الأدبية وكتب "ذهنية التحريم". وهو كان أول المؤيدين للثورة الإيرانية، معتقداً أنها ثورة الحرية، ولكنها حين كشفت عن أنيابها الإستبدادية السلطوية الدينية كفر بها وانتقدها!
أحبّ عبد الناصر، واعتبره منقذ الأمة العربية، فلما حصلت النكسة سنة 1967 تجرأ على نقد الإستبداد وغياب الحرية وغياب الديموقراطية فكتب: "النقد الذاتي بعد الهزيمة". واعجاباً بالثورة الفرنسية كتب "أثر الثورة الفرنسية في عصر النهضة".
وكان واقعياً في نظرته الى التخلف في الإسلام، ومن واقعيته شقّ طريق النهضة والإصلاح، باحثاً عن اسلام عصري يخرج من التخلف. وكان يرد على دعاة القطيعة المطلقة مع الغرب فيقف مع الدعوات الحضارية الإسلامية لإلغاء الرّق في الإسلام وإلغاء الرَّجم والجَلد. ويقول عن تجربة الغاء الرّق في موريتانيا:
"وفقاً للأنباء المتسربة من موريتانيا أخيراً يبدو أن البلد يعاني حالياً من صراع داخلي بسبب مؤسسة الرق والمحاولات الجارية لإلغائها. يبدو كذلك ان القطاع الحديث و"المتغرب" (اللجنة العسكرية للخلاص الوطني) هو الذي اتخذ القرار بإلغاء العبودية، مما يشكل قطعاً مع الموروث الثقافي الإسلامي، وان القطاع التراثي العضوي في المجتمع هو الذي يقاوم هذا الإجراء التحديثي ويطالب الحكومة بدفع التعويضات لسادة العبيد (وليس للعبيد طبعاً). والعبد الذي يهرب من سيده يعاد اليه قسراً استناداً الى فتوى إسلامية رسمية ملزمة. (انظر "السفير"، 7/7/1980).
وانبرى يتصدّى ويرد على الحملة التي شنّها الرئيس الإيراني أبو الحسن بني صدر على ممارسة التعذيب مجدداً في السجون الإيرانية، وقتها أعلن آية الله خلخالي "أن الجلد عقوبة نصت عليها الشريعة الإسلامية ولا علاقة لها بالديموقراطية الغربية والليبرالية ولا يسمى ذلك (أي جَلد السجناء وضربهم) تعذيباً". (انظر خطاب بني صدر بمناسبة يوم عاشوراء 19 تشرين الثاني/ نوفمبر 1980 و"السفير"، 1/12/1980).
ويرد العظم على دعاة القطيعة مع الغرب فيقول إن الحكم الجمهوري والإستفتاء الشعبي هما من المؤسسات الديموقراطية الغربية ومحو الأمية، كما التعليم الإلزامي والصحافة والفنون التشكيلية وتحديد ساعات العمل وكرة القدم الخ... جميع هذه العناصر غربية المنشأ وحديثة الإنتقال الى العالم الإسلامي، وتغلغلت بصورة أو بأخرى في نسيج الحياة العربية والإسلامية السياسية والإجتماعية والثقافية والفكرية.
ويتساءل العظم: "هل تعني دعوة الإسلاميين الى القَطع مع الغرب اقتلاع كل هذه العناصر الغربية المنشأ التي تغلغلت في نسيج الحياة العربية والإسلامية، وماذا يبقى اذذاك؟ ويضيف أن "هذه مؤسسات الديموقراطية الغربية التي ابتدعتها البورجوازية الأوروبية واستخدمتها الثورة الإسلامية في ايران بكثافة. وليس معروفاً أن الموروث الإسلامي الأموي – العباسي - الفاطمي - العثماني قد فكر في يوم من الأيام بالإستفتاء الشعبي لبت أي قضية تمُتُّ بصلة الى الحكم أو السلطة أو ما شابه ذلك. وتصدى لدعوة القذافي الذي اعتبر أن العروبة هي الإسلام ودعا المسيحيين الى التخلي عن دينهم، فردّ عليه بقسوة، وسأله: ماذا لو أقدمت انديرا غاندي مثلاً على طرح تحليل مشابه يوحّد بين الديانة الهندوسية والقومية الهندية، فماذا يحصل لمسلمي الهند؟ وكان آخر من وجه اليه نقده اللاذع هو نظام بشار الأسد. ورغم أنّ الإسلام اقتلع الوثنية وصفى قواعدها، إلاّ أنّ الوثنية الفكرية بقيت صامدة وبقي الوثنيون يحكمون الفكر الإسلامي والعربي ويسيطرون على حركته.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم