الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

هربوا من قراهم نحو بيروت... قصص لبنانيّين تحوّلوا فجأةً من أسيادٍ الى أُجراء

المصدر: "النهار"
مجد بو مجاهد
مجد بو مجاهد
هربوا من قراهم نحو بيروت... قصص لبنانيّين تحوّلوا فجأةً من أسيادٍ الى أُجراء
هربوا من قراهم نحو بيروت... قصص لبنانيّين تحوّلوا فجأةً من أسيادٍ الى أُجراء
A+ A-

تركوا بساتين قراهم مسرحاً للصدى، ورحلوا بحثاً عن سبل العيش في مهنٍ فرضها الواقع المعيشي عليهم قسراً. من الجنوب الى بيروت، رحلةٌ غريبة. مغامرة غامضة ضائعة التفاصيل بحثاً عن لقمة العيش. كمن ينزح جسداً ويترك ذكرياته تحت غصن شجرة. يستفيق في غرفةٍ صغيرةٍ كئيبة بعيداً عن الأرض والمنزل الرحب، معقل الأحلام البسيطة. من الصادم القول إنه لم يتبقّ في بلدات #جزين سوى حوالي 100 عائلةٍ تعمل في القطاع الزراعي بعد أن رحل ثلثا عائلات المزارعين الى العاصمة للعمل في ظروفٍ صعبة. من مالكٍ لأرضٍ خصبة يعمل فيها سيّداً حرّاً لنفسه، الى ناطور مبنى أو سائق سيّارة أجرة او حارس باب مؤسّسة أو نادل مطعم في بيروت وضواحيها.


حتى أن لنزوحهم ثقلٌ على الأمكنة. بساتينهم اتشحت بثوب الحزن. ذبلت أوراق أشجارها تعبيراً عن الفقد وغياب العناية. كان ذلك بمثابة رصاصةٍ اضافيّة لتراجع جودة المحاصيل الزراعيّة وخطوة سلبيّة داعمةٌ لكابوس التصحّر. هم يقولون إن الاستمرارية صعبة. المحصول لا يباع بأسعارٍ مشجّعة. كبار التجار يحتكرون قرار الشراء بأسعارٍ زهيدة. الثمار الصغيرة لا تستهوي الشاري. فتموت الفاكهة في أرضها متجعّدةً من قلّة اللهفة.


لكن باب الأمل فُتح بعد أكثر من عشرة سنواتٍ على الخيبة. حصل ذلك برعاية السفارة الأسترالية في لبنان بعد افتتاح جمعيّة التنمية للإنسان والبيئة مركز التصنيع الغذائي للأشجار المثمرة في منطقة جزّين، الذي اتخذ من بلدة بنواتي مركزاً له. حصل ذلك بعد تدارك المجتمع المدني واتحاد بلديات جزّين خطورة النزوح الداخلي الذي تعانيه المنطقة، وذلك بالتعاون مع المنظمات الدولية لتنمية اقتصاد الريف وتثبيت المواطنين في أرضهم والسعي الى عودة النازحين منهم الى المنطقة.


اجتذاب مزارعين في عمر الشباب
"قضاء جزين مشهور زراعيًّا بجميع أنواع الفواكه وبالأخص #التفاح. لا نريد أن يندثر الموسم ويرحل المزيد من المزارعين. فكان لا بد من اجتذاب مزارعين جدد في عمر الشباب وتحفيز النازحين على العودة. من هنا أتت فكرة انشاء مركز التصنيع الغذائي للأشجار المثمرة كحلٍّ وحيد لتحسين الانتاج والدخل. يحصل ذلك من خلال بيع الثمار الكبيرة بمفردها. أما الثمار الصغيرة فتصنّع غذائيّا وتحوّل الى عصير أو خلّ أو مربيّات أو فواكه مجفّفة". بهذا التوصيف يسرد رئيس جمعيّة التنمية للإنسان والبيئة الأستاذ فضل الله حسون في حديثٍ للـ"النهار" تفاصيل المشروع الصناعي النموذجي في المنطقة.


يتألّف المصنع من معدّات لتجفيف الفواكه ومكنات حديثة مخصصة لإنتاج عصير التفاح ومكنات لفرز البذور ومكنات تصنيع الخلّ وعصير الرمان ومكنات غسيل الفاكهة ومكابس لتصنيع الفاكهة المجفّفة. بيد أنه يبقى الخطوة الأولى في مشروعٍ ضخم متفرّع الجوانب، من الضروري أن يستكمل ضماناً لإعادة جذب المزارعين للعمل في اراضيهم.


"لا زلنا بحاجة لبناء مركز نموذجي للارشاد الزراعي ونسعى لتأمين قطعة أرض تبلغ مساحتها 7 دونمات لهذه الغاية. كما يلزمنا تأمين براد حديث لبيع الانتاج على دفعات اضافةً الى سيّارات مبرّدة لتوصيل المحصول الى بيروت. كما نحتاج الى مختبر لفحص جودة الثمرة وتصنيفها والتأكّد من سلامتها الصحية والغذائية" يشير حسون.


برأيه أن تدريب المزارعين وارشادهم زراعيّاً أمرٌ لا بدّ منه للحفاظ على جودة المنتوجات، معوّلاً على امكانية الحصول على تمويل لاقتصاد الريف من الجمعيات التابعة لمنظمة الأمم المتحدة ووزارة الشؤون الاجتماعية ما يزيد أعداد العائلات العاملة في قطاع #الزراعة الى 200 عائلة. وهو يتسلّح بتجارب التصنيع الزراعيّة السابقة التي عرفت نجاحاً كبيراً في المنطقة، ومنها تجارة دبس الرّمان والفريك.


نصف المحصول إلى التصنيع
تكمن أهميّة مركز التصنيع الغذائي في قدرته على تصريف 50% من انتاج المحصول الزراعي الذي كان يعاني كساداً بسبب اهتمام المستهلك بالصورة الخارجيّة للمنتوجات كشكل الثمرة وحجمها وهذا ما أعطى أفضليّة للثمار المستوردة على حساب الانتاج الوطني. الخبير الزراعي الأستاذ عصام أبي راشد يشير في حديثٍ لـ"النهار" الى أن "كميّة المحصول التي تنتجها بلدات جزّين اليوم تقارب الـ40 الى 50 ألف صندوق سنويّاً في حين أن الأعداد كانت تقارب الـ60 الى 70 ألف صندوق في العقود الماضية". هذا يعني برأيه أن انتاج البساتين ينقسم الى قسمين: 50% من الثمار تباع في الأسواق المحليّة، في حين أن 50% منها يعاد تصنيعها غذائيّا نظراً لعدم توخّيها المعايير المطلوبة للشراء من قبل المستهلك.


العودة الى الزراعة
في إطار تحليل واقع القطاعات الإنتاجيّة في قضاء جزّين بغية تفعيل استراتيجيّة عمل بنّاءة في المنطقة، تبيّن أن الأولوية تنحصر في 4 قطاعات أساسيّة هي على التوالي: السياحة البيئيّة والزراعة والصناعات الخفيفة والتنمية الاجتماعية. هذا ما يشير اليه رئيس اتحاد بلديّات جزّين الأسبق خليل حرفوش في حديثٍ لـ"النهار"، مؤكّداً أن الهدف الأساسي يتمثّل في الإرشاد الزراعي.


ويعتبر أن "الغاية الأهم هي مساندة مزارعي التفاح وارشادهم زراعيّاً ومساندتهم في الإصلاح الزراعي الذي يحتاج وقتاً. فقطاع التفاح يعاني أزمات كبيرة ويشهد مرحلة انتقاليّة. لا بدّ من الاستعاضة عن أنواع الأشجار المزروعة بأنواع جديدة مرغوبة لدى المستهلك. وحتى تحقيق ذلك، يجب مساندة المزارعين على الصمود".


"الى أي مدى تعوّلون على امكانية النهوض في القطاع الزراعي؟" يجيب أن "يعاود المواطن اليوم استثماره في قطاع الزراعة بعد أكثر من 10 سنوات من الخيبة التي حملته على #النزوح. باتوا يتّخذون مبادرات جديرة بالتقدير ويعودون من بيروت للاستقرار في قراهم. هذا يعني أن نموّ القطاع الزراعي في المنطقة قد بدأ بالفعل".


كان لا بدّ من العودة الى الكيان. ليس عيباً العمل كحاجبٍ او سائق أو نادل في مطعم. لكن المؤسف التخلّي عن الأرض والهويّة لصالح الضياع في أروقةٍ غريبة. انهم يعودون اليوم الى حيث كَتبت القصّة لهم التفصيل الأوّل... الى حيث يجب عليهم ان يكونوا.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم