السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

غريغ معلوف طاهٍ لبناني أنقذ مطعماً من الإفلاس في لندن

المصدر: "النهار"
يارا عرجة
غريغ معلوف طاهٍ لبناني أنقذ مطعماً من الإفلاس في لندن
غريغ معلوف طاهٍ لبناني أنقذ مطعماً من الإفلاس في لندن
A+ A-

ثمّة قيود تكبّل أيدي الإنسان، فتجعله سجين حقده وكراهيته، وأسير مجتمع يقبع تحت رحمة المظاهر. هي ثقافة "العيب" التي تنهش جسم لبنان وتجعل جذوره تهترئ. فالعنصرية لا تقتصر على اللون والجنس، الجنسية والطائفة، لا بل تشمل المهن أيضاً. ليست مهنة عامل النظافة وحدها التي تشير إليها هذه الأصابع، ولا حتى مهنة مصفف الشعر، ولكن الطهاة كذلك. نعم، يقولها أحد كبار الطهاة العالميين الأوسترالي من جذور لبنانية غريغ معلوف، مسلّطاً الضوء على أزمة تختبئ في كواليس عالم إدارة الأعمال ولا يتحدّث عنها إلاّ من يتلمسها من كثب.



لا يعير المجتمع اللبناني، ويا للأسف، أيّ انتباه أو أهميّة للطاهي، لما يجلبه معه من ثقافة وما يضعه في أطباقه من نَفس وأسرار، تجعل المطعم يتفوّق عن غيره، إنما تراه يمدح بمدير المطعم أو "المعلّم" الذي لا يطلق سوى الأوامر. والمعيب، والعنصري أيضاً، هو عمل المرأة كطاهية في المطاعم لأنّ طهوها لا يصلح سوى في مطبخ المنزل، وحبّ الرجل للطهو، فيما الطهو مكتوب على النساء لا على الرجال.



في إطار عشاء نظمه مطعم "ليزا" لدعم المواهب اللبنانية بالتعاون مع ChefXChange Platform الاثنين 25 تموز 2016، أجرت "النهار" مقابلة مع الشيف الأوسترالي- اللبناني الحائز نجمة Michelin، غريغ معلوف من أجل التعرّف أكثر إلى مسيرته التي برع فيها متغلّباً على التحديات التي يفرضها المجتمع.



رسالة إلى الوالد



اكتشف معلوف موهبته في الطبخ عندما كان صغيراً، ولكن ليس في المطبخ... بل أثناء الاستحمام! يروي ذكرياته الطفولية لـ "النهار" قائلاً: "عندما كنت صغيراً، وأثناء الاستحمام، كنت آخذ الشامبو وكلّ السوائل والمنتجات الأخرى الموجودة وأمزجها، فكانت أمي واثقة حينها أنني أحب الطبخ". ويضيف بحسّ فكاهي "كان لجميعنا شهية كبيرة في المنزل. في سنّ الـ 12 كنت أفكر في الطعام كثيراً، فكنت أتوجه إلى البراد دائماً وأحضّر سندويش لبنة مع السماق وزيت الزيتون. ولكنني أستطيع القول أنّ مسيرتي المهنية في الطهو بدأت عندما كنت في سنّ السابعة عشرة. تدرّبت في ملبورن - أوستراليا ثم في أوروبا. كنت قد اتخذت قراري أن أصبح طاهياً (شيف) عندما كنت في المدرسة الثانوية، على رغم رفض عائلتي. كتبت رسالة لوالدي قلت له فيها إنني سأهرب، ورحلت من ملبورن إلى سيدني، وأنني سأرحل لثلاثة أشهر فقط لاستجماع أفكاري وأنني عندما سأعود سأصبح "شيف" ولفظت الكلمة بشكل خاطئ. ذهبت إلى سيدني وصرت أغسل الصحون في مطعم مكسيكي هناك، هكذا بدأت رحلتي في عالم الطهي". وعندما عاد إلى ملبورن علم معلوف أنّ والديه موافقان على ذلك ولن يعارضا قراره.



الهوية في الطبخ



على الرغم من ترعرعه بعيداً من ضفاف البحر المتوسط، حرص معلوف على المحافظة على جذوره اللبنانية ونشرها في كافة أنحاء العالم، لذا كان يفضّل المطبخ المتوسطي Middle Eastern cuisine عن غيره من المطابخ، لأنه يشبهه " فهي في حمضي النووي". ويضيف "مطبخي عبارة عن أطباق عربية وليس لبنانية، أضع في أطباقي رؤيتي الخاصة للأكل العربي، فأردت تحويله لجعله أكثر جاذبية للغرب، أكثر فنّاً وجمالاً. والغرب يهوى هذا النوع من الطعام لأنه ليس باهظاً وصحي ولأنّه بكل بساطة عبارة عن أطباق غريبة بالنسبة إليهم". أمّا عن سرّ نكهة أطباقه فيكمن في بعض المكونات التي يستخدمها "أستخدم الكثير من النعنع الجاف في السلطة، الكثير من الحرّ الحلبي. وأنا أنتبه كثيراً لنوع الملح الذي أستخدمه، فأنا أستخدم نوعاً معيناً من ملح البحر، وهو الملح الأوسترالي، البريطاني والإيطالي. يرغب معلوف في أن يطهو له أحدهم يوماً، وهو يحبّ "الكبة النية وورق العنب". صعد معلوف سلّم النجاح تدريجاً، وهو يعتبر أنه "محظوظ، فقد كنت في الوقت والمكان المناسبين"، وفي اغتنامه الفرص. يكمل معلوف "كنت قد دعيت إلى لندن لإدارة مطعم Petersham Nurseries الذي كان في حالة صعبة، وأنا كنت حينها في أوستراليا، قبلت الدعوة وتوجهت إلى لندن مع شيف لإنقاذ المطعم. غيرته كلّه هو الذي كان في الأساس إيطالياً، فأصبح في عهدي يقدّم أطباقاً عربية. تمكنا أن نتميّز من غيرنا، وهكذا نلنا نجمة الـ Michelin في تشرين الأول 2012، هي نجمة للبنان وساعدتني على أن أشتهر أكثر في الشرق الأوسط".
بريطانيا كانت بوابة النجاح لمعلوف الذي يفضل أن يخصص لكلّ مطعم يتولى إدارته وقتاً معيناً لأنّه يحب الكمال في عمله: "أن أكون صادقاً مع الأطباق، وأن أستخدم يدي في الطبخ وأن أعلم الطهاة الذين أعمل معهم بنفسي". أمّا بالنسبة إلى التمييز الذي يسود بلادنا لكونها تعتبر أنّ الطبخ هو للنساء فقط، يقول: "على هؤلاء أن يتغيروا، فلا يهم ما إن كان الطاهي امرأة أم رجلاً، لأنّ الطبخ خرج من مطابخ المنازل وأصبحنا نجده في مطابخ المطاعم. ولكنني لا أرى الكثير من النساء الطاهيات في المطاعم، ففي دبي كان لدي 22 رجلاً و 7 من النساء في المطبخ. أنا أحتاج إلى رقة المرأة ووجود الرجل أيضاً، لتحقيق التوازن الهرموني في المطبخ".



تجربة ChefXChange



لم يتردد معلوف في المشاركة في الـ ChefXChangeفي "ليزا" يوم الاثنين لأنها أكسبته "شهرة في بيروت ولدى الجالية اللبنانية" وهذا ما يهمّه. والـ ChefXChange عبارة عن سوق إلكترونية للمأكولات أسّسه كلّ من اللبناني كارل نعيم والأميركي مارك واشنطن في آذار 2014 من أجل مساعدة المستخدم على البحث والتعرّف والتواصل مع الطهاة في كل أنحاء العالم. في هذا الإطار، يضيف كارل نعيم لـ "النهار" أنّ "الفكرة تكمن في تقوية الطهاة وإعطائهم حرية ابتكار الأطباق دون الالتزام بقائمة طعام معينة. ولكن يجب فهم السوق قبل الطهو أولاً. ولدينا طهاة مختلفون، غريغ على رأسهم، إضافة إلى محبي الطبخ والطهاة المحترفين ومن يرغب في مشاركة شغفه في الطبخ مع الآخرين. هكذا بدأنا نستقدم الطهاة لطهي المأكولات في المنازل أو التعاون مع المطاعم أو إبراز نوع معين من الطبخ. كان غريغ متوجهاً لإمضاء عطلة في بيروت وكنا نحضر لعشاءين خاصين، وقد خطرت "ليزا" في بالي معتقداً أنها المكان الأنسب للمشروع، وهكذا تمت الصفقة". من جهته، يعرب مالك مطعم "ليزا" زياد عسيلي عن امتنانه لنجاح التجربة قائلاً إنّ ChefXChange: "جزء من استراتجيتنا التعامل مع مواهب لبنانية أو ذات جذور لبنانية".
غريغ معلوف أحد اللبنانيين الذين حققوا نجاحات، ورفعوا راية لبنان عالياً أينما وجدوا. هو مثال الرجل الذي طارد حلمه وحققه رافضاً قيود المجتمع. في رصيد معلوف سبعة كتب عن الطبخ ينقل من خلالها تجربته ويقدّم نصائحه وخبراته المهنية.


[email protected]


Twitter: @yara_arja

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم