السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

أردوغان نجا...خطأ

أردوغان نجا...خطأ
أردوغان نجا...خطأ
A+ A-

ليست ردود الفعل السريعة والحادة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان على محاولة الانقلاب الفاشلة التي استهدفت حكمه غريبة عن طباعه. سبق له أن واجه بانفعال مبالغ فيه أحداثاً أقل أهمية بكثير مما حصل الجمعة في بلاده. لقد تعامل مع ما بات يعرف بتظاهرات حديقة غيزي كأنها عدوان خارجي على تركيا، وكأن المشاركين فيها غرباء أعداء لوطنهم. وواجه الاعلام والاعلاميين بأقسى الاحكام وخاطب خصومه السياسيين بأبشع العبارات.


وها هو أردوغان أمام محاولة انقلاب لم يكن مكتوباً لها النجاح من أساسها، ينقض، لا على منفذيها فحسب، وإنما على خصومه أجمعين في الجيش والقضاء والهيئات الحكومية وغيرها، محولاً تركيا سجناً كبيراً، وملوحاً بتعليق المشانق، هو الذي حلم دوماً باستعادة مجد السلطنة الغابرة التي لا تزال صور حبال مشانقها عالقة في الاذهان.
لا يتصرف أردوغان منذ صباح السبت كأنه رئيس لشعبه، وإنما رئيس لشريحة معينة من المجتمع. يبدو أردوغان على حدّ تعبير الصحافي التركي سميح إيديز كأنه وضع مصالح الجمهورية جانباً دعماً لمصالح إيديولوجية لحزب العدالة والتنمية الاسلامي الحاكم.
ليس هذا الشعور جديداً في تركيا، لا بل إنه أحد أسباب الاستقطاب الحاد في المجتمع والذي أدى بحفنة من العسكريين اليائسين الى السير بانقلاب دفع البلاد الى فوضى ليس معروفاً كيف ستخرج منها ومتى. هذا الشعور نفسه ناجم تحديداً عن ممارسات أردوغان وسياساته التسلطية والانتقامية حيال كل من يعارضه أو يتجرأ على الوقوف في وجه خططه.
ليس انتصار الديموقراطية في تركيا انتصاراً لأردوغان. فالأتراك الذين نزلوا الى الشوارع للوقوف في وجه الانقلابيين لم يفعلوا ذلك دفاعاً عن رئيسهم، وإنما رفضاً لعودة العسكر الى الحكم. اختار هؤلاء السيئ على الأسوأ. ولم يقف الاعلاميون في وجه الانقلابيين دفاعاً عن جلادهم، وإنما رفضاً أيضاً لحكم عسكري. الصحافة الحرة التي خنقها الرئيس التركي كانت وفية لمبادئها، ولعل شبكة "سي أن أن ترك" المثال الافضل. فعلى رغم أن هذه الشبكة كانت من أولى ضحايا حكم حزب العدالة والتنمية الذي سبق له أن اتهمها بمناصرة فتح الله غولن، شاهد العالم كيف ساعد موظفوها رجال المخابرات على القبض على الجنود الانقلابيين، وكيف رفضوا استجابة طلب هؤلاء وقف البث ليعودوا إلى الهواء ويؤكدوا تمسك الشبكة بالديموقراطية، وإن يكن أسوأ نوع منها.
أما المعارضة التركية المشتتة، فوقفت صفاً واحداً لانقاذ الديموقراطية، فأنقذت أيضاً من دون قصد أردوغان الذي لم يترك فرصة لتهشيمها.
نجا أردوغان هذه المرة من انقلاب ساهمت ممارساته في التحريض عليه. وإذا لم يتعظ مما حصل وثابر على تنفير جانب كبير من المجتمع، فلا شيء يضمن ألا يكون انقلاب ثان ثابتاً فيطيحه ويدفع تركيا الى الهاوية.


[email protected] / Twitter: @monalisaf

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم