الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

وسط فراغ خلفته الدولة العراقية... طوز خورماتو تتيح فرصة تذوق ما يعنيه التقسيم على الأرض

المصدر: (رويترز)
وسط فراغ خلفته الدولة العراقية... طوز خورماتو تتيح فرصة تذوق ما يعنيه التقسيم على الأرض
وسط فراغ خلفته الدولة العراقية... طوز خورماتو تتيح فرصة تذوق ما يعنيه التقسيم على الأرض
A+ A-

في بعض المواقع يأخذ الخط الذي يقسم هذه المدينة في شمال العراق إلى شطرين شكل الجدران الواقية من الشظايا والمتاريس التي تصنع نهايات مفاجئة للشوارع المتربة.


وفي مواقع أخرى لا يرى هذا الخط سوى أهل طوز خورماتو الذين يدركون بالفطرة أين ينتهي عالمهم في هذه المدينة وأين تبدأ الأرض المعادية.
يسيطر الأكراد على أحد الشطرين أما الشطر الآخر فيخضع لسيطرة التركمان الشيعة. ويخوض الطرفان حربا من أجل فرض النفوذ في المدينة التي يتجاوز عدد سكانها 100 ألف نسمة من المحتمل أن تنزلق للمشاركة فيها جماعات مسلحة قوية لتتحول إلى مواجهة أوسع نطاقا في الفراغ الذي خلفته الدولة العراقية.


وتتيح طوز خورماتو فرصة لتذوق ما يعنيه التقسيم على أرض الواقع بعد عامين من اجتياح تنظيم الدولة الإسلامية شمال العراق وغربه لتحيي توترات طائفية وعرقية وتفتح بابا لصراعات جديدة معقدة على السلطة من شأنها أن تزيد من تفتت البلاد.
ويواجه رئيس البلدية الكردي صعوبات شديدة في فرض سلطته على الجانب التركماني من الخط الفاصل كما أن الشرطة أضعف من الجماعات المسلحة التي تجوب الشوارع.


وقال كريم شكور المسؤول الكردي في الإدارة المحلية في مكتبه داخل مجمع محصن في طوز خورماتو الواقعة على مسافة 175 كيلومترا تقريبا شمالي بغداد "المؤسف أنها أصبحت مدينتين".


وأصبحت بيوت كثيرة في كل الشوارع تقريبا على الجانبين معروضة للبيع لأن الأسر تفر من المدينة خوفا من تزايد العنف. ويقف شبان يحملون بنادق والقلق باد على وجوههم خارج قواعد الفصائل المسلحة بينما كتبت على الجدران عبارات تشير إلى أن الدماء ستسيل.
وقال شيخ من التركمان الشيعة: "لم تحدث هذه العداوة من قبل"، وأضاف أنه كان يعيش في أحياء مختلطة إلى أن حرق أكراد منزله عندما بدأت أعمال العنف بين الجانبين في تشرين الثاني الماضي.


أما الآن فهو يعيش في منطقة بها أغلبية تركمانية انتقل منها الأكراد إلى حي آخر.
وأصبح السوق الرئيسي الذي اعتاد الطرفان إتمام تعاملاتهما من خلاله تحت سيطرة التركمان، وبات الأكراد يخشون الذهاب إليه ففتحوا مجموعة جديدة من المتاجر في الشطر الخاص بهم من المدينة.


وقال محمد عباس رئيس بلدية المدينة إنه قسم عماله إلى جماعتين حتى يمكنهم تنظيف الشوارع في أمان.
وأضاف: "نحن نوزعهم حسب الطائفة والعرق حتى يمكنهم الوصول إلى جميع المناطق. فنرسل الأكراد إلى المناطق الكردية والتركمان إلى المناطق التركمانية".


وهجر المدرسون والتلامذة التركمان المدارس الواقعة في الشطر الكردي وانسحب الأكراد من مدارس الشطر التركماني. وأصبح المستشفى الرئيسي محظورا على الأكراد ولا تجروء سوى قلة قليلة على دخول المحكمة أو مكتب التوثيق لأنهما يقعان قرب قاعدة للفصائل والوقف الشيعي.


وتدهورت الصداقات بين التركمان والأكراد ومن يتجاوز الخط الفاصل بين الشطرين يجازف بالتعرض للإهانة أو الاعتداء الجسدي أو الخطف أو حتى القتل.


وفي الشهر الماضي تلقى سبعة من العاملين الأكراد في مركز طبي بضاحية يهيمن عليها التركمان رسالة نصية عبر الهاتف تطالبهم بإنزال علمهم والرحيل.
وقالت الرسالة التي اطلعت عليها رويترز وكانت موقعة باسم التركمان الشيعة: "سنحاربكم أينما كنتم ونسحق رؤوسكم تحت أقدامنا ونجعلكم عبيدا لنا".


اللعبة المتغيرة
والخط الفاصل الذي يتشكل عبر طوز خورماتو جزء من جبهة أطول طرفاها الحكومة العراقية في بغداد والأكراد الذين يديرون إقليمهم في شمال البلاد.
وفي السنوات التي انقضت منذ الاجتياح الأميركي للعراق سعى الطرفان لتدعيم مطالبتهما بأحقية كل منهما في المدينة ومناطق أوسع موضع نزاع فضما إليها جماعات محلية أو أرغماها على الإذعان لهما وفي كثير من الأحيان خلق ذلك عداوات بين هذه الجماعات.


وتغيرت اللعبة عندما اجتاح مقاتلو تنظيم الدولة الإسلامية نحو ثلث العراق العام 2014 واستولوا على مدن من بينها الفلوجة غربي بغداد وتفكك الجيش جزئيا مما خلق فراغا في السلطة.


وسيطر الأكراد على مناطق واسعة في الشمال وأرسلوا قوات البشمركة إلى عمق المناطق المتنازع عليها ومن بينها طوز خورماتو التي دافعوا عنها في مواجهة الدولة الإسلامية.
ولم يتقبل التركمان الشيعة احتمال ضمهم إلى الإقليم شبه المستقل الذي يأمل الأكراد تحويله إلى دولة وانضموا إلى مجموعة من الفصائل المسلحة التي انضوت تحت لواء الحشد الشعبي الذي يخضع لتوجيهات بغداد.


وقال الحاج رضا القائد المحلي لفصيل شهداء الصدر "الأكراد يزعمون أن طوز خورماتو جزء من إقليم كردستان ونحن نعتقد أنه يخص حكومة العراق المركزية. ولن نتهاون في ذلك".


ويرتاب الأكراد في مساعي التركمان للسيطرة على المدينة خشية أن تكون جزءا من برنامج إقليمي أوسع نطاقا للشيعة لتحدي نفوذهم في مدينة كركوك النفطية المتنازع عليها والتي تقع على مسافة 80 كيلومترا إلى الشمال.


وقد نحى الطرفان خلافاتهما جانبا لطرد تنظيم الدولة الإسلامية من طوز خورماتو في أواخر عام 2014 ثم ظهرت احتكاكات بين الفصائل المسلحة المتعددة. وتزايدت الفوضى في المدينة ووقعت عمليات خطف وقتل استهدفت في الغالب العرب من السنّة الذين فر عدد كبير منهم من المدينة.


واشتعل الفتيل في نيسان عندما ألقى أفراد من فصيل شهداء الصدر قنبلة على قاعدة لأحد قادة البشمركة الأكراد ورد رجاله بقذائف صاروخية ما أدى إلى تدخل فصائل أخرى ومسلحين من أهل المدينة وتحولت الاشتباكات إلى معارك ضارية في الشوارع.


ويتنبأ البعض بأن ما حدث ما هو إلا بداية لصراع أكبر سيحدث بين فصائل الحشد الشعبي والبشمركة بمجرد أن يقل الخطر الذي يمثله العدو المشترك تنظيم الدولة الإسلامية.


أصحاب النفوذ
مع كل جولة من جولات العنف تتزايد صعوبة إعادة توحيد طوز خورماتو وتتسع الهوة بين المقاتلين ومن يتولون مسؤولية المدينة.
وأحبط أحدث جولة من الاشتباكات اتفاق بين كبار القادة الشيعة والأكراد حثتهم عليه ايران التي تحتفظ بعلاقات طبية مع الجانبين.
ورغم اختلاف أهداف كل من الفريقين فلكل من الطرفين الرئيسيين - منظمة بدر الشيعية والاتحاد الوطني الكردستاني - مصلحة في الحفاظ على الاستقرار.


لكن ثمة فصائل أخرى في كل جانب من الجانبين تستفيد من المواجهة باكتساب مكانة بين أهل المدينة الذين لم يعد أي منهم يؤمن بالحلول الوسط.
وقال فلاح حسن التركمان: "لو سمحت لنا ايران لما تركنا كرديا واحدا يبقى هنا".


وقال كانا كيتر (36 عاما) وهو من أفراد قوات البشمركة إن الأكراد غير راضين عن وقف الصراع الآن.
وأضاف: "هذه المرة لا أعتقد أن أهل المدينة سيذعنون لحكومتهم".


وفي الوقت الحالي ما زال وقف إطلاق النار صامدا لكن اتضح أن من الصعب تنفيذ عدة شروط من الاتفاق وأصبحت الشكوك تساور كل طرف أن الطرف الآخر يستعد لجولة جديدة من القتال.
وقال مدني كردي عاد من بلجيكا للمشاركة في القتال في سبيل بلدته "الحكومتان في بغداد واربيل تقول إن علينا العيش معا مثلما كنا من قبل لكن هذا لن يحدث. فالدم يفصل بيننا وبينهم".

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم