الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

الأخوَان الشختورة في ذمة الله معاً !

عصام منصف
A+ A-

¶ حكاية الطبيب أنطوان طوبيا الشختورة وأخيه الأصغر سناً بقليل جورج، تُحكى بفخرٍ واعتزاز من دون أي إهمال أو لامبالاة كأن شيئاً لم يكن وقد ذهبت نفساهما ضياعاً مع الريح هباءً بالمعنى المجازي .
¶ شخصان لا نستطيع عدم ذكرهما بعد الرحيل غير المبكر بالطبع، إذ أنهما طبعا في شخصهما أثراً في العائلة والمجتمع والثقافة والطب، خصوصاً الطب النفسي، وفي الهندسة المعمارية وعلوم الرياضيات والفيزياء. ومن المعيب، وعدم الوفاء ألاّ نذكرهما في هذه المناسبة الحزينة للقراء الكرام، لأنّهما كانا مثالاً صالحاً ومفيداً في العلم والثقافة والحوار والخدمة العامة.
¶ بلدة عين سعادة، بلدتي، حزينة جداً لفراقهما. الطبيب أنطوان كان مع مرضاه: الصديق اللطيف، الأب العطوف، الأخ المنجد. كان يُداوي معاً الجسد والنفس، لكنّه كان الطبيب النفسي والعقلي اللامع، خصوصاً في حقبة مستشفى العصفورية للأمراض العقلية في منطقة الحازمية، ذاك الزمن. ولن أنسى نجدته السريعة والعطوف لشقيقي الدكتور المهندس يوسف الذي يقيم الآن في فرنسا، عندما وقع وهو في الثالثة عشرة من العمر من الأوتوبيس سنة 1959 على رأسه وأصيب بنزيف خطير. هرع الراحل انطوان في سيارته صباحاً من البلدة الى مستشفى الجامعة الأميركية ينقل أخي التلميذ، وقد اجراها عندئذ المرحوم الجراح المبدع فؤاد حداد. لقد أنقذ صديقنا الغائب شقيقنا الذي كان على شفير الهلاك. هذه حادثة واحدة من حوادث كثيرة بفضله وهمته، عُولج وشُفي كثيرمن المرضى من جميع المناطق.
¶ أما أخوه العزيز والصديق جورج بالنسبة الي فقد رحل معه في الوقت نفسه كأنهما على موعد مع القدر. عاشا معاً كأخوين توأمين ودودين مع بعضهما البعض، وغادرا هذه الدنيا الفانية معاً، ولم يرغبا الفراق حتى في الموت. ولن أنسى، الغائب العزيز جورج، وأذكر خصوصاً إشرافه علي وامتحانه لي في مادة الرياضيات في البكالوريا العلمية، خصوصاً أنني كنت أميل أكثر الى اللغات والآداب من عربية وفرنسية حينها، وذلك في بيتنا المجاور لبيته، وكان قد أنهى اختصاصه في الهندسة المدنية في إحدى الجامعات الراقية في لبنان.
¶ وداعاً، أيها الصديقان والجاران العزيزان، لقد حزتما شهادة الطب وشهادة الهندسة بامتياز وقتها، ولكن حزتما خصوصاً شهادة الاحترام والتقدير والاعتزاز والمحبة والانسانية أكثر من امتياز، ولا مبالغة في ذلك. على خُطى هذين الراحلين معاً، علينا أن نخطو مثلهما في عالم الفضيلة والثقافة والتضحية والاخلاق الحميدة. وعدُنا لكما، أننا لن ننساكما بعد الآن وسنذكركما دائماً ما دام عِرقٌ ينبض فينا.


كاتب وباحث

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم