الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

حُسمت رئاسياً...هل تُحسم حكومياً؟

ريـمون شاكر
A+ A-

أخيـراً، وبعد سنتيـن وخـمسة أشهر من الإنتظار والتـردّد والـخوف، وبعد أن وصلت الأمور إلى حافة الـهاوية، وإلى حالة من الشلـل والإنـحلال فـي كل مفاصل الدولة، واستشراء الفساد فـي كل الوزارات والـمؤسسات، واجتياح الفقر والعوز والإفلاس بيوتاً كبيـرة وشركات... وبعد "قبة باط" سعودية تركت الفريق "الأزرق" "يقلّع شوكه بيديه" مـحمّلةً إيّاه مسؤولية خياره، أعلن الرئيس سعد الـحريري قراره تأيــيد ترشيح العماد ميشال عون لرئاسة الـجمهورية، متخطياً كل الصعوبات والإعتـراضات التـي واجهته من نواب كتلته ومن الشارع السنـي الـممتعض والـمحبط من هذا الـخيار. البعض اعتبـر ما أقدم عليه إستسلاماً وتسوية مذلّة، والبعض الآخر إنتحاراً، أما هو فاعتبـره إنقاذاً لـما تبقّى من وطن، ولو كان سيقضي على مستقبله السياسي. هل تنجح مـخاطرته فـي إيصال العماد ميشال عون إلى سدّة الرئاسة الأولـى، وفـي تأميـن وصوله إلى رئاسة الـحكومة؟


إذا صَدقت كتلة "تيار الـمستقبل" بالـحدّ الأدنـى، وصوّت 24 نائباً فقط للعماد ميشال عون، تكون النتيجة على الشكل الآتـي: "تكتل التغييـر والإصلاح" 23، "تيار الـمستقبل" 24، "حزب الله" 13، و"القوات اللبنانية" 8، الـمجموع: 68 صوتاً، ويفوز العماد عون بالدورة الثانية، ما دام الفريق الـمعارض لن "يطيّـر" النصاب. هذا، إذا اعتبـرنا أنّ "حزب الله" لـن يـمارس أيّ ضغط على حليفيه، "حزب البعث" و "الـحزب السوري القومي"، وإنّ النواب مـحمد الصفدي، وخالد الضاهر، وميشال فرعون، ونقولا فتوش، وروبيـر غانـم، وميشال الـمر، ونايلة توينـي، لن يصوّتوا لعون، وإذا بقيت "كتلة اللقاء الـديـموقراطي" بكامل أعضائـها على موقفها الـمعارض لتسوية الـحريري- عون. هذا أسوأ سيناريو لـ "بوانتاج" الـمعركة الرئاسية. معه حق وزير الـخارجية جبـران باسيل عندما يقول: "إنتخاب الرئيس إنتهى من الناحية الـحسابية". إذاً، حُسمت الرئاسة للعماد ميشال عون، وخسر النائب سليمان فرنجية رهانه على حليفيه التاريـخيـيـن "حزب الله" والرئيس بشار الأسد. أما حكومياً، فالـمشكلة معقّدة أكثـر، والرئيس نبيه بري، الذي كان دائماً مع الرئيس سعد الـحريري "ظالـماً أو مظلوماً"، أصبح الآن من أشدّ الـمعتـرضيـن على تسميته لتأليف الـحكومة، بعد أن اعتـبـر أنّ الـحريري خذله وكان "يتفاوض ويتلاعب مع صهر الـجنـرال من وراء ظهره"، ومن دون أن يـحسب له أيّ حساب.
إذا كان الرئيس نبيه بري إختار الـمعارضة، فـهذا يعنـي أنّه لن يشارك فـي الحكومة بأيّ وزير. والسؤال الكبيـر الذي يطرحه الناس: ماذا سيكون موقف "حزب الله" اذا رفضت "كتلة التـنمية والتـحرير" الـمشاركة فـي الـحكومة؟ صحيح أن السيد حسن نصرالله اعتبـر أنه يقوم بتضحية كبيـرة جداً عندما لا يـمانع أن يتولّـى الـحريري رئاسة الـحكومة، ولكنّه لـم يعلن صراحةً إذا كان سيسمّيه فـي الإستشارات الـملزمة التـي سيجريها رئيس الـجمهورية. هل يشارك "الـحزب" فـي الـحكومة أم يتضامن مع حليفه الأبدي الرئيس بري؟ وكيف ستُشكّل الـحكومة فـي غياب الـمكوّن الشيعي؟ من الـمفتـرض أن تكون "سلة التفاهم" التـي جرت بيـن الوزير جبـران باسيل والسيد نادر الـحريري شـملت موافقة "حزب الله" على تسمية الرئيس سعد الـحريري (وليس الإكتقاء بعدم الـممانعة) وعلى الـمشاركة فـي الـحكومة وتسهيل تأليفها، وإلاّ تكون الطبخة الرئاسية "مشوشطة"، ولن تقوم قيامة للوطن. فإذا لا سـمح الله غابت التفاهـمات مع الـمكوّنيـن الشيعيـيـن، سيتعذّر تأليف الـحكومة، وسيكون فـي البلاد رئيس جـمهورية مُنتخب ورئيس حكومة مُكلّف وحكومة مستقيلة تصرّف الأعمال ومـجلس نيابـي شبه معطّل. وتعود "حليمة لعادتـها القديـمة"، أشهر من التعطيل، والشروط، والشروط الـمضادة، والبلد يتفكّك، والإقتصاد ينهار، والـهجرة تتعاظم. لا قانون جديد للإنتخاب وربـما لا إنتخابات، والـخيار الوحيد الـمُتاح الـتمديد للمجلس الـحالـي، وإلاّ إنعاش قانون 1960 السيىء الذكر، الذي يرجمه معظم السياسييـن فـي العلن، ويعملون له فـي الـخفاء. هل يرضى الرئيس نبيه بري بـهذا الوضع الـمزري، وهو رجل الدولة الـحريص على الـميثاقية والدستور، وعلى وحدة البلاد، وعلى إنتظام عمل الـمؤسسات، وعلى مالية الدولة والإقتصاد وثبات الليـرة اللبنانية؟
لا شكّ في أن الرئيس بري يعرف جيداً أنّ البلاد وصلت إلى شفيـر الـهاوية، ويدرك أن التـردّي الـمخيف للأوضاع الإجتماعية والإقتصادية والأمنية سيفجّر ثورة شعبية كبيـرة لن يتمكّن أحد من ضبطها، كما يعرف أيضاً أنّ الـحروب الإقليمية ستتصاعد، والصراع الإيرانـي – السعودي لن ينتهي فـي وقت قريب، فإذا لـم تتوحّد جـميع القوى وتتخطّى خلافاتـها وتعود إلى طاولة الـحوار، ستشهد الساحة اللبنانية صراعاً مفتوحاً على كل الإحتمالات. لذلك، الـمطلوب من الرئيس بري أن يضحّي كما "ضحّى" السيد حسن نصرالله والرئيس سعد الـحريري، ويتذكّر قول الإمام موسى الصدر: "إحفظوا وطنكم قبل أن تـجدوه فـي مزابل التاريخ".


باحث وكاتب سياسي

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم