الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

هل اخطأ برّي الحساب هذه المرة فارتكب "غلطة الشاطر" في معركة السلة؟

ابراهيم بيرم
ابراهيم بيرم
هل اخطأ برّي الحساب هذه المرة فارتكب "غلطة الشاطر" في معركة السلة؟
هل اخطأ برّي الحساب هذه المرة فارتكب "غلطة الشاطر" في معركة السلة؟
A+ A-

هل أخطأ رئيس مجلس النواب نبيه بري الحساب هذه المرة فارتكب "غلطة الشاطر" في التوقيت الخطأ؟


السؤال فرض نفسه على كل المشهد السياسي خلال الساعات الـ 36 الماضية وذلك في اعقاب السجال الذي ُفُتِحت ابوابه على مصاريعها بشكل مفاجئ بين بكركي وعين التينة على خلفية ما صار يعرف في القاموس السياسي بالدفاع الشرس لبري عن "سلته" وتمسكه بها الى درجة انها صارت لازمة خطابه السياسي اليومي، ومجاهرة البطريرك الماروني بشارة الراعي باعتراضه عليها وقوله إنها وصفة كاملة المواصفات لتقييد يديّ الرئيس المقبل واغراقه بكمّ من التعهدات سلفا.
الثابت، بحسب المعلومات المستقاة من بعض المحيطين بعين التينة وسيدها، ان بري فوجئ بمضامين عظة البطريرك الراعي في قداس الاحد الماضي والتي كانت بمثابة الصاعق الذي اشعل السجال، وذلك لاعتبارات عدة ابرزها:
- ان يكون سيد بكركي نفسه هو من اطلق هذا الاعتراض القوي والصريح على "سلة" سيد عين التينة ونعتها بهذه النعوت. صحيح ان مسار العلاقة تاريخياً بين بكركي ورئيس السلطة التشريعية ليس على النحو الذي يوصف بالمتين والحميم، او الذي لا تشوبه شائبة انطلاقا من محطات عدة، خصوصا ان بري ما زال حتى الآن يحفظ جيداً تفاصيل النهاية السلبية لآخر مشوار قام به الى الصرح البطريركي قبيل فترة من الانسحاب العسكري السوري من لبنان عام 2005. في ذلك الحين كانت المرجعية الروحية المسيحية الاولى في ذروة قيادتها لمعركة اخراج الوجود العسكري والسياسي السوري من الاراضي اللبنانية، وهو(أي بري) اعتبر نفسه آنذاك انه خرج من هذه الزيارة بخيبة امل واضحة سواء لجهة عدم تجاوب سيدها وقتذاك مع محاولته وافكاره للتهدئة، او لجهة الاسئلة الاستفزازية التي وجهت اليه على درج بكركي من الاعلاميين المعتمدين هناك، واستكمل المشهد السلبي هذا بسهام وجهت الى بري من حلفائه ومن السوريين انفسهم. ومع ذلك فان قدراً من المعقولية والهدوء ساد علاقة بري مع البطريرك الراعي، لا سيما ان الاخير دشن بعد تسلمه مفاتيح الصرح عهداً من الانفتاح والتهدئة مع الجميع من دون استثناء.
لكن رياح الامور في الآونة الاخيرة، وتحديداً بعد بروز قضية جهاز امن الدولة التي نشبت اثر خلاف على الصلاحيات بين المدير العام للجهاز(مسيحي) ونائبه (شيعي) وظهور بري بمظهر الساعي الى قهر المدير العام والحد من دوره وصلاحياته، اخذت منحى مغايراً انطوى على قدر كبير من السلبية والتوجس.
- التوقيت الذي أتى به هجوم بكركي على السلة، الذي وإن حاول البعض التخفيف منه الا انه كان بكل المعايير قاسياً اذ وضع بري في زاوية المتهم بأمرين اثنين: الاول انه يريد عرقلة المساعي الحثيثة الرامية الى طي صفحة الشغور الرئاسي. والثاني انه يريد في الأبعد تكبيل الرئيس الموعود سلفا.
لم يعد خافياً ان موقف سيد بكركي أتى في لحظة كان بري في ذروة انطلاقته لجبه احتمال التسليم بوصول العماد عون الى قصر بعبدا وتثبيط همّة الراغبين في تعزيز هذا الاحتمال وجعله حقيقة، فبدا كلام الراعي وكأنه يرسم خط اعتراض على مساعي بري هذه.
- إن مؤشرات عدة تجمعت بعد انطلاق السجال توحي بان بكركي ليست في وارد التراجع والانكفاء عما بدأته بل هي ماضية في المواجهة الى نهايتها القصوى. فالى المعلومات التي سرت عن ان الاجتماع الشهري للمطارنة الموارنة عازم على تبنّي وجهة الراعي واعلانه دعمها، كانت للشخصية الاكثر قرباً من سيد بكركي، وهو الوزير السابق روجيه ديب، اطلالة اعلامية نادرة ليقول ما معناه بان ما بعد موقف بكركي ليس كما قبله، وان سلة بري "باتت في خبر كان"، مؤكداً ان البطريرك الراعي اراد بكلامه عن هذه السلة ورفضه لها "حماية الرئيس وقطع الطريق على تنازلات تقيده". وهذا يعني ان خيار الراعي كان خياراً واعياً ومدركاً لكل الابعاد.
وازاء كل هذه المعطيات، فان السؤال المطروح هو: هل ان بري لم يكن يحسب حساب حصول هذا "القصف" من العيار الثقيل من "مرابض بكركي" على سلته فبدا وكأنه دُفع الى معركة ليست مضمونة النتائج سلفا؟
ثمة من يرى ان بري وقع في خطأ الاستعجال، فهو كان في معرض استشراسه في التمسك بالسلة في سباق محموم مع الوقت بغية الحيلولة دون جعل معادلة عون رئيساً وقطع الطريق امام صيرورتها امرا واقعا لا رادّ له. أمر آخر متصل وهو ان بري صار يتصرف في الاشهر القليلة الماضية وكأنه الحارس الاخير للتركيبة والنظام، وان هذا الامر تكرّس تدريجاً مع الوقت ومع تأزم اوضاع كل القوى وتهافت رهاناتها حتى صار معلماً من معالم الوضع اللبناني، وبالتالي تخطاه الاعتقاد بان احداً سيقول له في لحظة معينة ان هناك خطوطاً حمراً عليك الوقوف عندها. فكان ان أراد في لحظة تحوّل كان يخشاها او يستبعد حصولها، وهي لحظة ترسخ معادلة عون رئيساً، ان يحول دون تلك الكأس، او ان يستحصل على إقرار مسبق بسلة ضمانات مع العهد المقبل تؤمن له منظومة مصالح وامتيازات متشعبة حاضرا ومستقبلا.
حيال ذلك كله فان هناك من يسأل: هل يقر بري بأن لحظة كبح جماح اندفاعته قد حانت اخيرا وصار لزاما عليه ان يتكيف مع واقع جديد، ام انه سيمضي قدماً متأبطاً سلته وما تنطوي عليه من اهداف معلنة واخرى مضمرة ؟
الاكيد ان بري ليس من النوع الذي يستسلم بسهولة، وهو الذي اعتاد منذ انتفاضة 6 شباط عام 1984 ان لا يُردّ له طلب او يخيّب له رجاء. ولكن ثمة من بدأ يستشعر ان الامور قد تتبدل والاحوال تتحول خصوصا بعد كلام بكركي الاخير. أمر آخر يضاف الى ذلك وهو ان بري يبدو وحيدا في معركة السلة، فالى الاجماع المسيحي على رفضها فان حليفه "حزب الله" سارع الى النأي بنفسه عنها وتصرف وكأنه غير معني، في حين ان حليفه التاريخي الآخر النائب وليد جنبلاط لا يبدي اية حماسة ولا يبذل اي جهد لتظهير موقف معين حيال هذا التطور. اما "تيار المستقبل" الذي جهد بري لاسباغ الدعم لزعيمه الرئيس سعد الحريري فكان اول المعترضين على السلة بلسان رئيس كتلته النيابية الرئيس فؤاد السنيورة الذي وصفها بأنها وجه آخر للمؤتمر التأسيسي الذي يرفضه تماما.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم