السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

سقوط أوروبا

المصدر: "النهار"
سميح صعب
سميح صعب
سقوط أوروبا
سقوط أوروبا
A+ A-

انتصرت نزعة الاستقلال لدى الانكليز فخرجوا من اوروبا. لكن التداعيات لن تقف عند هذا الحد. فالمملكة المتحدة نفسها ستكون مقبلة على انعكاسات اقتصادية وسياسية سلبية تحتاج معها الى وقت طويل للتكيف معها. ولن يكون ثمة ما يمنع الان اسكوتلندا وايرلندا الشمالية وويلز من اجراء استفتاءات على البقاء داخل المملكة المتحدة. فالنزعة الاستقلالية عدوى ستصيب كل بريطانيا ولن تقف التداعيات عند حدث الخروج من الاتحاد الاوروبي.


وكما ان لخروج بريطانيا تداعيات في الداخل، فإن التداعيات ليست اقل على بقية اعضاء الاتحاد الاوروبي. دول اخرى ستتشجع الان على اجراء استفتاءات على البقاء داخل الاتحاد او الخروج منه. ويزيد من ذلك المتاعب الاقتصادية في العديد من الدول الاعضاء . والمتاعب الاقتصادية تغذي النزعة القومية. ويضاف الى ذلك انبعاث مشاعر التطرف من رقادها بفعل موجات اللجوء التي تتدفق على القارة القديمة من سوريا والعراق وشمال افريقيا وافغانستان. كل هذه عوامل مجتمعة تقود الى استنفار العصبيات ضد كل ما هو خارجي.
فهل بدأت اوروبا مع الخروج البريطاني مسيرة التراجع للمشروع الاوروبي الذي كان يفترض الغاء الحدود والتنازل عن الكثير من سيادات الدول لمصلحة مشروع جامع وتجربة فريدة، شكلت على مدى 60 عاما حصنا للسلام والاستقرار في القارة التي انهكتها الحروب المتتالية والصراعات القومية.
لا شك في ان الحلم الاوروبي يتعرض اليوم لانتكاسة لم يشهدها من قبل، ويقف امام اكبر تحد يواجهه. وكل المكاسب التي جنتها الوحدة الاوروبية بالتمدد شرقا نحو دول كانت منضوية في الكتلة السوفياتية السابقة، خسرته بخروج بريطانيا وبتململ دول اخرى امام تحديات الحاضر.
ولا تكمن الخسارة اليوم بالخروج البريطاني وإنما بما سيلي هذا الخروج من تأثيرات على اوروبا كلها. ومهما اطلقت فرنسا والمانيا من تطمينات ، لن تكون كافية لردم الفجوات التي أحدثتها بريطانيا. وبينما كان العالم ينتظر خروج اليونان بفعل كارثتها الاقتصادية، اذا بأحد اغنى ثلاث دول في الاتحاد تغادره وتحدث اكبر ضرر للمشروع الاوروبي، الذي لم يكن رهانا اوروبيا فقط وانما كان رهانا غربيا وصيغة حضارية لتجاوز الصراعات الوطنية ومصالح الدول لما هو أرقى واكثر تسامحا ووفرة للانسان الغربي عموما والاوروبي خصوصاً.
والسؤال هل دخلت اوروبا تحت هاجس الخوف من اللاجئين وبفعل وطأة التهديدات الارهابية واتساع موجات التطرف وتعزيز الانكفاء على الذات، هل دخلت في عصر التفكك الذي عرفه الاتحاد السوفياتي السابق؟
الحدث البريطاني كبير الى درجة لا تمكن الاحاطة بكل جوانبه في هذه اللحظة التي يحصي الجميع فيها خسائرهم.
وعلى الجانب الاخر يقف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ضاحكا في سره. ربما لأنه انتظر كثيرا مثل هذا اليوم.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم