الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

التبانة والجبل: من القتال الى صناديق الاقتراع

طرابلس- يارا عرجة
التبانة والجبل: من القتال الى صناديق الاقتراع
التبانة والجبل: من القتال الى صناديق الاقتراع
A+ A-

تجول شوارع طرابلس منذ بداية الأسبوع مواكب سيارة تابعة للتيارات السياسية المتحالفة من جهة، ومن جهة أخرى مواكب تابعة لوزير العدل المستقيل اشرف ريفي، "احتفالاً بنصر" استبقه الفريقان. مظاهر الحماس والبهجة اقتصرت على بعض المناصرين المتحزبين والشبان الذين لم يتجاوزوا سنّ الثمانية عشرة، فيما فضلت الأغلبية الطرابلسية الاعتكاف عن الاقتراع، وفق ما بيّنت نسب الاقتراع حتى وقت متقدم من بعد الظهر.  


في منطقتي التبانة وجبل محسن اللتين عرفتا 23 جولة من القتال، انتظر البعض بهدوء وملل، هطول المال السياسي، وتداول بعض آخر بأخبار عن شراء أصوات من سياسيين يقودون لوائح، متحدثاً عن شراء أصوات بمبلغ يتراوح بين 150 ألف ليرة و200 ألف ليرة.
في أحياء التبانة التي يغمرها البؤس، تصادفك الكثير من صور وزير العدل المستقيل والرئيس نجيب ميقاتي. هنا يمكن القول انه منذ مغادرة رفعت عيد وحصول التسوية الأمنية-السياسية، هدأت الأمور لتصل بأمان الى المحطة الانتخابية حيث سيتوجبُ على المقاتلين القدامى ان يدلوا بأصواتهم. نتحدث الى أحد المقاتلين فيخبرنا انه سينتخب الوزير ريفي لأنه يمثله متحدثاً عن عملية التمويل التي كان يؤمنها السياسيون زمن المعارك: "كان لكل زعيم سياسي مجموعته. كنت أنتمي لاحدى المجموعات، وبلغ راتبي الشهري 200 دولار أميركي بالإضافة الى تأمين الذخيرة والطعام. كان لكل من يشكلون لوائح اليوم مجموعته القتالية التي يموّلها، ومن غادر البلاد منهم قد شعبيته لاسيما ان المساعدات التي كانت تقدم لنا توقفت."


في مقابل توجه كثيرين لانتخاب اللوائح التي يدعمها ريفي في التبانة، يرفض البعض الإدلاء بصوته لأن في رأيه ان "السياسيين جميعهم لم يقوموا بانماء المنطقة لا بل عمدوا إلى تهشيمها". وهناك فئة تهلل "لانجازات ميقاتي" وتحضّ الجميع على انتخاب اللائحة "زي ما هي" وهؤلاء يتحدثون عن مساعدة رئيس الحكومة السابق للبعض لاسيما على صعيد التوظيف.


من يجول في هذه الاحياء الطرابلسية الفقيرة، سيستمع من كثيرين الى لازمة ان "سياسة التفقير والبطالة المفروضة على سكان باب التبانة، واعتبارهم مجرد أصوات تلزم الكثيرين بالتبعية للزعيم". ويتصدى المرشح المستقل من باب التبانة عربي عكاوي، وهو نجل الشهيد خليل عكاوي الذي قتل على أيدي النظام السوري، لهذه السياسة معتبراً في حديث لـ"النهار" ان "اهل التبانة دفعوا مجاناً ثمن الصراع السياسي. نحن مهمشون، نمارس حق الاقتراع اليوم لأننا نريد تحصيل حقوقنا التي لا تؤمنها لنا سوى البلدية". ويضيف "طلب مني أن اعود عن ترشيحي ولكنني رفضت لأنني بذلك أخون أهلي في التبانة وذكرى والدي".


للعكاوي شعبية كبيرة في التبانة التي تسعى من خلال الاقتراع له اليوم الى اعادة الاعتبار إلى المنطقة ووجودها على الخريطة الطرابلسية. ولكن على الرغم من كل ذلك، ثمة من لم ينتخب بعد، اذ لم بلغت نسبة الاقتراع في متوسطة التبانة الرسمية ومدرسة أبو فراس الحمداني في جبل محسن سوى 2 في المئة في كل قلم حتى الظهر. والسبب؟ "انتظار البعض المال السياسي. فأهل التبانة تماماً كأهل جبل محسن يعانون التهميش والفقر والعوز. بعضهم، دون مبالغة، لا يمتلكون المال للطعام"، يردد رجل في الشارع خارج قلم اقتراع. ويقول آخر: "لن انتخب دون مال سياسي. أعطوني المال انتخب."
على ضفة جبل محسن، يخيّم هدوء، ويقول أحد السكان : "نحن طائفة مهمشة، نريد ان نصنع قرارنا بأنفسنا لا ان يفرضه احد علينا. خطنا مع المقاومة، سننتخب من يمثل خطنا وكل من هو داعم للمقاومة، ومن هو إلى جانبنا وقت الشدة". وفي رأيه ان "سكان الجبل اختاروا الديموقراطية بدلاً من السلاح الذي فرض عليهم لأنهم مع العيش المشترك".
ورغم الاقرار ان "لائحة ريفي اقرب الى الفقراء"، ينتقد البعض في الجبل الوزير المستقيل ويتهمه بالتجييش الطائفي ويقول "سننتخب "لـِ طرابلس" نكاية". الى ذلك، شكا عدد ممن التقيناهم في الجبل، ما أسموه "عدم السخاء في تسجيل مندوبين للوائح الائتلافية في المنطقة".
يبقى ان ما يجمع أهل التبانة والجبل، هو التهميش والفقر والعوز. وليس مستغرباً ان تستمع الى ما يردده سكان في المنطقتين بشيء من التندر "السياسيون مدوا اهل المكانين بالسلاح للقتال من اجل مصالحهم، واليوم يتحالفون...". الا ان صرخة الجبل والتبانة واحدة اليوم، مع صندوق الاقتراع وضد السلاح، مع صندوق الاقتراع ان كان من أمل في التغيير، ورفضاً للدم والمعارك.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم