الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

الفلوجة: ليس بـ"الحشد" وحده يحيا العراق

المصدر: "النهار"
امين قمورية
الفلوجة: ليس بـ"الحشد" وحده يحيا العراق
الفلوجة: ليس بـ"الحشد" وحده يحيا العراق
A+ A-

تعتبر معركة استرداد #الفلوجة العراقية من تنظيم "الدولة الاسلامية" (#داعش) ذات اهمية استراتيجية كون المدينة التي تبعد عن العاصمة #بغداد 60 كيلومترا وعن الرمادي 36 كيلومترا، تشكل نقطة انطلاق للعمليات العسكرية في قلب مناطق "داعش"، وتاليا تقليصًا للمساحة التي يسيطر عليها التنظيم، ما يحدّ من حركته وقدرته على التواصل في ما بين فصائله ويمنعه من الوصول إلى مناطق عراقية إضافية.


ونظرا الى قرب الفلوجة من العاصمة، كانت ممراً أساسياً للمفخّخات وسيارات الموت التي كانت ترسل الى قلب بغداد ومحيطها. كما يوجد فيها وفي محيطها قواعد عسكرية مهمة كالحبانية والبغدادي والوليد، والتي يمكن استخدامها كنقاط انطلاق استراتيجية متقدمة للعمليات العسكرية للقوات العراقية في عملياتها اللاحقة في الأنبار وغيرها.


لكن، بغض النظر عن مقدار الجهد الذي تستثمره الحكومة العراقية في هذه العملية العسكرية، فإن النجاح يكون محدوداً من دون ثقة السكان المحليين، والذين تكون حياتهم وسبل معيشتهم على المحك نتيجة هذه العمليات. فالحكومة العراقية لا تزال بعيدة عن نيل رضا سكان المدينة من السنّة لهذه المبادرة التي يقودها الجيش نظرا الى المشاركة الواسعة لقوات "الحشد الشعبي" المكونة من الميليشيات الشيعية ما يعيد الى الذاكرة ما حدث في تكريت. وحتى لو تمكن الجيش من التغلب على "داعش" في الفلوجة، فإنه سيجد صعوبة في الاستمرار في السيطرة على المدينة من دون تعاون سكانها. فلا يمكن ان تعتبر أيّ عملية عسكرية مناهضة لـ "داعش" ناجحة من دون تعاون السكان المحليين. ولكن هذه الصيغة غير موجودة في العراق اليوم. فغالبية السنة يرون في مباركة الحكومة لدور الميليشيات الشيعية في المعارك ضد "داعش" دليلا على استمرارها في التمييز ضدهم. هذا الاستياء هو بدوره سبب لاستمرار احتضان العشائر السنّية لـ"داعش" في الفلوجة والموصل.


وما زاد في هذا الطين بلة حرص قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الايراني والراعي لكل التنظيمات الشيعية في المنطقة، الجنرال قاسم سليماني، على نشر صور وجوده في غرفة عمليات فصائل الحشد الشعبي العراقي . فعلى رغم ان الاتفاق بين طهران وواشنطن في شأن عملية تحرير الفلوجة، حدد الدور الفعلي لـ "الحشد الشعبي" بالاسناد وتنظيف المناطق المحيطة بالفلوجة وعدم مشاركتها في الدخول الى هذه المدينة. وعلى رغم حرص رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، على عدم تحويل هذه المعركة الى صراع "طائفي" بين مكونين اساسيين في التركيبة العراقية، فان الدخول الايراني المباشر على الخط قلب التفاهمات وغيّر المعطيات وأثار الكثير من التساؤلات عن الاسباب والاهداف؟


وفي اي حال فإن من شأن هكذا تدخل على هذا المستوى ان يحول معركة الفلوجة، من معركة ضد الارهاب الى معركة طائفية جديدة ستلقي بظلال ثقيلة على العمل الحكومي العراقي ومسار الحرب على الارهاب لا سيما استعادة الموصل، اذ سيسهم في استنفار القوى السياسية العراقية "السنّية" في وجه الحكومة التي عملت في المرحلة السابقة للتوصل الى اتفاق مع هذه القوى على طبيعة المعركة المقبلة في الموصل، وحدود تدخل قوات الحشد الشعبي فيها.
اما اذا كان هدف العملية واصرار "الحشد الشعبي" على المشاركة فيها هو حماية بغداد من التفجيرات الانتحارية ومفخّخات الموت واعادة الاستقرار اليها ، فإن السؤال الذي يحيّر صناع القرار في العراق وفي الائتلاف الدولي، هل ان تحرير الفلوجة سينقذ العاصمة التي تتحول الى فوضى طائفية وحكم ميليشيات؟


وبحسب التقارير الامنية فإن "داعش" اعلن في 18 أيار مسؤوليته عن مقتل 522 عراقيًّا في منطقة بغداد خلال هذا الشهر تزامنا مع بدء عملية واشنطن، وجميعهم تقريباً من المدنيين. وأشار موقع "ضحايا حرب العراق" إلى أن المتوسط الشهري لأعداد القتلى في مختلف أنحاء البلاد في الثلث الأول من عام 2016 بلغ 1081 شخصاً، ما يشير الى أن حصيلة ضحايا شهر أيار قد تكون الأعلى من أيّ شهر منذ بداية هجمات "الدولة الإسلامية" في صيف 2014. ويعتقد محللون امنيون ان انحسار عدد الهجمات في بغداد في الفترة التي سبقت الشهر الحالي، سببه انشغال "داعش" بفرض سيطرته على المدن التي يحتلها، اما الآن وبعد تعرض التنظيم لنكسات ميدانية عدة ، فانه عاد الى تكتيكاته الارهابية السابقة.


وأدت الوحشية الشديدة لحملة التفجيرات الأخيرة التي قام بها التنظيم المتطرف إلى دفع البعض إلى التفكير في بعض الحلول المتطرفة نسبياً. ويتمثل أحد الخيارات في أن تسمح بغداد للميليشيات الشيعية بتولّي عمليات الأمن. وقد تؤدي المضايقات التي تسبّبها الميليشيات إلى جلاء سكان بعض المناطق السنّية المشتبه في انها كانت منطلقا لهجمات. وكما حدث عام 2014 في منطقة جرف الصخر، الامر الذي قد يعزل بغداد تماماً عن ضواحيها. وحينذاك، سيتعين على المواطنين من خارج بغداد - والمقصود بالفعل المواطنين السنّة - تسجيل أسمائهم مع من يكفلهم قبل أن تُمنح لهم تصاريح الدخول إلى المدينة، على غرار ما يتطلبه إقليم كردستان العراق من الزوار العرب. وستسيطر الميليشيات، على مناطقها الخاصة ومداخل المدينة عند نقاط التفتيش المسلحة. وتاليا، سسينحسر دور قوات الأمن الحكومية في المحافظة على أمن العاصمة لمصلحة قوى الامر الواقع الطائفية عموما.


وعلى رغم أن ذلك يبدو حلاً آنيا، إلا أنه يُعدّ وسيلة سريعة لفقدان الحكومة المركزية السيطرة على بغداد وخضوعها لحكم الميليشيات الطائفية، وتاليا التأسيس لتهميش طائفي جديد وزرع بذور تطرف اشد بأسا. لذا مع بدء تحرير الفلوجة والاستعداد لمعركة الموصل، فإن السؤال المفترض هو ما الحل الامثل بعد الانتهاء من "داعش"؟


الجواب هنا برأي كل المعنيين بخلاص #العراق وبناء الدولة الديموقراطية الحديثة فيه، يستدعي برنامج إنقاذ وجودي للدولة العراقية، ولعل أول خطوة في ذلك تشخيص الخطأ الذي ارتكبه جميع الأطراف الفاعلة والمتسبّبة بهذا الدمار الذي استباح الحياة العراقية على نحو خطير ومشوه لم تشهده منذ دخول هولاكو لبغداد. ثم الاتفاق على: اولا، فصل ماهو سياسي عمّا هو دعوي مذهبي أو طائفي عبر إصلاح الدستور والنظام السياسي وقانون الانتخاب وتطبيق قانون الأحزاب .ثانيا، إلغاء الطائفية السياسية وبناء دولة المواطنة، وثالثا والاهم حل الميليشيات وكل الجماعات المسلحة باختلاف انتماءاتها وجهاتها المناطقية وتحت أيّ مبرر كان.


[email protected]
Twiter:@amine.kam


 

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم