الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

مزيد... وماذا بعد؟

راشد فايد
A+ A-

كل التفاسير لمعاني ولادة الحكومة الثلاثينية ومغازيها صادقة وصائبة من وجهة نظر صاحب أي منها. فروما لناظرها من فوق غيرها لناظرها من تحت. فبعض يراها نصراً لـ "الممانعة" وآخر يجدها منجاة للبلد من الموجة الدموية التي تشعل المنطقة. ومن كل التساؤلات التي أطلقتهاالتشكيلة، فإن أصوبها هو عما بعد الولادة، وإلى أين ستقود هذه الحكومة، بعمرها غير المديد، مبدئياً، بلداً يختلف كل شخص فيه مع ذاته، قبل أن يختلف مع الآخرين، ويسترق النظر إلى الخارج، ويتسول رأيا، قبل أن يشاور أهله.
ظروف الولادة واضحة، إقليمياً. نجح النظام السوري في الخروج من المخبأ، بعدما استعان بكل قوة وجدت في دعمه مصلحة لها: من إيران مهندسة "الهلال الشيعي"، وحلف الأقليات، الى موسكو وحلمها بالعودة الى صف المتميزين بين قوى العالم، فلا تكون موازية لأوروبا في القدرات، إن لم تكن ندا لأميركا، وطليعة شروط ترفيعها استعادة نفوذها الشرق الأوسطي.
تحت ظلال الطموح الروسي، واستماتة الحرس الثوري الإيراني، وزبانيته من ميليشيات شيعية، من كل حدب وصوب، استعاد نظام آل الأسد القدرة على ادعاء النصر والزهو، وتذكر ادعاء القوة والهيمنة والنفوذ. لذا لم يكن مصادفة تنطحه لـ"ينعم" على الرئيس اللبناني الجديد بصفة الوطني، على عادة النظام في "منح" بركته لمن يغدق عليه بهذه الصفة.
لم يكن في الأمر مصادفة، فالتصريح وزيارة مفتي النظام لبعبدا، بعده، كانا إعلانا الى خارج الحدود، تحديداً الى لبنان، "اللواء المتمرد" في الأدبيات السورية، مفاده "اننا عائدون"، على الأقل سياسياً.
قد يرى بعض في تشكيلة الحكومة ترجمة لما يضمره بشار الخارج من نفق الضياع، إلى حلم استعادة الوصاية، لكن ذلك يلقي مسؤولية واضحة على اللبنانيين، لا سيما أهل الممانعة المزعومة: هل يريدون عودة احتلال بشار قرار لبنان وأرضه، وحاضره ومستقبله، والتحكم في أبنائه، وطموحاتهم؟
ربما آن الأوان لتعريف العدو. هل هو فحسب من يحتل الأرض كإسرائيل، أم أيضاً كل من يهيمن، أو يسعى إلى الهيمنة، على القرار الوطني، ويرتهن السلم الأهلي، بزعم الأخوة، ويتحكم في مصير لبنان واللبنانيين، جماعة وأفرادا، وإن كان شقيقا أو صديقا، ويستخدم الجميع وقوداً لأهدافه؟
وقائع ما عاشه الشعب السوري وما دفعه من أثمان، لا سيما في المسار السلمي لثورته، تفضح مدى استعداد النظام وصاحبه للتضحية بالناس من أجل الاستمرار حاكما مطلقا. ومن لا يتورع عن قتل شعب وطنه بالبراميل المتفجرة والكلور والكيميائي، لن يتردد في أن يساوي اللبنانيين بأهله، حين يحتاج. ولمن يحاجج بالضد يكفيه أن يراجع وقائع الاحتلال الأسدي، ويتذكر كيف أن كثيرين من اللبنانيين اغتيلوا بإحدى وسيلتين: إما قتلا مع كرامتهم، أو حياة مع ذل التبعية وهوان الكرامة.


[email protected]

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم