الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

"يا ريت": مسلسل يقفز من سرير إلى آخر... ولكن!

المصدر: "النهار"
فاطمة عبدالله
"يا ريت": مسلسل يقفز من سرير إلى آخر... ولكن!
"يا ريت": مسلسل يقفز من سرير إلى آخر... ولكن!
A+ A-

في "يا ريت" قدرةٌ على جعلكَ تتساءل: ماذا سيحدث؟ فالمسلسل (إخراج فيليب أسمر، تعرضه "أم تي في") مصنوعٌ على وتيرة تصاعدية من أجل أن تنتظر. نبدأ بالإيجابيات، فوفق منطق الإنتاج الدرامي، العمل مشوّق. فيه عناصر تُنسيك حَمْل الريموت كونترول ونسف الشاشة. وكلّ حلقة، تقريباً، حدثٌ يمهّد لسواه. هذا في العموميات، ولا استخفاف أبداً بمسلسل قادر، رغم ثغره، على خوض سباق شرس. خارج إمكان الجذب، يتخبّط المسلسل بثنائية مملة: الحبّ والخيانة، ويدور في دوّامة مشاعر مُستَعادة بإطار منكمش. لم يتفوّق نصٌ كتبته كلوديا مرشليان على المألوف في دراما الخيانة والحب باشتعالاته الفجائية. بدا أنّه امتداد لمَشاهد سبق واستهلكتها وجوه أخرى في نصوص مشابهة. المسلسل بمحاولته إدخال إشكاليات مُلحَقة- كصراع الوطن والغربة، واللاجئ والأرض المستحيلة، أو اضطرابات الأسرة وتوتّر العلاقات الإنسانية- يحمل إمكان نجاته من الكليشيه، لولا سيطرة نَفَس الخيانة وطعنات القلب على الطريقة المكسيكية.


في المسلسل وجه مشرق، هو مكسيم خليل الذي يُبدع في لحظات وفي أخرى يتساوى بأيّ ممثل حضوره خجول وتمثيله عابر. يمكن دور إياد العائد من لندن لفتح ملفات الماضي الحزين، أن يتحلّى بمزايا تضيف قوّة إلى الشخصية، خصوصاً لجهة علاقته بأسرته وذاكرته المتورّمة، لكنّه يتحوّل هزيلاً بتورّطه بالمألوف غير المدهش، كالقفز من امرأة إلى أخرى، فيما يستعيد رونقه بالمواقف الأكثر فرادة، كمواجهة الجرح وغضب أفراد العائلة. خليل إضافة لكلّ مسلسل، ومسلسلات قليلة تضيف إليه. ضيَّق النصُّ على الشخصية وأطّرها بالتسطيح النمطي للإنسان في وجوده بين علاقات متناقضة. ثراؤه مقابل فقر العائلة وتشرّدها، وصفحاته الجديدة في مقابل أحلامها العتيقة واهتراء الفرص، لم تضف حضوراً يُقرِّب الشخصية من الناس الحقيقيين. ظلّ خليل مُطارداً بأشباح الـ"Fake"، ترفعه عن الأرض والواقع والصراحة، فبدا أنّه لا يأبه لتستخيف دوره. فيما يُفترض أنّ والدته في براد الموتى، كان في السرير مع امرأة (باميلا الكيك في دور تينا) لا ندري كيف اشتعل الحبّ بينهما فجأة، ثم لم تمضِ ساعاتٌ على دفنها حتى أعاد الكرّة وغرق في أحضانها من دون مراجعة ذاتية لعلاقته بالأم الميتة أو حتى تأنيب ضمير عابر.


خليل ممن يستحقون أدواراً إنسانية أعمق، لكنّ العتب على نصوص القصور والثراء والتعالي عن أوجاع الشارع. يصل إياد برفقة ابنته وخطيبته جنى (ماغي بو غصن) إلى لبنان لإتمام مراسم دفن أم بدت أنّها الوحيدة في المسلسل التي تستدعي التعاطف. مرّ وقت قليل، فوقع في غرام مدرّبة الرقص تينا، صديقة شقيق جنى (جو طراد) المتيّم بها. إنّها مجدداً كليشيه العلاقات المحرّمة المفتوحة على مشكلات اجتماعية مُتوقَّعة، لا تزال خسائرها حتى الآن محدودة. فبينما يستطيع ابن أخ إياد أن يشكّل حالة درامية حقيقية، بطموحه وأحلامه حيناً، والحبّ الباهظ الثمن حيناً آخر، ضعَّف الزيف في الشخصيات الرئيسية حضورها، فظلّت هناك في الأعالي، تمجّد الأدوار المستهلكة والبكاء العادي والانكسار المحفوظ غيباً.


لم تخرج ماغي بو غصن حتى الآن من قيد المرأة المنهارة. تبذل جهداً لتتلبّس الشخصية، وإنما في الدور ذاته ضعفٌ بارز. هنا بو غصن مكسورة بملامح وجه لم يتفوّق بعد على نمطية الانكسار. تمرّ لقطاتٌ تجيد فيها صناعة موقف لا تُحسَد عليه امرأة، ثم تعود إلى التمثيل المضطرب. فلنتساءل عن دور بو غصن في المسلسل؟ شخص موجوع القلب، تائه في الخديعة، وماذا بعد؟ حتى الآن، لا ندري. حتى غربتها عن عائلتها بدت هامشية، كذلك صراعها لنسيان ماضٍ سوداوي وزواجٍ ظالم.


الفخامة طوال الوقت لا تجعلنا نصدّق التمثيلية. هنا الحوادث تجري بمعظمها في فندق باهظ، لا يزال يقطنه البطلان منذ بداية المسلسل. هذه أشباح الـ"Fake" التي حدّثناكم عنها. كلّ شيء معرّض ليكون كذبة، حتى أداء باميلا الكيك وعلاقتها بأم (نهلا داود) وأب (جوزف بو نصار) يختزلان بدورهما مسرحية زوجية ساذجة. اعتدنا الكيك في قصص الخيانة وإطلاق الصرخات لحظة اكتشاف الحقيقة. لم نجد في دور تينا، حتى الآن، لمعة فريدة. الكيك "جريئة" بالنبرة عينها والنظرات المألوفة حين تؤدي دور العاشقة. للدور حجم متواضع لم يُظهر الكيك متمرّدة على أدوارها. هذا النوع من الشخصيات عاجزٌ غالباً عن مفاجأة الجمهور بخطوة نوعية. عنوانه دائماً شابة جميلة ترفع صوتها وتقفز عن الأرض لنصدّقها. المسألة أنّ النصّ لا يحتمل أكثر. جميلٌ فيه الحضور الضئيل لمأساة اللاجئ، ثم لا يلبث أن يقول أيّ شيء بأيّ لحظة. مرشليان في "يا ريت" تضع المُشاهد أمام صعوبة الاقتناع بقدرتها على نقل واقع يشبهنا. في نصّها أبٌ (جوزف بو نصار) يبالغ في "تحرّره"، فتدور بينه وبين زوجته حوارات مضحكة (يسألها أن تتصل بصديقته عساها تُصلح الأمور بينهما مثلاً!)، وحبٌّ يولد من طريق الفجأة مفتقداً مبرراته الدرامية، فيتحوّل مسلسلاً تدور في فلكه إشكاليات سرعان ما تذوب تفاصيلها، ولا يبقى سوى القشور والشكليات.


قيس الشيخ نجيب في دور الدكتور رامي تأرجحٌ بين الحضور والصمت المشهدي الذي لا يستحقه، وسام حنا (لنا عودة للشخصية في "لقطة" على حدة) يحاول الانتفاض على الشاب الوسيم في أدواره، والمحاولة في ذاتها إضافة بمعزل عن النتيجة، أما منى واصف فأكثَرَت من أدوار عادية وفي بعض مَشاهدها هنا تتألق. هزّت الأبدان حين توجّهت لإياد قائلة: "روح الله لا يوفقك"، فيما هو يُكمل سيره من غير وُجهة. مشهدٌ رائع روعة إحساس إليسا وهي تغنّي: "متل هالإيام قلبك كسر قلبي. متل هالإيام صابوا العمى قلبي". العمى وليس "الوجع" كما أخطأنا مرة عبر "تويتر" وتحوّل الجميع فجأة إلى مصحّحين.


[email protected]


Twitter: @abdallah_fatima


 

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم