الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

عنف الطوائف وتواطؤ الدولة

الأب جورج مسّوح
عنف الطوائف وتواطؤ الدولة
عنف الطوائف وتواطؤ الدولة
A+ A-

المرأة اللبنانيّة تظلمها المحاكم الشرعيّة والروحيّة. هذا، للأسف، بات من البديهيّات المؤلمة التي تتناقض وما يقوله أهل الأديان عن أديانهم من أنّها جُعلت رحمة للناس ورأفة من لدن الله تعالى. أمّا أن تُظلم المرأة وتُنكر حقوقها في قوانين بلادها فهذا ينمّ عن أزمة أخلاقيّة كبرى، تؤدّي فيها الطوائف دورًا أساسيًّا للحطّ من دورها ومكانتها في التنشئة. لذلك نرى أنّ الدولة والطوائف تتواطأ في هدر حقوق المرأة.


الدولة اللبنانيّة، التي تتنامى فيها الطائفيّة إلى حدّ الهذيان القاتل، تخلّت عن جزء من سيادتها حين جعلت الأحوال الشخصيّة وأحكامها في يد الهيئات الطائفيّة. وينبغي ألاّ ننسى أنّ القضاء هو جزء لا يتجزّأ من سيادة الدولة. وبذا تكون الدولة قد أنكرت حقًّا بديهيًّا من حقوق الإنسان، أن يختار الإنسان الصيغة التي يرتأيها لزواجه. لذلك من واجب الدولة، المسؤولة عن حماية مواطنيها، أن تشرّع الزواج المدنيّ كي تسترد بعضًا من سيادتها.
الدولة اللبنانيّة، بحرمانها المرأة اللبنانيّة المتزوّجة من غير لبنانيّ، تمنع المرأة من أن تكون مواطنة كاملة. ففي هذه الحالة تؤدّي المرأة كلّ واجباتها لكنّها تُحرم من المساواة في الحقوق. وبذا تكون الدولة قد انتهكت مواطَنة المرأة اللبنانيّة وجعلتها مواطنة من الدرجة الثانية. أمّا السبب الذي يتذرّع به بعضهم فهو المحافظة على التوازن الطائفيّ. يا سادة! حقوق المرأة أهمّ من توازناتكم الطائفيّة التافهة.
عندما يُمارس العنف الزوجيّ إلى حدّ القتل، نقوم نستنكر ونرفع الصوت. لكنّ الدولة شريكة في هذه الجريمة حين لا تلتفت إلى معاقبة الجناة بما تستوجبه جريمة القتل من عقوبات. لكن، أيضًا، أليس إنكار حقّ المرأة اللبنانيّة بمنح الجنسيّة لأبنائها هو بدوره عنف ضدّ المرأة؟ أليس عدم تشريع الزواج المدنيّ هو، أيضًا وأيضًا، عنف ضدّ غير الراغبين بالزواج الدينيّ؟ هذا العنف كلّه يُمارس باسم الأديان والطوائف، والدولة متواطئة.
ينبغي ألاّ ننتظر المؤسّسات الدينيّة أن تغيّر ما ليس بمستطاعها، الآن، أن تمسّه أو أن تعدّله. وهذا ليس تبريرًا لها، بل هو تعبير عن يأس مقيم. فهي، بصراحة، مرتاحة إلى السلطة التي تمارسها على المجتمع، ولن تتخلّى عنها بيسر. لذلك من واجب الدولة أن تحمي المواطنين عبر العمل على كفّ يد السلطات الدينيّة عن وصايتها على المجتمع.
لن يكون لدينا دولة محترمة طالما أنّ حقوق الطوائف أقوى من حقوق المواطنين.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم